أثار الحوار الذي أجراه الصحافي عباس بوصفوان معي ونشرته «الوسط» بتاريخ 26 يوليو/تموز الماضي على صفحتها الأولى بعض اللغط وكثيرا من سوء الفهم بسبب العناوين التي اختارها المحرر وجاءت كالآتي: «الإشكالية الدستورية لا تحدد القرار» و«مقاطعون يدعون إلى الاستعداد لبرلمان 2006» و«لسنا لوبيا دستوريا». والحقيقة أن جميع هذه العناوين جاءت خارجة عن سياقها.
وعلى رغم أن الجزء المنشور من الحوار كان دقيقا فان الانطباع الذي تركته العناوين اللامعة غير الدقيقة هي التي تركت الانطباع الأول والأخير لدى غالبية القراء، واعتقد البعض أن هناك تغيرا في موقف جمعية العمل الوطني الديمقراطي من مسألة مقاطعة انتخابات 2002.
ليست هناك دعوة إلى
المشاركة في انتخابات 2006
جاء العنوان الرئيسي للموضوع «دعوة إلى الاستعداد لانتخابات 2006» ما أوحى بوجود قرار بالمشاركة. والحقيقة أن الحوار مع بوصفوان بدأ بسؤاله عن رأيي في موضوع الاستعداد لانتخابات 2006 فأجبته بأن أية حركة سياسية لابد أن تضع كل الاحتمالات وتستعد لها، واحتمال المشاركة قائم إذا تغيرت الظروف. ولا يمكن لأية حركة سياسية أن تنتظر إلى اللحظة الأخيرة لتعد كوادر للترشح إذ إن الوقت سيداهمها. وأضفت بأن الحركة السياسية الناضجة هي التي تحتفظ لنفسها بجميع الخيارات وتكون مستعدة لتنفيذ قرارها حينما يحين وقت تنفيذه. وحينما سألني إذا كان لـ «جمعية العمل» خطة للاستعداد لهذا الاحتمال أجبته بأن مجلس الإدارة لم يناقش الموضوع بعد. أما عن المشاركة في انتخابات 2006 في حال بقاء الظروف على حالها فقد كان جوابي قاطعا كما جاء في الحوار: «إذا ظلت الظروف كما هي فالقرار الصائب اليوم هو صائب غدا» وأضفت بأن «الزلزال العراقي سيفرض استحقاقات وقد يرفع من سقف الديمقراطية في المنطقة» وبأننا «حركة تدرس مجمل الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية الأمر الذي يفرض الاستعداد لكل الاحتمالات في المستقبل بما فيها خيار المشاركة لأن تغييرات سياسية قد تحدث وتجعل السلطة تراجع موقفها وتقدم التنازلات قبل الانتخابات المقبلة». وقد كانت إجابتي واضحة في الموقف من المقاطعة كما نقلها بوصفوان: «نافيا أن تكون دعوته اعترافا بخطأ قرار المقاطعة».
لسنا لوبيا دستوريا بل
حركة سياسية دستورية
من الطبيعي أن يتركز اهتمام بعض أفراد المجتمع على قضية واحدة مثل الدستور أو حقوق الإنسان أو المرأة أو الفساد أو البيئة أو غيرها ويشكلون جماعة ضغط (لوبيا) تهتم بموضوع واحد وتكرس حياتها له وتقوم بالتأثير السياسي على الحكومة والأحزاب والهيئات المنتخبة. وتعتبر جماعات الضغط هذه عمادا مهما للمجتمع المدني وللبناء الديمقراطي. إلا انني اعتبرت أن الحزب السياسي يحمل الملفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية جميعها ويوازن بين المهم والأهم و يتخذ قراراته بناء على هذه الموازنة الدقيقة بين المصالح العامة وليس بناء على القضية الدستورية فقط، وهذا ما عنيته تماما عندما قلت إننا «لسنا لوبيا دستوريا». ولكي أزيل اللبس في هذا الموضوع فاني أضيف بأن القضية الدستورية تشكل عصب اهتمامنا باعتبارنا جمعية سياسية إلا أن تعاملنا مع هذا الأمر الخطير قد لا ينسجم تماما وفي كل الأوقات مع كل مواقف من أسميهم باللوبي الدستوري المكون من مجموعة من الاخوة الغيورين على الدستور العقدي والذين لهم تأثير مهم على الجمعيات السياسية، كما ينبغي أن تكون عليه مؤسسات المجتمع المدني. لذلك قلت إن «قرار المقاطعة اتخذ بعد 6 أشهر من التعديلات الدستورية، أي انه لم يستند فقط إلى مضمون وآلية التعديلات الدستورية، على رغم أهمية ذلك»، بينما اتخذ اللوبي الدستوري موقفه مبكرا كثيرا من دون الحاجة إلى النظر في الأمور السياسية الأخرى. وأضيف أن القرار من وجهة نظري سياسي بالدرجة الأولى تأخذ فيه القضية الدستورية حيزا مهما ولكن تراعى فيه المصالح العامة التي يمكن تحقيقها من داخل البرلمان مقابل خسائر إيهام الناخبين بأن بإمكاننا فعل شيء في مؤسسة تشريعية كسيحة وما يتطلبه العمل البرلماني من قسم على دستور لا نؤمن بشرعيته.
