بينما كنت أبحث عن أهمية تضمين الثقافة النقابية في المناهج التعليمية بالمدارس البحرينية كخطوة متقدمة باتجاه تطوير التعليم الثانوي، وتهيئة الطلبة وتنمية وعيهم بالعمل النقابي قبل التحاقهم بسوق العمل، وجدت العبارة التالية «إدخال مادة لتعريف الطلبة على موسوعات المجتمع المدني، ومن ضمنها النقابات»، وذلك ضمن حزمة من الحلول والتصورات لمسألة عزوف الشباب عن العمل التطوعي عموماً والنقابي خصوصاً، في ورشة عمل تكميلية بعنوان «تنظيم الشباب في النقابات العمالية»، والتي نظمها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بالتعاون مع الاتحاد الدولي للنقابات الحرة في الفترة 23 ـ 25 أبريل/ نيسان 2006م.
مما لاشك فيه أن مؤسسات المجتمع المدني تلعب دوراً مهماً وأساسياً في التربية المدنية والتعليم من أجل المواطنة الديمقراطية والتعددية واحترام مبادئ حقوق الإنسان، وما الوعي بأهمية العمل النقابي بشقيه المهني والعمالي، إلا امتداداً حقيقياً وواقعياً لدور هذه المؤسسات باعتبارها سلطة خامسة خارج الحكم في الدولة الحديثة، فهي شبكات غير حكومية (غير رسمية) وتعمل بشكل مستقل، ولها تأثير كبير في العملية التنموية.
قبل فترة وجيزة، اطلعت على إصدارات المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان فوجدتُ دليلاً تدريبياً بعنوان «النقابات المهنية بين قيود القانون وجماعات الضغط» للقيادات النقابية الشابة، حيث عرَّف الدليل النقابات المهنية بأنها «مجموعات من الأفراد ينشأ بينها اتحاد على أساس تطوعي وأحياناً على أساس إجباري، لكي تضم من يعملون في مهنة واحدة أو تخصص واحد، بهدف تحقيق مصالح أعضائها ورفع مستواهم المهني، وتوفير ميثاق شرف أخلاقي يحكم أداء المهنة، ومحاولة التأثير في القوانين والسياسات التي يمكن أن تؤثر في الأعضاء أصحاب المهن الواحدة أو التخصص الواحد، والعمل على توفير نظام للمعاشات يحمي الأعضاء وأسرهم في حالات الشيخوخة أو الوفاة أو العجز، وتوفير نظام للتأمين الصحي يكفل العلاج للأعضاء وأسرهم بأسعار معقولة، والدفاع عن القضايا الوطنية والقومية للمجتمع، وربط أعضاء النقابة الواحدة أو أصحاب التخصص الواحد أو المهنة الواحدة برباط من الزمالة يحقق التضامن فيما بين الأعضاء».
وعليه نستطيع القول إن العمل النقابي يعتمد أساساً على الأعضاء وأصحاب المهنة أو الحرفة الواحدة من جهة، وبالقيود التي تفرض عليها من قِبل الدول من جهة أخرى.
بمعنى آخر، فإن نجاح عمل النقابات وإخفاقها مرتبطان بسقف التشريعات والقيود القانونية، والحراك الموجود داخل جماعات الضغط التي تمارسها النقابات.
إن التربية على الثقافة النقابية في مؤسساتنا التعليمية، تعني إعداد جيل جديد من القيادات النقابية الشابة بهدف إطلاعهم على مفاهيم العمل النقابي وطبيعة العمل في هذا الحقل والمهارات اللازمة لذلك، والوقوف على أفضل الخبرات والممارسات، وحثهم على زيادة المشاركة والانخراط في العمل النقابي، وإعداد كوادر وقيادات مهنية شابة، وبحث المشكلات التي تواجه العمل النقابي ووضع الاستراتيجيات لمواجهتها وحلها.
