إلى إشراقه صباحاتنا الطالعة، إلى إشعاع فجرنا المشرق، على نسمات بلادي الندية، إلى الشفق الجميل حين يلون سماء وطني، إلى زهو الأمل الذي نهض عاشقاً من الألم، إلى الوتر الذي عزف سيمفونية نغم تعدت حدود ضفاف وطني الصغير، لتحلق كطائر الفينيق في عوالم وسماوات الكون.
يا عبدالرحمن... يا من ستبقى في الوجدان خالداً، وفي الضمير أملاً رائداً، يا عبدالرحمن... يا أيها النائم اليقظ... والصامت المتكلم... والهادئ المنتفض... والساكن المنطلق، والمستلقي وقوفاً بشموخ... يمم برأسك شطر ضفاف دلمون الخلود... تراها تصفق بموجاتها لمقدمك...
عرج على بساتين نخيل تايلوس، تراها تحني سعفاتها شوقاً إليك، انعطف نحو إرث أوال وتاريخها، تلقاها حاضنة لقامتك العالية.
أغرس قدميك مرة أخرى في تراب وطنك البحرين، وأشخص ببصرك نحو سماء عشقتها، وذبت في فضاءاتها. سترى وأنا صادق بيقين أيها العزيز أن النجوم سترفرف بأجنحة نوارس الوطن مرحبة بالقادم الذي شال هموم الوطن. وحمل عذابات البشر، وارتحل بين المنافي والسجون حاضناً القلم تارة، وأخرى متكئاً البندقية يبحث عن الجواب الذي طال الوقت على سائله، وعصى الفهم على متلقيه، انهض يا أبا الأمل الخالد، انتفض أيها النسر الجريح، اغمس سهمك في صدر الغياب لتكون حاضراً بجموع الأحباب.
قم يا عبدالرحمن، بعون الرحمن وردد معي أنشودة الزفاف يوم عودتك للوطن...
أوال أحييك فلتسلمي...
وما عشت يا أم لن تظلمي...
فدتك النفوس إذا ما دعا...
إليها الوغى صحت هذا دمي
كف احتضن راحته أغلى الدانات... ذراع صاغت تأريخ أعز الأوطان... قدم جالت مدمية طرقات دلمون وكهوف ظفار... روابي دمشق وجبال لبنان... وهج مشتعل، كل قضايا الأمة بين حناياها... شجر الزيتون وإعصار الثورة والثوار... روح كنخلة طالعة شاخصة من ترب وملح بلاد العرب من أنت...؟! من أنت...؟! ومن أنت...؟!
أنت يا أختاه عنوان العنفوان... أنت الألم الذي تجلى في كل محنة وامتحان... أنت من لعيونك عبدالرحمن، كحل شالته... أنت لدمع لا غير عيونك، وقد ضمته... أنت صبر الانتظار... وقد صبر، وأنت عد الانتصار... وأنت بلقيس، ومن بإرثها سليمان وقد افتتن...
أنت يا أم أمل وخالد آلام وأحلام الحنين لمحطات حرية وخلود وطن لا يرجف فيه الأمل...
وختاماً يا أختاه يا ريحانة الوطن، وأنا الشاهد إليك وعليك بما تضمرين في الوجدان.
من الأمل... يزهو الأمل.
خميس حزين مضى، ذاك اليوم الكسير، وكيف مر وانقضى؟ ليلة طويلة كالحزن في النفوس، وقد استوطن، فجره كئيب يلف حواري وطرقات الوطن، كانت إشعاعات صبحه الثاني وردية ومثقلة بجروح تنزف مثخنة بآهات الألم.
أقبلت صبيحة جمعة ما فارقتها زفرات الوجع... حلت ظهيرة الوداع لفارس ترجل بشموخ الكبرياء... كان الحشد لمقبرة وحدت حياة ما قبل الموت في محرق زهوة الإباء... العيون ذابلة، تحبس دموعها بين المآقي والجفون...
ختمنا مراسم صلاة نعش يتهادى كالسفين من جامع المقبرة... والموكب يعبر بوابتها وشمس تلفح الوجوه... تقدمنا ونسر أوال على الأكف محمول لمثواه ولحده الأخير...