ثبات في الموقف
ومرونة في التطبيق
القرارات السياسية تحتمل الخطأ والصواب بينما لا تحتمل المبادئ ذلك. علينا أن نتواضع و نعترف بأن موقفنا من المقاطعة صواب يحتمل الخطأ، وموقفهم (الوطنيين المخلصين منهم) من المشاركة خطأ يحتمل الصواب، ومن دون مثل هذا التفكير لا يمكن أن نوسع من الحلف الدستوري، بل سيتحول حلفاء اليوم إلى خصوم في أول بادرة خلاف على قضية سياسية مهمة، كما أننا لا نستطيع بموقف متعصب استيعاب المختلفين معنا داخل جمعياتنا السياسية، الأقلية التي صوتت لصالح المشاركة. من المهم أن نكون أصحاب مبادئ ثابتة، وفي موضوع الدستور نعتبر المبدأ الثابت هو أن الدستور العقدي والشرعي هو دستور 1973 ما لم تجتمع إرادة الشعب والملك على تعديله. أما المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها فيجب إخراجهما من ساحة المبادئ المقدسة وإدخالهما عالم السياسة غير المقدس وما يستتبع ذلك من قبول الاجتهاد في المواقف. يقول البعض إن موقفهم مبدئي قانوني دستوري صرف، وأنا أحترم هذا الرأي ولكني أعتقد أن فيه خلطا بين الهدف السامي (العودة إلى الدستور العقدي) وبين الوسيلة للوصول إلى ذلك (أي من خلال المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها). ويبدو أن بعض جانبي المشاركة والمقاطعة من الصفوف الوطنية قد تمادى في رأيه إلى حد تحويل المشاركة أو المقاطعة إلى دوغما (عقيدة) جامدة يجري تقديسها كل يوم والتمترس خلفها بحيث تحجب عنا ما هو مشترك كما تمنعنا من اتباع طريق آخر في المستقبل للتقدم بمشروعنا. وهذا التمترس ليس من صفات المقاطعين فقط بل إن المشاركين لا يقلون حماسا في تحويل مشاركتهم الى دوغما بحيث تصبح أعمال البرلمان الهامشية «إنجازات مهمة» على رغم أطروحاتهم الدستورية التي سبقت الانتخابات والتي تؤكد أن البرلمان لا يملك الصلاحيات الكافية.