إلا أن السؤال المطروح هو: كيف يمكن تضمين الثقافة النقابية في مناهجنا التعليمية بالمدارس؟
إننا نعتبر التربية على الثقافة النقابية جزءاً لا يتجزأ من المشروع الذي تحدثنا عنه سابقاً «التربية على حقوق الإنسان»، لأن الحقوق النقابية تحظى بحماية المعاهدات الدولية، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والميثاق الدولي للحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي وغيرها، ولذا فإن خطة التربية على الثقافة النقابية لابد أن تكون متكاملة، بحيث تشمل ساعات معتمدة يدرسها الطالب تماماً كسائر المساقات التعليمية الأخرى بالمرحلة الثانوية، مثل: مساق خدمة المجتمع، بحيث تتضمن الإطارين: النظري والعملي، ففي الإطار النظري يكتسب الطالب مفاهيم حقوقية مجردة عن ماهية النقابات ونشأتها وأهدافها وغاياتها، والمبادئ العامة التي تطرحها بعض الأدبيات النقابية، مثل: مبدأ الإقناع، بأن يكون الفرد مقتنعاً بأهمية الممارسة النقابية في حفظ حقوق الإنسان، ومبدأ الذاتية الإيجابية في الاستعداد للتضحية في سبيل بلوغ الغايات المرجوة، ومبدأ الديمقراطية المركزية بأن تكون جميع القرارات والمواقف النقابية متماشية مع الآليات الديمقراطية التي يشارك فيها جميع الأعضاء، ومبدأ القيادة الجماعية في تجنيب العمل النقابي الأخطاء والذاتية، ومبدأ العمل الجماعي في الاسترشاد بآراء أصحاب الخبرة والزملاء في العمل، ومبدأ المسئولية الفردية، ومبدأ المراقبة والمحاسبة، ومبدأ النقد والنقد الذاتي، ومبدأ تقبل الرأي المعارض، وأخيراً مبدأ موضوعية الاختيار والابتعاد في اتخاذ القرار عن تأثير العاطفة والمصالح الفردية.
يتبعه الإطار العملي، حيث يتدرب الطلبة في النقابات التابعة للشركات أو المؤسسات أو الهيئات الوطنية، بقصد الوقوف والاطلاع على الساحة النقابية عن كثب.
أما بخصوص الفئات المستهدفة من برنامج التربية على الثقافة النقابية فإننا نعوِّل كثيراً على طلبتنا في المرحلة الثانوية، وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية قسم «التوجيه المهني» في مؤسساتنا التعليمية، وإمكانية الاستفادة من حصص الإرشاد لتعزيز الثقافة النقابية، لارتباطها المباشر بمتطلبات سوق العمل.
إننا نعتقد بأن العملية التربوية برمتها أشبه ما تكون بكرة الثلج، فهي عملية تراكمية ومتكاملة تبدأ من التربية الأسرية، وبعدها يأتي دور التعليم الأساسي عندما يفتح الطالب عينيه في المدرسة على الكيانات الطلابية، مثل «مجلس الطلبة» أو «البرلمان المدرسي»، بحيث يختار ممثليه عن طريق التصويت الحر والمباشر وصناديق الاقتراع، ليتشرب بهذه الثقافة من صغره، ومن ثم بعدما يتخرج من المدرسة ويلتحق بالجامعة يقوم بانتخاب أعضاء مجالس الطلبة أو الجمعيات أو الاتحادات الطلابية، وبعد حصوله على الشهادة الجامعية والتحاقه بسوق العمل يأتي دوره إما في اختيار أعضاء النقابات أو الترشح هو شخصياً ضمن القوائم النقابية وكيفية إدارة الحملات الانتخابية وهكذا، لتتسع بعدها الدائرة شيئاً فشيئاً على مستوى الأمة لينتخب ممثلاً له في مجلس النواب.
في المحصلة النهائية، فإن التربية على الثقافة النقابية في مؤسساتنا التعليمية تعني رفد المجتمع الطلابي بسلوكيات ومفردات وآليات العملية الانتخابية، وتشجيع الطاقات الشبابية على العمل التطوعي والانضمام لمؤسسات المجتمع المدني، إيماناً منا بدور التربية في خلق بيئة تعليمية متوازنة ومنفتحة على مفاهيم التعددية وتقبل الآخر والعيش المشترك والمشاركة الإيجابية في الحياة العامة وما إلى ذلك
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3326 - السبت 15 أكتوبر 2011م الموافق 17 ذي القعدة 1432هـ