العدد 33 - الثلثاء 08 أكتوبر 2002م الموافق 01 شعبان 1423هـ

مرة ثانية... لماذا يا وزارة التربية؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

سؤال مازال عالقا في عقل كل بحريني اقترب من هموم وإشكاليات وزارة التربية والتعليم... أما لهذا العبث الأكاديمي من حدّ؟ هل ستبقى الدولة تنظر إلى هذا الفساد المتراكم الذي انتشرت رائحته في كل مكان من دون أن يُستوعب، ومن دون أن يتدارك، علما بأن تدخل الدولة كان له دور في تعجيل توظيف المعلمات العاطلات اللاتي بقين يُضربن بمطرقة السكوت المقيت، أو التبريرات المفبركة من قبل جميع أقسام الوزارة لولا تدخل سمو رئيس الوزراء بإنشاء لجنة التظلمات التي لولاها لبقيت بقية المعلمين والمعلمات في طابور الانتظار تحت حجة الرسوب في الامتحان التي انتشرت فضيحتها عبر التقرير الذي جرى مع عبدالأمير المطوع في صحيفة «الوسط».

هل سنظل نحن المجتمع والمسئولين ننظر إلى الاستعراض الصحافي والبطولات الميكرفونية من دون أن تكون هناك لجنة تقص لكل ما يقال، ولجنة تفتيش تبحث عن صحة ما يُطرح؟ فهل البحث عن لغة الأرقام والأسماء الواضحة ووضع النقاط على الحروف بكل شفافية ووضوح يعتبر أمرا مستحيلا أو فوق طاقة الوزارة؟

لا توجد وزارة تربية وتعليم في أي بقعة في العالم تستطيع أن تمنع الممتحن للوظيفة من حق الاطلاع على ورقة الامتحان أو طلب مراجعة التصحيح سوى مكان واحد هو وزارة التربية والتعليم في البحرين!

وليس ذلك بسبب الدولة أبدا، فالدولة بلغت شفافيتها درجة عالية حتى وصل الأمر إلى أن يفصح نائب رئيس لجنة الرقابة الإدارية والمالية نبيل إبراهيم كمال عن أن يتكلم عن الفساد في البحرين بشكل يفوق التصور وهو الشخص الرسمي الرزين، والذي يعي ما يقول.

كلمة ألقاها في الملتقى الثقافي الأهلي، وتكلم عن أرقام وعن أسماء شركات بعينها. كما أنه انتقد وزارة التربية والتعليم فقال بتصريح - لو نحن الذين قلناه في الصحافة لنعتنا بنعوت - إذ وصف وزارة التربية والتعليم «بأنها لا تعلمنا الغيرة على الوطن» ويكتسب حديث (كمال) أهميته من كون قائله أحد رجالات وزارة الدفاع المعروفين، إذ خدم فيها ولايزال نحو 32 عاما، وهو حاصل على ثمانية أوسمة وكان قد أشرف على تدريب صاحب العظمة على الطيران بكل هذه الجرأة والشفافية يصف وزارتنا العصية على النقد بهذا الوصف.

إذا كل هذه الصراحة واضحة عند الدولة ومسئوليها حتى وزاراتها في بعض الملفات بما فيها وزارتا الداخلية والخارجية، إذ تمت مساءلتهما، فالأولى في ملف (محمد جمعة) والثانية في مدى تتبعها لملف أبنائنا في (غوانتنامو) عدا وزارة واحدة أصبحت أشدّ من أي وزارة، فهي لا تقبل لا النقد ولا المساءلة. وعلى رغم الأخطاء التي أصبحت حديث الناس، من تخبط في التخطيط، إلى استجلاب مدرسين على حساب موازنة الدولة، إلى امتحانات مبهمة غامضة تدخل في غرف مظلمة وتخرج منها من دون أن يسمح لك ولو بحق متابعتها إلى توظيف قائم على المحسوبية... إلخ.

سؤال واضح وصريح: إلى متى ستبقى الوزارة تطرح الأمور من دون مسميات، من دون أرقام، من دون وضع النقاط على الحروف؟ وإلى متى ستبقى الوزارة عندما تثار عليها التساؤلات تجيب عن قسمٍ من الأسئلة - وبطريقة أيضا مبهمة كما هي عادتها - مع إهمال متعمد لبقية الأسئلة؟ ألا يدل ذلك على أن هناك أناسا في الوزارة يهمهم كثيرا عدم فتح الملفات المتساءل عنها ونحن في عهد الشفافية؟ لماذا تُحجم الوزارة وتلتزم مناورة الصمت عن أي تساؤل، عن الامتحانات، عن قضية التوظيف وأسماء الموظفين والموظفات، عن التخصصات الشاغرة وعن عددها؟ وغير ذلك من تساؤلات تحتاج إلى إجابة من قبيل: كم عدد المعلمين والمعلمات العرب الوافدين؟ وكم بلغت نسبتهم؟