الاصطدام بالحواجز الدستورية
في أكثر من مناسبة طرحت وجهة نظري الشخصية في أن يتم التعامل مع النواب الوطنيين بمرونة، حيثما تقتضي الضرورة ذلك، وأرى على سبيل المثال ضرورة اتصال مؤسسات المجتمع المدني بالنواب إذا رأوا حاجة في دعمهم لتشريعات تخدم هذه المؤسسات. وقد تتعاون الحكومة كثيرا مع هذا المجلس النيابي المروض في القضايا الصغيرة من أجل تحقيق مكاسب لنوابه للتباهي بها أمام الناخبين. لا بأس في ذلك، ولكن كلما استطعنا رفع القضايا المهمة في الساحة الشعبية وتحدينا المجلس لمقارعتنا، وتعاونا مع النواب الوطنيين في رفع الملفات نفسها وقدمنا المعلومات لهم، كلما استطعنا أن نكشف ضعف المجلس في معالجة هذه الملفات. الدفع بقاطرة المجلس النيابي - من خلال تحديه كما حدث في حال ندوة التجنيس السياسي، والتعاون مع النواب الوطنيين شريطة قبولهم تحدي السلطة وخصوصا في مواضيع الدستور والتجنيس والتمييز والفساد والبطالة وغيرها - بأقصى سرعة لتصطدم بالحواجز الدستورية التي يحفل بها دستور 2002 سيكون مفيدا لاختصار الوقت للوصول بوعي المواطن إلى المستوى الذي يعجل من التغيير السياسي. قد يقول البعض إن أكثر المواطنين واعون لكل ذلك، وأنا أقول إن علينا توسيع هذه القاعدة الشعبية وكسب مزيد من الأنصار لدعوتنا إلى أن الدستور هو العصب وذلك من خلال مشاهدة المواطن بنفسه كيف ان الصلاحيات المحدودة للمجلس تعيق التقدم في الملفات الكبرى.
«الوفاق» و«العمل» حليفا الخندق الواحد
في نهاية الحوار مع بوصفوان إشارة إلى شائعات بوجود نميمة بين «العمل» و«الوفاق» بشأن نية المشاركة في انتخابات 2006. والحقيقة أن بوصفوان سألني عن صحة هذه الشائعات فنفيتها قائلا إنني لم أسمع أحدا من «جمعية العمل» يتحدث عن ذلك. وأضفت بأنني لا أتصور أحدا في «العمل» يمكن أن يقول كلاما من هذا القبيل عن «الوفاق» لسبب بسيط هو اننا نعتقد أن «الوفاق» أقدمت على أكبر التضحيات بين المقاطعين جميعهم بسبب عدد المقاعد البرلمانية التي كان بإمكانها حصاده لو قررت المشاركة. وفي ندوتين خلال شهر واحد، إحداهما بـ «المنبر الإسلامي» والأخرى ندوة «الوسط» والمعهد الديمقراطي الأميركي سألت عن علاقة «العمل» بـ «الوفاق» فأجبت بأن العلاقة متينة بسبب وجود تطابق في الرؤية بشأن التناقض الرئيسي في البحرين الذي حددته بأنه بين الشعب الراغب في استرجاع سلطاته والحكم الذي يحاول الاستئثار بكل السلطات، وقلت إن الدستور هو في صلب هذه المسألة. لا يمكن نفي الخلافات بين «العمل» و«الوفاق» فقد ظهرت بارزة للعيان في موضوع الأحوال الشخصية والانتخابات البلدية وفي مسائل أخرى، وهي ستظهر مرة ثانية وثالثة، ولكننا اعتبرنا هذه التناقضات ثانوية وبعضها يحتمل التأجيل وعزمنا على أن نخوض معركة «الشعب مصدر السلطات» سوية برفقة الجمعيات الأخرى المتحالفة واعتمدنا شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». في العمل السياسي لا يمكن إدارة الصراع بوجود الكثير من الخصوم، لذلك فإن من واجبنا تأجيل صراعات الغد للغد... نعبر كل جسر في وقته، ونركز على خصم مشترك وقضية متفق عليها. وعلى أية حال فخلافنا مع كل طرف يؤمن بالتعددية والديمقراطية هو في نهاية الأمر خلاف ثانوي. منذ ما يقارب الربع قرن حاولنا التقرب من التيار الديني المناضل ووجهنا بالصد منه والاتهام بالتبعية للحركة الدينية من بعض أصدقائنا وحلفائنا، ومازلنا حتى يومنا هذا مخلصين لفكرة أن تتفق جميع قوى المجتمع على ما هو أهم وهو استعادة الشعب سلطاته كاملة وبعدها فلنختلف على التفاصيل
العدد 330 - الجمعة 01 أغسطس 2003م الموافق 03 جمادى الآخرة 1424هـ