الحب المفرط بين البشر لا يخلو من أذى. أما الكراهية المفرطة فاغتيال من نوع آخر. والذين يفرطون في حبهم نادرون وإن صاحبت ممارساتهم أذى. والأذى لن يعيد هذا العالم إلى سيرته الأولى. سيتجاوزه بمراحل. أما الذين يتجاوزون ما بعد الكراهية فيغتالون الحياة نفسها التي من المفترض أن تقوم على الحب والتآلف والاحترام والتقدير والمراعاة.
ولأن الذين يمسكون بمقدرات ومصير العالم اليوم يعانون من تصحر عاطفي وأخلاقي، أصبح الحديث عن الحب ضرباً من رقص وردح في مجلس عزاء، وأصبح ضرباً من محاولة إقناع تماسيح لم تذق طعاماً منذ وقت طويل بالتغاضي عن وجبتها الأولى بعد انقطاع ولو كان من أبناء عمومة وخؤولة وحتى أبناء التماسيح نفسها!
ثم إنه صار من قبيل الترف والعبث والكتابة على «عرقوب» أن يذهب النص في رؤية شعرية يتناول فيها العالم بوضعه الحالي وأفقه المسدود وتضاعف احتقاناته. لا شاعرية فيه يمكن أن توقظ فيك حس تناول ضمن تلك الرؤية، على رغم أن اللغة مخاتلة وماكرة وقادرة على اجتياز كل المتاريس وكل أزماتها الخاصة وأزمات الذين يتعاطون معها؛ لكنها في نهاية الأمر ستصطدم مع واقع من عدم وحقيقة الطريقة التي يدار بها هذا العالم ويدشن فيه أسلوب انقضاضه على كل حركة وحس وإعمار على اختلاف الحاضنات التي يمكن أن تستوعبه.
لا شيء يبعث على الضجر في حدوده العميقة والفاضحة مثل الحديث عن حب في تفشي الكراهية، ومثل الحديث عن عدالة في ظل مظالم تمتد من الصومال ولا تنتهي عند القطب المتجمد الشمالي. ولا شيء يبعث على الزيف مثل الحديث عن التعايش في ظل الاستهداف، وعن المواطنة في ظل انعدامها والتمييز، وعن الشفافية في ظل رواج الفساد والنهب، وعن العدالة في ظل امتداد المطالبات برفع مزيد من المشانق لحظة وهم وسكرة، وعن القانون في ظل انعدام ما يدل عليه.
كل حب في هذا العالم يتوخى خيره والنأي به عن أسباب تدميره، مصدره الله. وكل كراهية تتسع وتتفشى وتعمم وتتطاول مصدرها شياطين هذا العالم من إنسه وجنه. شياطين لهم أسر يحرصون على تفقد تفاصيل أحوالها، ويبكون في الفقد ويفرحون في الوصل ويبتهجون في الأعياد؛ لكنهم يظلون على تماس مع شياطينهم حين يتعلق الأمر بالآخرين. بالخارج عن حدود عالمهم الصغير والمبتسر الذي يرون من خلاله العالم، ويرون ممارساتهم فيه قمة ما اهتدت إليه أخلاق الإنسان محصوراً أو متجسداً فيهم. شياطين من خريجي حتى جامعات الفقه والأصول والعقائد والأخلاق، لكنك لا تجد فقهاً بل سفهاً ولا تجد أصولاً بل تجد انعدام أصول ولا تجد عقائد بل تجد عقداً ولا تجد أخلاقاً بل تجد خوراً وخواراً. كائنات لا أدري هل تنتسب إلى هذا العالم، وهي تعمل على تمزيقه وتدميره بكراهيتها وإيقاظ نصوص الكراهية التي لا تجيد سواها، أم تنتسب إلى ما قبل اكتشاف الجاذبية والنار والعاطفة؟ وما يشهده العالم في وقتنا الراهن من انفراج مؤقت في جانب من خريطة العالم، لا يعدو كونه إعادة ترتيب أولويات وإعادة ترتيب مصالح وليس مراجعات أخلاقية وقيمية تحاول أن تكفر عن كفرها بالإنسان والقيم الدالة عليه، ومحاولة لإعادة الاعتبار لكل تجاوز رصدته وحصدته الأرواح قبل أن ترصده وتحصده الكاميرات وتقنية إحصاء الأنفاس ووسائل الإعلام والإفصاح والفضح.
«وللناس فيما يعشقون مذاهب». لكن المذاهب طغت على عشق أي شيء. طغت على تكريس مزيد من الغل والتفتيت والتفريق. لا فسحة لعقل ولا فسحة لقلب ولا فسحة لما تم تجاوزه ضمن مساحتهما.