أوليس هذا التقسيم من باب المجاز، فالمعلم الأجنبي المستقدم هذا العام يتقاضى 600 دينار مع العلاوات، والمواطن 400 دينار، علما بأن الكثير من المعلمين الموظفين من الدرجة الأولى كافأتهم الوزارة لبقائهم 8 سنوات من دون عمل عاطلين في البيوت براتب ينقص عن المعلم الذهبي بـ 200 دينار! فهل تستطيع الوزارة أن ترد على هذه التساؤلات، أم ستكتفي بالرد على بعضها بطريقة غامضة ومبهمة ومطاطية وهلامية تحتمل كل الاحتمالات والأوجه دون البعض الآخر؟

لقد أصبحت إجابات الوزارة جاهزة ومتشابهة كحبات الرز وعيون الصينيين، حاضرة على الرف من دون أي إجابة رقمية مسماة، وهنا يكمن سر المشكلة التي تحتاج إلى حل، وهذه النظرة لحظها كل متتبع لوزارة التربية والتعليم سواء داخل الوزارة أو خارجها في إجابات المسئولين لضيوف وزوار الوزارة أو للصحافة والإعلام، فتلاحظ:

1- ردود الوزارة دائما من دون أرقام ومن دون تحديد لأي معلومة!

2- إيضاحات الوزارة تزيد القارئ غموضا على غموض.

3- مثال على ذلك، تقول لك: هناك تخصصات شاغرة، وتسكت.

ما هذه التخصصات؟ ما هي الوظائف المطلوبة؟ كم عدد المعلمات اللاتي تريدونهن؟... تطلق هناك في الفضاء!

كل عبارات الوزارة وتصريحاتها تغري القارئ لكنها دائما ما تحتاج إلى مذكرة تفسير وإلى مترجم ليس للتصريحات الإنجليزية بل العربية أيضا، لأن الذي يفهم المدلولات والمقصود من العبارات المطاطية هو فقط وفقط المسئول المصرح له، إذ أصبحت الإجابات عن كثير من الأسئلة التي لا يُرد على أكثرها إجابات ذات أرقام مطاطية - إن وجدت - ومتقطعة زئبقية تضفي مساحة واسعة للمناورة.

- مثال ثانٍ: تنشر عبر الصحافة وبالخط العريض: «التربية: أكثر من 60 مدرسا جديدا لم ينتظموا في التدريس». وللعلم هذا أول تصريح للوزارة توجد فيه لغة رقمية، وهنا نقع في الإشكالية التساؤلية ذاتها التي مازالت تهرب منها الوزارة: إذا كانت الوزارة تمتلك الجرأة في وضع الأرقام، فلماذا لا تزيد جرأتها منشطات رقمية فتعطينا الأرقام في القضايا الأخرى؟

وبدأت عبارات الحزن والبكاء على الـ 60 مدرسا الذين لم ينتظموا، فواحد أبدى أسفه وخيبة أمله، وجاءت العبارات واصفة جميع طالبي الوظائف من المعلمين ممن انتظموا، وممن لم ينتظموا، ممن تظاهر وتظاهرت ولم يوظفوا، وممن تظاهروا ووظفوا، من بقي 9 سنوات في طابور وقائمة الانتظار، ومن بقي سنة واحدة ليوضعوا في سلة واحدة، في سلة الاتهام ومحاولات التعرية، قائلة وهي توجه النقد إلى الجميع. وقد أقرت الوزارة واعترفت بـ 250 طلبا، إذ أقر وزير التربية والتعليم بصدقية تظلم هؤلاء بعد طول الاعتصامات والمطالبات. فهل من الإنصاف والموضوعية أن يوضع كل هؤلاء تحت رحمة البكائيات الممسرحة على واجهات الصحافة؟ علما بأن ملابسات رقم (60 مدرسا) مازالت غامضة؟

ونبقى نطالب - نحن المراقبين - بأسماء هؤلاء الذين تخلفوا ولم ينتظموا في التدريس، وعلى رغم المطالبات فإن الوزارة التزمت جانب الصمت كعادتها تلقي التهم والأمور على عواهنها ثم تختفي!

وأنا هنا بوصفي مراقبا لهذا الملف أطالب الوزارة بالإفصاح عن الأسماء وبإرفاق أرقام هواتفهم ونحن على استعداد لإقامة مؤتمر صحافي لهؤلاء الستين - إن وجدوا - لنعرف الأسباب مع وجود ممثل للوزارة وممثل للجنة التظلمات مع الـ 60 الذين لم ينتظموا على حد زعم الوزارة لنعرف ملابسة الموضوع مع وجود الصحافة والإعلام.

أليس من حقنا بعد كل (خيبة الأمل) والبكاء غير المحدود من قبل الوزارة أن تعرف جميع تفاصيل القضية، أم أنها ستموت كغيرها؟ وهل سيعرف المجتمع البحريني كل الأسباب، أم ستدخل القضية في الغرف المظلمة المغلقة كغيرها من الملفات الأخرى مثل (ملف الامتحانات) و(ملف البعثات) و(ملف التوظيف) و(ملف الترقيات) و(ملف استجلاب المعلمين العرب)؟ وكلها ملفات تحتاج إلى فتح بكل شفافية.

