أتوسَّم الخير دائماً في الذين فطروا وجُبلوا على الخير. نفوسهم نقيَّة، وأرواحهم كالبَرَد. أتوسَّم الخير، من دون كوارث أو نوازل، على رغم أنك تكشف معادن الرجال في النوازل. في الشدَّة والرخاء. أتوسَّم الخير في عقلاء هذا الوطن، لا مجانينه، والذين ينبت لحمهم من حرام ومشبوه المواقف. أتوسَّم الخير في الذين لم تزدهم الشدائد إلا قوَّة وصلابة، أما الذين جُبلوا على الدعَة والاسترخاء، فأولئك لا يحتاجون إلى أن يكونوا عرضة لامتحان الشدائد.
كل مستغلٍّ لنازلة أو كارثة، هو في الصميم من النأي عن كونه بشراً. هو في الصميم من تطفله على الجنس البشري. وكل مستغلٍّ لآلام وعذاب وكوارث الذين من حوله، من دون أن يطرف له جفن، هو الخطر الداهم الماحق والعار على الجنس البشري نفسه. هو الفراغ بانعدام الذمَّة، والإدمان على اللعب والقفز على أكثر من حبْل، كبهلوانات السيرك، يؤدُّون وصْلاتهم ليقبضوا «المعلوم» بعد العرْض! أولئك خارج المعنى وأدنى من التقييم والالتفات إليهم، تماماً كالجيَف التي تدعوك إلى أن تسدَّ أنفك كي لا يطولك شيء من روائح تفسُّخها وعدمها.
تتوسَّم الخير دائماً في وجوه الأحرار لا العبيد، وفي الحدائق لا الحرائق، وفي الإقلاع لا الهبوط، وفي جهات الله لا جهات المنافع. تتوسَّم الخير دائماً في ثقتك بأن الأرض لا تخلو من المبْهر من الموقف والقيمة، تماماً في استحالة خلوِّها من المعـْتم واللاقيمة. وهذا العالم، مثلما فيه اللحَّادون، فيه القابلات اللاتي يستقبلن زينة الحياة الدنيا، وفيه المتفاخر بذله، مثلما فيه المهووس بكرامته وعزَّته حدَّ الدهشة، وما بعد المعقول، وما بعد الممكن!
الذين يسعون إلى الخير من دون انتظار جزاء، مثلهم مثل نفح الورد وطِيبة الأرواح وبساطتها. والذين يسعون إلى تحويل هذا العالم إلى «بروفة» لجهنم، مثلهم مثل غاز الأعصاب، وغاز الخردل، والجمرة الخبيثة، وأسلحة الدمار الشامل، والحروب بشتى خيارات خسفها. هؤلاء لا يدلون على الحياة؛ بل هم تهديد لها.
لا شيء، ولا أحد يسيء إلى هذا الكوكب وكائناته وسيدها البشر؛ إلا بعض المحسوبين على البشر، وما هم ببشر. ولا تهديد لهذا الكون والعالم؛ إلا بعض المحسوبين (شكلاً)على أكرم الكائنات؛ فيما هم أنأى عن ذلك الكائن بقيمته العظمى، نأي المشرق عن المغرب.
ثم إن الذين يسعون إلى تشويه معنى الحياة وقيمتها، ودفعها أو تحويلها إلى مهزلة (تخيلوا حياة أحدكم من بدئها إلى نهايتها يراد لها أن تكون مهزلة)، فيما خالقها أراد لها أن تكون قيمة ومعنى ومجازاً إلى القيمة والمعنى الأكبر، إنما يتجرَّأون على الله، قبل أن يتجرأوا على الحياة، وقبل أن يتجرأوا على الذين لهم من تلك القيمة والمعنى نصيب.
وخيارات الإنسان في الطريقة التي يحيا بها مفتوحة، ذلك صحيح؛ لكن على ألا تمسَّ تلك الخيارات في حظوظها الدنيا من القيمة والمعنى، خيارات الآخرين في الذروة من القيمة والمعنى أيضاً.
تركن إلى تأملك وتساؤلك أحياناً. لا تهدف من وراء كل ذلك إلا استعادة الرُّوح التي كانت تظلل البشر جميعهم في المكان الواحد والوطن المشترك. تحاول أن تستوعب هذه الهستيريا، وهذا الذهاب العبثيِّ باتجاه نسف كل قيمة وفضيلة في العلاقات وكل جامع مشترك، من قبل من كنت تتوهَّم أنهم في المصير معك مشتركون، وفي الأحلام والخيبات؛ لأنهم - بحسب فرضياتك والخلق - لهم أعصاب كأعصابك، وقيمة كقيمتك، وحسٌّ كحسِّك، وأحلام كأحلامك، وانكسارات كانكساراتك؛ لكنك لن تلبث أن تكتشف أن الحياة تقوم أحياناً على كل ذلك وبعضه، ويحقُّ لك أن تحلم وتتطلع وترجو وتأمل؛ لكنك في نهاية المطاف لست مسيِّراً لكل ذلك، ولا تدَّعي أنك تملك كل وصفات الوصول السحرية!
قيل لبعضهم: أما يكسوك محمد بن يحيى؟ فقال: والله لو كان له بيت مملوء إبراً، وجاء يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء، والملائكة ضمناً يستعير منه إبرة ليخيط بها قميص يوسف الذي قُدَّ من دُبُر، ما أعاره إياها، فكيف يكسوني؟!
وقد نظم ذلك من قال:
لو أنَّ دارك أنبتتْ لك واحتشَتْ
إبراً يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسفُ يستعيرك إبرةً
ليخيط قُدَّ قميصه لم تفعلِ
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3302 - الأربعاء 21 سبتمبر 2011م الموافق 23 شوال 1432هـ
ماذا نريد
العدالة ان نعامل بعدالة وان نعتبر مواطنين مثل غيرنا تحت قانون مرضي من الجميع لاتمييز لا طائفية
مقال صريح
مقال صريح الى كل الاقلام المريضة التي تهدم مجتمع بأكمله مقابل حفنة من المال أو منصب قريب من ألاسياد!!!!.