وصول أول حمولة بحرية من ايران إلى البحرين بتاريخ 1 اكتوبر/ تشرين الاول الجاري إلى فرضة المحرق بالقرب من خفر السواحل يعتبر اول باكورة للزيارة التاريخية التي قام بها صاحب العظمة ملك البحرين سمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة إلى طهران، نحو تعزيز العلاقات التاريخية العريقة بين البلدين. وجاءت تلك الزيارة بعد ان شقت البحرين طريقها نحو بناء وتشييد المملكة الدستورية الحديثة ومؤسسات المجتمع المدني القائم على القانون واحترام الحريات السياسية والمشاركة السياسية للشعب وتفعيل العمل الديمقراطي القائم على احترام الرأي الآخر سواء الشعبي أو قوى المعارضة والجمعيات السياسية ومشاركتها في صناعة وصياغة القرار السياسي.
مرت البحرين بمرحلة طالت لاكثر من ثلاثين عاما من تعليق العمل بالدستور وتفعيل قانون أمن الدولة وحل البرلمان في العام 1975 بعد تجربة برلمانية فتية سرعان ما انتهت... الا ان ملك البحرين قام بعد تقلده لصرح العرش باصلاحات سياسية باشرها بالاعلان عن العفو العام وعودة المبعدين السياسيين وبعض المهجرين واطلاق سراح السجناء السياسيين واطلاق الحريات السياسية والاعلان عن إلغاء قانون أمن الدولة والمباشرة من جديد للانتخابات البرلمانية التي ستعقد في 24 أكتوبر الجاري، وباعطاء المرأة حق الترشيح والانتخاب في المجالس البلدية والبرلمان المقبل.
وقد حدث التحام كبير بين عظمة الملك والشعب في بداية الاعلان عن البدء بالمشروع الاصلاحي لعظمته والتصويت على ميثاق العمل الوطني. وقد اعلنت جمهورية ايران الاسلامية في وقتها عن الترحيب بالاصلاحات التي قام بها ملك البحرين في فبراير/شباط 2001م، وتمنت للقيادة السياسية وعظمة الحاكم الاستمرار في هذا النهج الديمقراطي الذي يحقق الوحدة الوطنية ويبعد البلاد عن الازمات الخانقة، ويجنبها الاحتقان السياسي.
وجاءت الزيارة التاريخية لعظمة ملك البحرين إلى ايران لتعزز العلاقات الثنائية بين البلدين وتعزز العلاقة بين الشعبين الشقيقين ومستوى التعاون الثنائي بين القيادة السياسية في البحرين والقيادة السياسية في ايران بما يحقق استقرار المنطقة ورفاهية شعوبها ويجنبها الاخطار المحدقة، خصوصا فيما يتعلق بالتوتر في العلاقات الاميركية العراقية، والاحتمالات القائمة للحرب بين البلدين، والتي يراها الجميع ملوحة في الافق بلون قاتم أسود واحمر لما ستجره للمنطقة من ويلات في ظل حرب كونية تسعى قيادات الدول الخليجية ودول الجوار للتغلب عليها وايجاد الحلول السياسية التي تجنب المنطقة حربا كونية لا تحمد عقابها.
لقد اتفق كل من عظمة ملك البحرين وفخامة الرئيس السيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية الايرانية في المواقف تجاه الازمة الحالية بين النظام العراقي والولايات المتحدة، وطالبوا المجتمع الدولي بالتدخل لحل هذه الازمة عبر الطرق الدبلوماسية لتجنيب المنطقة خطر وشبح الحرب المدمر الذي سينعكس بصورة سلبية على مجموع دول الجوار، ويهدد السلم والامن العالميين.
على صعيد آخر اننا نرى ان تعزيز العلاقات الايرانية البحرينية من شأنه ان يخلق الثقة بين الحكومتين لتعزيز العلاقات التاريخية العريقة وتنميتها والتأكيد في هذه المرحلة على تطوير التعاون الاقتصادي والحفاظ على استقرار المنطقة وهو ما تصبو إليه حكومة المملكة ومليكها المفدى وتقديم نموذج عملي بناء لتقارب المسلمين واتحاد مواقفهم ووجهات نظرهم في القضايا المصيرية التي تعصف بالعلم الاسلامي ومنطقة الشرق الاوسط ومنطقة الخليج بشكل خاص.
ان تنمية العلاقات الاقتصادية بين ايران والبحرين ضرورة تقتضيها المرحلة الراهنة لتفعيل المجالات الاقتصادية والسياحية بين البلدين من اجل رفد الاقتصاد البحريني بالبضائع الايرانية الاستهلاكية وغير الاستهلاكية. وقد اثمرت تلك الزيارة عن التفاهم حول تفعيل التجارة عبر الموانئ الايرانية في بوشهر وبندر عباس وبقية الموانئ حيث ان اللنجات الايرانية التي كانت ممنوعة من القيام بنقل البضائع إلى موانئ البحرين قبل اكثر من 7 سنوات بادرت إلى شحن البضائع الايرانية، وسيتبعها كذلك تصدير للبضائع المنتجة في البحرين إلى ايران والبضائع التي ستصدر ترانزيت إلى دول آسيا الوسطى وافغانستان. كذلك فإن إيران ستستفيد من ارتقاء سطح العلاقات الثنائية بين البلدين بحجم المسافرين السواح والزوار إليها والقادمين من البحرين للاستفادة من أجواء الطبيعة الخلابة وزيارة العتبات المقدسة.
ان تدعيم العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين من شأنه تحقيق الامن والاستقرار في البحرين التي ستشعر بأن هناك تطمينات من قبل الحكومة الايرانية بعدم التدخل في شئونها الداخلية وان حكومة ايران الاسلامية تدعم مسيرة عظمة ملك البحرين في الاستمرار في مشروعه الاصلاحي الذي سيحقق مستقبلا هو حلم وأمل الشعب البحريني في الدولة البحرينية الحديثة القائمة على العدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان ومشاركة الرجل والمرأة جنبا إلى جنب في صناعة القرار السياسي لبلادهم التي نتمنى وفي ظل التفاهم والحوار والروح الديمقراطية ان تنعم البلاد بالأمن والاستقرار والتغلب على الصعوبات القائمة والتي تتمثل في التخلص من البطالة وحرص القيادة السياسية على إرضاء الجمعيات السياسية المتحفظة على التعديلات الدستورية والتي اعلنت عن مقاطعتها للانتخابات التشريعية القادمة، على رغم تأكيدها على مواصلة نهج الاصلاح السياسي عبر النظام الملكي الدستوري عبر الوسائل والاساليب السلمية المتحضرة وعبر الحوار والتلاقي والابتعاد عن حالات التقاطع
العدد 33 - الثلثاء 08 أكتوبر 2002م الموافق 01 شعبان 1423هـ