كنا على وعد مع أسراب من حمامات بلادي تجمعت... بعضها يحط على الترب والتراب، وأخريات تحلق للعلا نحو السماء...
اقتربت واحدة منهن لتطلق زفرات فهمت منها الاستئذان بالمشاركة في تشييع نسر فجع الوطن لفقده...
وصلنا المستقر، أنزل النعش، وللثرى ووري الجثمان في مقبرة ترابها العطش وقد ارتوى، والنيزك السماوي هو النسر، وللقبر هوى...
لكن ما ارتويت منه يا وطني ومنك الوريد والوجدان ما ارتوى...
تسمرت قدماي، والصدمة وهولها حيث قرب القبر شجيرة زيتون تتمايل، خصرها يتراقص بإيقاع فرح منطلق، بعذب صوت ولحن جميل منطلق، مرددة...
يا رفاق محمد بونفور، وعبدالرحمن النعيمي... للوفاء تحية دماء زكية، وبحق الله ستبقى أبد الدهر طرية...عبدالله مطيويع هنا زرعني، وبالماء وسقيا وفائه يحضنني... برمزين لا يجاريهما إلا النبلاء ممن طرزوا تأريخ الأوطان بهم أكرمني... ذرفت دموع الوداع متثاقل الخطى وبلا اتزان.
صمت الليل وهجيعه فجر السبت متسللاً للمقبرة حيث كنت على موعد لمشهد لا يمكن أن يتكرر...
أبا الأمل يجوب المقبرة، نازعاً كفنه، ملتحفاً بشال أخضر مطرز باللون الأصفر والأحمر وهو ينادي...
يا محمد... يا محمد... أين أنت يا محمد...
لا جواب بعد النداءات، ولا إجابة للسؤالات...
رفع أبوأمل، للأعلى كفه مناشداً ومنشداً
لقد أضفنا يا بلادي/ نجماً جديداً إلى سماك/ محمد يا فخر بلادي/ هذا أخوك سعيد ينادي سنسير سنسير/ يا جماهير النضال/ لن نهاب الاغتيال/ كان قبلنا رجال/ قد صنعوا المستحيل...
ارتد صوت أبي أمل من سماء الله العالية... أجابه صوت محمد من أرض الله وأجسادها الفانية...
أبا أمل وخالد... وليد وعائشة... لقد أثقلك الحزن، وما آلمك الألم... تعال... تعال يا إشراقة صباحاتنا.
يا إشعاع قمرنا ونجومنا ويا ألق آمالنا...أنا هنا يا رفيقي تقدم لأضمك لما بقي من صدري، وأحملك على بقايا كتفي، وأرفعك بأشلاء زندي...
تعال يا ابن كل البحرين، ويا كل من حمل أبناء فضاء وشواطئ وبساتين البحرين...
كان العناق دافئاً وحاراً كحرارة وجع الفراق، فيممت وجهي خارجاً عن أسوار المقبرة...
لقد تداعت جموع أهلك ومحبيك في كل الوطن الصغير والكبير... مرددة كيف غادرتنا وقررت الرحيل... هل أتعبك الوطن وهل أوجعك هذا الزمن الذي كنت تحلم بأنه الوطن الجميل... لقد سكت لسانك طيلة أكثر من أربعة أعوام... لكن قلبك الكبير ظل ينبض بحب الناس، ونصرة الناس، والانتصار للحق في زمن لا نرى خيطه الأسود من الأبيض...
سلام إليك... وسلام على كتاب مشحون ومفعم بنضالات وتضحيات رجل، ولا كل الرجال... سيبقى هذا الكتاب في ضميرنا والوجدان، والملتقى بك بين يدي الرحمن..
إقرأ أيضا لـ "سلمان كمال الدين "العدد 3329 - الثلثاء 18 أكتوبر 2011م الموافق 20 ذي القعدة 1432هـ
ياعم سلمان
منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر مجموعه ما عرفت هدف غير الوطن ما حبتك غير الوطن ما همها غير الوطن ما طربت لاي وتر يعظف لحن غير بحرين بحرين عاشوا وماتوا والبنوك تشهد بان مايملكون هو مايسد رمقهم فقد كل رصيدهم في الدنيا حب الناس لهم وحبهم للناس ولمثل هذا فليعمل العاملون