ذلك ما بات يخشاه المصريّون اليوم. فعلى رغم ما حققته ثورة 25 يناير من وضع الرئيس ونجليه وحاشيته خلف «شبابيك» المحكمة، وما صدر من أحكام طالت عدداً من أركان الفساد ووصِفت بالمخفـَّفة، يشعر أصحاب الثورة الشباب الآن بأن ثمّة محاولة التفاف على ثورتهم تـُحاك في الخفاء.
جولة رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي الأخيرة في شوارع القاهرة، مرتدياً الزي المدني ومن دون حراسة، أثارت المزيد من الشكوك التي كانت تحوم قبلاً عن نيَّته الإبقاء على قبضة الرئاسة في يده عبر الترشح في الانتخابات المقبلة، وهو ما يعني عودة غير مباشرة للنظام «المباركي» مجدداً.
شكوك باتت تتعزز يومياً عبر المحاكمة «غير الجادة» للرئيس السابق كما يصفها الكثير من المصريين، وكذلك المماطلة في تسليم السلطة إلى المؤسسات المدنية من خلال إجراء الانتخابات البرلمانية ثم وضع دستور للبلاد، ثم إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، إذ إنه حتى الآن لم يحدد طنطاوي جدولاً زمنياً لذلك.
الطمأنة التي حاول تمريرها مصدر رسمي للقنوات الإعلامية بأن المجلس العسكري جاد في تسليم السلطة إلى رئيس مدني منتخب، ولا نية لديه للقفز على السلطة، يبدو أنها لم تلقَ قبولاً لدى الشارع المصري، وهو ما حدا بالآلاف إلى الخروج مجدداً قبل يومين إلى ميدان التحرير للمشاركة في جمعة «استعادة الثورة» والإعراب عن غضبهم تجاه سلوك المجلس العسكري منذ الإطاحة بمبارك.
«تلبس بدلة تلبس بوكسر... يسقط يسقط حكم العسكر»، واحد من الشعارات التي رفعها المتظاهرون أمس الأول (الجمعة) التي طالبوا فيها بإنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين وتعديل القانون الانتخابي الذي أعلن أخيرا، بالإضافة إلى تطهير المؤسسات من عناصر النظام السابق، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
في حين تكتنف المشهد المصري ملامح مستقبل غامض، يزداد تمسك شباب الثورة بقبلتهم (ميدان التحرير) كلما ازدادت هواجسهم مما يدور في دهاليز سياسية وعسكرية لم يستطيعوا تحريرها بعد، ويلجأون إليه كلما ضاقت بهم السبل؛ فهم يجدون فيه بعض متنفـَّس من معاناتهم المستمرة، وملتقى لأصحاب الأصوات المكبوتة والمهمَّشة، فضلاً عن كونه منطلق الشرارة التي أطاحت بحكم التوريث المُزمَع.
منظر كهذا تستطيع أن تتخيّله في ذلك الدوّار الصغير وسط العاصمة المصرية، قبل ليلة واحدة من فك الاعتصام الجماهيري بالقوّة، والتي صادفت الأيام الأولى من شهر رمضان المبارك. مجموعة من الشباب يغلقون مداخل الميدان من جهاته الأربع، ويسألون الداخلين عن هوياتهم مع تفتيش احترازي بسيط خشية اندساس «البلطجية» وأصحاب «موقعة الجمل» مجدداً. باعة بسطاء يجلسون على الأرصفة المؤدية إلى الدوار، يبيعون أو يوزعون المرطبات والأغذية من دون أن يستحقر وظيفتهم أحد، ومسيرة صغيرة لبعض شباب الثورة تدور حول الميدان مرددة شعارات تجد في عباراتها الخبرة والإبداع في ابتكار المفردات المعبّرة.
وتتوسط الميدان خيام منتشرة في جميع نواحيه ممتلئة بالبرامج والمحاورات، فيما ترى هناك مجموعة تحفّ بأحد الناشطين أو المسئولين وتناقشه في تطورات الحدث، ومجموعة هنا تتحدث لكاميرا إحدى الوكالات الدولية عن نظرتها إلى مستقبل مصر، وإلى جانبهم بائع العصير الذي لم يفوّت أحد المراسلين الأجانب فرصة أخذ لقاء معه.
وعلى مقربة من الجميع تنتصب منصّة صغيرة، مسك الميكرفون أحد الشباب، مخاطباً الحضور الذي بدا أقلّ من المعهود نتيجة تأخر الوقت، وقال: «لا تتراجعوا، لا تنسحبوا من الميدان، فمطالبنا لم تتحقق بعد، والنظام مازالت أياديه تعبث بنا. مع احترامنا لبعض الجماعات، فإنهم لا يمثلون الثورة، وليس من حقهم أن يقرروا مصيرنا».
هنا اندفع واحد من السلف إلى المنصة محتجاً، فيما اعتلت هتافات الجمهور وسط مشادات كلامية. وإن ارتبك المشهد فلم يكن يعدو كونه واحدة من صور التعددية التي خرج الشعب المصري للمطالبة بها. إنها الحرية والديمقراطية (الحقيقية) التي ينشدون.
لم يدر في البال أنها ستكون الليلة قبل الأخيرة لهذا التجمع التاريخي. غير أن شيئاً واحداً بات مؤكداً؛ وهو أن هذا الميدان سيبقى علامة فارقة في ذهنية الشعوب العربية التي رأت في الثورة المصرية بريق أمل لتحقق آمالها في حكومات غير طويلة الأمد. إنه «ميدان التحرير» قبلة الثورة المصرية
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 3312 - السبت 01 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي القعدة 1432هـ
من قلب الحدث
تكتب وكأنك في قلب الحدث. تأخذ القاريء الى ميدان التحرير, تجعله يتذكر منظر الرئيس خلق الشبابيك, تجعله يتخيل الجولة العسكريه. شكرا لكم وبالتوفيق
وفيت يا الغالي
قراءة مطابقة لكل المجريات في الاقطار العربية... تحليل جميل للواقع سلمت يدك.
باشابوسجاد
يسلم بؤاك ياباشا بو سجاد
عاوزن مقالات اكتر مناك ياعسل يافل
تحية
تحية الى الكاتب المحترم ....