إن هناك الكثير من التساؤلات التي مازالت عالقة والتي بدأت تتعزز أكثر فأكثر بعد الإصرار الكبير والملفت للنظر، والذي يدعو إلى الريبة والشك في السر الكامن وراء هذا الإصرار على عدم فتح أي ملف وكأن هناك شيئا لا يُراد له أن يفتح. لقد أصبحت الوزارة الحساسة في العرف السياسي والأمني أقل حساسية من هذه الوزارة!

إن المقابلات المكثفة التي توضع في الصحافة، والمقابلات والمؤتمرات كلها شيء وما هو موجود تحت جلد الوزارة شيء آخر. القضية قضية مضمون، ومشروع الإصلاح جاء من أجل المضامين لا الشكليات ولذلك اكتسب الصدقية.

أما عن وجهة نظري عن الوزارة فهي مقصرة في حق المعلمين والمواطن البحريني بل حتى في وطنيته، فهي في الحقيقة لا تعلمنا الغيرة على الوطن للأسباب التالية:

- أين الغيرة على الوطن والمواطنين وبناتنا في البيوت عاطلات من دون توظيف بعد أن أكملن الجامعة وبعضهن مبتعثات على حساب الوزارة ومازلن يجلسن بآلامهن وأوجاعهن في محطات البطالة بينما هي تجلب المعلمات الأجنبيات من دون أي شفافية في ذلك، فهل هذا من الوطنية؟

- المعلمات الأجنبيات يحصلن على الوظيفة، والمعلمة المواطنة بلا وظيفة!

- المعلمات الأجنبيات يحصلن على راتب وعلاوات تفوق راتب وعلاوات المعلمات البحرينيات!

- المعلمون الأجانب يحصلون على راتب وعلاوات تفوق راتب وعلاوات المعلم البحريني!

- المعلمون الأجانب وضع أكثرهم في قائمة الاحتياط براتب درجة أولى.

- المعلم البحريني المثبت يحصل على راتب أقل من المعلم الأجنبي (احتياط)!

- المعلم والمعلمة البحرينيان نصيبهما من حصص التدريس يفوق 20 حصة في الأسبوع، والمعلم الاحتياط الأجنبي جالس على الطاولة من دون عمل براتب أكبر.

- المعلمون البحرينيين يدخلون عبر ألف نقطة تفتيش وزارية وألف عائق ابتداء من الامتحان والمقابلة إلى انتظامهم في سلك التوظيف.

- المعلم الأجنبي يُستقبل في المطار ويُعطى علاوة سكن، وهذا يقودنا إلى مسألة خطيرة هي أن نسبة كبيرة من الافتتان بالمعلم الأجنبي من أجل إسكانه في شقق خاصة لبعض المسئولين من الصف الثالث في الدولة، وعلاوة غربة وراتب إضافي. بمعنى أنه يزيد على المعلم البحريني براتب إضافي، وعلاوة علاج وأبناء يدرسون في المدارس... إلخ. لهذا تجد العقد سنة واحدة لكنه يبقى سنين إلى أن ترى صورته مرشحا عن (وطنه الجديد)!

هل هذه الأعمال تعلّم المعلم والتلميذ البحرينيين الوطنية أو الغيرة على الوطن وهما يريان نفسيهما في معايير الوزارة درجة ثالثة والأجنبي درجة أولى ذهبية؟

هل هذه الأعمال تعزز الحب والانتماء الوطني؟

ألا يشعر المعلم أنه غريب في وزارته، وأن الأولوية والاستحقاق للأجنبي؟

ألا تتعلم وزارتنا من وزارات التربية والتعليم في دول الخليج كالسعودية والإمارات والكويت وغيرها كيف يجعلون الأولوية الكبرى للمواطن أولا وأخيرا؟

هل إذا ذهب المعلم البحريني - ولم يذهب ولن يذهب - إلى دولة عربية يُقدّم على مواطني تلك الدول؟

هل من الوطنية في شيء أن يوصف أبناؤنا وبناتنا من المعلمين الذين تم توظيفهم أخيرا بالفاشلين؟ علما بأن بعضهم حاصل على شهادة البكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف، وبعض هؤلاء كرّمهم سمو رئيس الوزراء في عيد العلم، بل إن بعضهم حاصل على درجة الماجستير، فهل كاتبنا (الوحدوي) و(الغيور) يمتلك هذه الشهادات أو درجتها؟ أليس من الوطنية أن ترد الوزارة وهي تعلم كل ذلك على أمثال هذه الكتابات التي تسيء إلى أناسٍ ينتسبون إليها وهي أعلم بهم وهي التي أقرت بصحة تظلمهم.

ختاما نقول: أليس من حقنا نحن المواطنين أن نطالب المسئولين في الدولة بإنشاء لجنة تقص في هذه الوزارة، كما قامت - مشكورة - بذلك مع الوزارات الأخرى؟

بعد كل ذلك نقول: هل تمتلك الوزارة أن تجيب عن كل هذه الأسئلة، أم أنها ستكتفي - كما هي عادتها - بإجابة السؤال السهل، مهملة السؤال الجوهري الذي يضعها على المحك؟

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 33 - الثلثاء 08 أكتوبر 2002م الموافق 01 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً