تكوين الإنسان رائعة من روائع الخلق على الأرض، فالعقل هو الجذع الصلب المدرك وغير المرئي في الإنسان لقرارات وانفعالات وأقوال وأفعال، وتمادي، وتماسك، ورؤى، وسواد، وتعامل وحذر، وضجر. والجسم هو الثقل الثابت المرئي، التكويني الذي تتفرع منه طاقات بواسطة قطع غيار وأجزاء مركبة تركيباً حسناً، ليد الخالق دور كبير في إنجازها مثلما تنجز المركبات السيارة على الأرض وفي السماء، وإذا اندمج العقل الصحيح بالجسم الصحيح أصبح الإنسان مركبة أرضية تجوب المناطق وتصنع المعجزات. أما إذا اجتمع العقل الصحيح بالجسم السيء تراجعت القدرة التنفيذية لدى هذا المخلوق المؤنسن على الأرض، ولو كان العقل سيئاً والجسم صحيح لزادت حيوانيته وقلب كل تعامله إلى ما يشبه الوحوشية ولا تنتهي إلا بالمصادمات والمعارك والإخلال بكل أنواع المعاهدات، إن الإنسان العاقل الرزين الذي يتساوى فيه العقل الصحيح السليم بالجسم الصحيح يغضب إذا امتصت منه عقليته وإنسانيته بواسطة إنسان ناقص!! أما إنسان المزاج فيرفع السكين على نفسه أو غيره غضباً وانفعالاً إذا صادف تعارض رأيه مع آخر في أي موضوع كان، والتعامل مع الغير لا يصح إلا على قاعدة مبنية من الذرات العقلانية المتلاقية المتوالفة لا نراها ولكن نشعر بها حين التعامل ونقبلها أو لا نقبلها ولكنها في نهاية الأمر تأتي من وجدان تمازج العقل والجسم الصحيحين.
قد يقبل الإنسان أحياناً أمراً وينفذه دون رغبة أو حافز أو حتى شيء يغريه، وهذا الإنسان ربما يكون صحيح العقل والجسم ولكن الآخر فاسد العقل صحيح الجسم، وهذا يمثل إخلالاً في التوازن التعاملي وعكس القاعدة السليمة في التعامل والفعل الصحيح بين السالب المطلق والموجب ولكن دخول فرض التطبيق بالموضوع والقوة السيئة من رئيس مختل التوازن ضد الإنسان الواعي الطبيعي يجلب الشد والجذب والانتباه والحذر! وعلى الفور تتكون أرخبيلات العداء الأول وهو الضمر يتبعه الكراهية ثم الحقد بعدها تبدأ مرحلة المقاومة ثم الحرب بين الاثنين! ولا ينتهي الأمر إلا بالدمار لأن سوء التناسق الفكري في كثير من الأمور بين أي مخلوق ومخلوق يورث العداء وحب السيطرة، لذا فإن العداء واختلاف الآراء ومحاولة التفوق على الآخر، والسيطرة والتهميش، وقلب الرؤى، وإبراز التسييس على ذمة انعدام وجود العقلانية وكلها ذخيرة متنوعة بعضها رصاصة والآخر قنبلة ذرية هيدروجونية أو نووية مبيدة!! وهذه الذخيرة التي تتكون بلا وعي من طرف واحد لن تنتهي ما دام الإنسان تتفوق عليه أمزجة جذورها ضاربة في ماء العقل الموحل المتفجر الذي يبكي فيه الجسم على حاله. والدليل على ذلك هو الاضطرابات النفسية التي تصيب الإنسان أو الجنون أو الصرع والثورة من جراء تعاملات مشينة أو غير طبيعية أو أحداث قديمة مؤذية زرعت في داخله بين ذرات أصبحت أسمنتية تشبثت في عقله غير قابلة للكسر أو التغيير أو الانقشاع ومواصلة الغضب والهيجان، كل هذه الحالات تثبت عدم التناسق بين العقل والجسم (القرار والفعل) الذي ينتج عنه عدم السيطرة على الإرادة فتتفتت المعاملة الإنسانية عنده في أغلب الأحيان، فقط لأن العقل والجسم تكونا في جسده في غير تناسق أما الأسباب فتلك أمور تحتاج إلى تشريح ومعالجة نفسية، يواكبها حذر من الانفلات غير المحدود في صيغة التعامل مع الآخرين. فالإنسان بحيرة أمزجة تحتوي على مليارات الجزيئيات الناتجة عن تكوين إنسانيته، إما طبيعية يحوطها عقل وجسم إيجابيان أو عكس ذلك فيكسب هيجاناً جنونياً مستداماً تجارية كل الأمزجة المعاكسة للواقع والحقيقة، تسيطر فيه نشوة القفز من فوق الحائط الناري حيث لا يلتقي بما يأمله! وتكون الصدمة ويسقط في بحر خياله. هكذا ستكون الحال دائماً على سطح الأرض، ولن تلتقي العقول النيرة بالنيرة إلى أن تصبح الإنسانية أقرب إلى الحيوانية يقتل بعضها بعضاً. عندها ستعود الحياة على الأرض للحيوان مثلما كان يعيش قبل الإنسان. هذا إن لم تتحد العقول وتلتقي في أجواء مرنة يصاحب معظمها التفاهم والعمل على سير الحياة لإنسان يحمل داخله جذع عقل سليم، وقلب جسم ينبض بالتفاؤل والتفاهم ليكون طريق النور والبلسم الذي لا ينتهي. ولكن هل يا ترى؟
إقرأ أيضا لـ "حمد الشهابي"العدد 3305 - السبت 24 سبتمبر 2011م الموافق 26 شوال 1432هـ