وبالعودة إلى أن الحب المفرط بين البشر لا يخلو من أذى، بقياس الشروخ الناشئة في مجتمعات قائمة على الأرقام والاستهلاك وبرود الحس وأحياناً انعدام العواطف وتقييم الفرد برصيده المصرفي ورصيده الجيني ورصيده القبلي، وبقياس انعدام المقاييس أساساً وزوالها، وبقياس الترويج للنبلاء الجدد. نبلاء الأوقات المنحرفة ونبلاء الغفلة ونبلاء النهب ورياضيي البورصات وسماسرة «فرق تسد» واختصاصيي إخصاء كل توافق ومحبة في هذا العالم، لا يمكن الحديث عن فرصة متر لهذا الحس الهلامي (الحب) في عالم ذاهب في دمويته حد التوحد به.
وبالعودة إلى أن الكراهية اغتيال من نوع آخر، يمكننا الوقوف عليها واستجواب شواهدها في كل حركة ونبض وممارسة وتعامل في المحيط الذي نحياه من دون أن نحتاج إلى تجاوزه لنتأكد من أنها هناك. في التفاصيل كما يكمن الشيطان في التفاصيل. تعبث بمصير العالم وأعصابه ومستقبله.
يدرك كل منا الفارق بين أن تدعو إلى الحب وبين أن تعمل على تثبيته وتفشيه وتعميقه. ويدرك كل منا الفارق بين دعوات «التعايش» المتكررة والملغومة وكأننا شعب طارئ وكأننا أقليات دينية وإثنية ليست من الإسلام في شيء وبين أن تنتصر لعدم الفصل واللعب بالمفاهيم والمصطلحات، والأهم من كل ذلك، عدم التحريض على إغفال الممارسة على الأرض.
في هذا العصر المفتقر إلى الحب في أجلى وأصدق وأطهر صوره، لا نحتاج إلى سباكي علاقات عامة، ولا نحتاج إلى مهدئات أعصاب، ولا نحتاج إلى صاعق كهربي يدفع بنا إما إلى القبر أو الشلل النصفي. نحتاج إلى حيوية المبادرات وصدقها وقدرتها على تجاوز ما ارتكبه المتمصلحون والنفعيون وتجار الكوارث. أولئك الذين كادوا؛ بل أسهموا في جعل هذا العالم صحراء مقفرة من كل قيمة، وخصوصاً قيمة الحب بين مخلوقات هذا العالم.
وبالعودة إلى النبلاء الجدد، كل فساد وخراب ووباء وانقسام وانتهاكات وفقر وحتى تقلبات الطقس لهم يد فيها ويعملون على إخلاء هذا الكوكب من سكانه ليستفردوا به ويقيموا جمهوريات الفساد والعدم فيه
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3330 - الأربعاء 19 أكتوبر 2011م الموافق 21 ذي القعدة 1432هـ
عاشقة المطر
عاشقة المطر زائرة 2 كما قلتي كلمات جميلة لاكن الاهم ما تحملة القلوب
اين ذوي الاذن الصاغية
الطوفان مشتعل اين الاذان الصاغية اين القلوب النيرة الا يستطيعوا التواصل بواسطة الدعاء لله سبحانه وتعالى ويقولوا اللهم هيئ لنا من أمرنا ... لا فض فوك عزيزنا ابو محمد .
شكرا لك بو محمد
النبلاء حائط صد أمام أي ضربة حظ لتقارب أو كلمة طيبة
(( الحب في أجلى وأصدق وأطهر صوره، لا نحتاج إلى سباكي علاقات عامة، ولا نحتاج إلى مهدئات أعصاب، ولا نحتاج إلى صاعق كهربي يدفع بنا إما إلى القبر أو الشلل النصفي. نحتاج إلى حيوية المبادرات وصدقها وقدرتها على تجاوز ما ارتكبه المتمصلحون والنفعيون وتجار الكوارث. أولئك الذين كادوا؛ بل أسهموا في جعل هذا العالم صحراء مقفرة من كل قيمة، وخصوصاً قيمة الحب بين مخلوقات هذا العالم.))
سلمت يداك
أعجز عن التعبير عن إعجابي بمقالاتك
انت رائع
ما أجمل أن يتمسك الفرد بشرع المحبة شكرا لكلماتك الجميلة استاذ جعفر انت رائع جدا
عاشقة المطر
كلام جميل ومصطلح ولا اروع
تجار كوارث تسميه في محلها مئه مئه هم يقتاتون الناس يعيشون على دمائهم بغض النظر عن طهاره الدماء او نجاستها المهم يمص ليعيش تكتيك بعوضه في شكل انسان احذرهم قاتلهم الله