لم يعد خافياً على أحد في هذا العالم الكبير بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية والصين الشعبية وروسيا ومروراً بدول أوروبا والشرق الأوسط وانتهاءً باسرائيل وحتى دويلة مكرونيزيا، أن الرئيس محمود عباس «أبو مازن» متسلح بإرادة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، عاقد العزم وبإصرار شديد على المضي قُدُماً في التوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الجاري لانتزاع الإعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، كاملة العضوية في الأمم المتحدة على حدود الاراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وهذا ما تدعمه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وجميع أطياف الشعب الفلسطيني وندعمه بقوة على رغم المعارضة والعراقيل الكبيرة التي تضعها «اسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية التي استبقت الحوادث وأعلنت انها ستستخدم «حق النقض» (الفيتو) اللعين الذي سيضاف الى السجل الأسود الطويل للنقد الأميركي الحائل بين شعبنا وحقوقه وتطلعاته لنيل الحرية والاستقلال وكنس الاحتلال الإسرائيلي، حيث تبرهن أميركا في كل مناسبة وبغير مناسبة على أنها الداعم الرئيسي لهذا الاحتلال العنصري والإجرامي، وهذا ما يتنافى مع المكانة والصورة التي تريدها أميركا لنفسها كأكبر دولة ديمقراطية في العالم.
على الولايات المتحدة ألا تنسى انها عضو مهم ومؤثر في اللجنة الرباعية الراعية للعملية السلمية في المنطقة، وهذه العضوية الأخلاقية توجب عليها أن تتصف بالحيادية وأن تتخذ المسافة نفسها من جميع الأطراف، وعليها أن تدرك تماماً أن الاعتراف بدولة فلسطين هو خيار سيادي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وعليها كذلك الإصغاء لصوت 5.2 مليار إنسان في 126 دولة يعترفون بدولة فلسطين، حيث إن الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة وحرة ومتواصلة وذات سيادة مع القدس الشرقية عاصمة لها، هو مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة، فهذا هو الحل الذي اتفق عليه العالم، ووعد به الرئيس الأميركي باراك أوباما، كونه صيغة السلام، وهو أيضاً ما ينص عليه القانون الدولي كحل شرعي ومسئولية دولية، وعلى الرئيس أوباما العمل الجدي للإيفاء بتعهداته والسعي لدفع عجلة مطالبنا العادلة للاعتراف الذي طال انتظاره بدولة فلسطين والانضمام إلى الأمم المتحدة.
إن المساعي الفلسطينية لانتزاع الاعتراف بفلسطين لتكون العضو رقم 194 في الأمم المتحدة من شأنه أن يلزم دول العالم بالتعامل مع الدولة الفلسطينية كدولة محتلة وليس كقضية أرض متنازع عليها كما تدعي «إسرائيل»، ومن شأنه أيضاً إلزام دول العالم بالتعاطي مع هذه الدولة الفلسطينية وهذا ما سينعكس بالإيجاب على جميع القضايا التي يناضل من أجلها الشعب الفلسطيني وهذا يدعونا جميعاً إلى المشاركة الفاعلة في الفعاليات والنشاطات التي تدعم موقف القيادة الفلسطينية في معركة مجلس الأمن، وإلى الالتفاف الحقيقي حول القيادة ودعمها بالوسائل كافة، وتأييدها في جميع الإجراءات والقرارات التي أقرتها للحصول على الاعتراف، وخاصة أن الاعتراف بدولة فلسطين سيحدد مرجعية المفاوضات في إطار الأمم المتحدة، وضمن إطار قانوني وجدول زمني محدد، وأن هذا الاعتراف بفلسطين سيجعل حق تقرير المصير لشعبنا حقّاً شرعيّاً، وأن فلسطين ستصبح دولة كاملة العضوية في جميع المؤسسات والمنظمات العالمية. ويصبح علينا جميعا مساءلة «إسرائيل»عما تقوم به من أعمال اعتقال وهدم وتجريف وحصار واستهداف للمواطن الفلسطيني ومحاصرة الأنشطة الاستيطانية البغيضة، وخصوصا أن شعبنا أوضح أكثر من مرة أنه ليس بصدد الصراع مع أي طرف بل يريد خياراً سلميّاً يوصله إلى حل الدولتين، ونتمنى ألا تجعل الولايات المتحدة و»إسرائيل» شعبنا يفقد الأمل بهذا الخيار وألا يجبرونا على تبني أي خيار آخر سنحملهم مسئوليته ومسئولية تبعاته في المنطقة، لأن السلام والعدل لن يتحققا في هذه المنطقة، إلا بإنهاء الاحتلال وتمكين شعبنا من إقامة دولته المستقلة على كامل الأراضي المحتلة في الرابع من يونيو/حزيران العام 1967، وفي مقدمتها القدس، ونذكر الجميع بالأمس حينما قال الشهيد الرمز ياسر عرفات، من داخل الأمم المتحدة: «فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي» التي قالها وهو يحمل غصن الزيتون بيد والبندقية باليد الأخرى، وها نحن اليوم على خطى الشهيد الرمز، نعيش وإياكم هذه اللحظات السياسية النضالية الحاسمة خلف قيادتنا المنتخبة بقيادة الرئيس «أبو مازن»، الأمين المؤتمن على حقوقنا المشروعة في إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يد الرئيس «أبو مازن».
وفي الوقت الذي نقدر به عالياً الموقف المبدئي الداعم للمطلب الفلسطيني العادل من أجل الحرية والاعتراف الدولي، من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، هذا المطلب الذي يمثل انعكاساً للقيم العالمية لحقوق الإنسان والكرامة والسلام، التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة، وقد تجلى هذا الموقف خلال تصريحات صحافية ادلى بها اثناء زيارة له لاستراليا قبل أيام أوضح خلالها أن رؤية الدولتين التي تتيح لإسرائيل والفلسطينيين العيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن، هي رؤية لا تزال صالحة، وأنه يدعم ذلك بالكامل، وأضاف «إنه كان ينبغي أن تقوم منذ فترة طويلة، والتي يتأهب الفلسطينيون لطلب عضويتها في الأمم المتحدة في غضون أسبوعين»، فإننا في الوقت ذاته ندعو بقية دول العالم إلى الإسراع بالإعتراف بالدولة الفلسطينية لأن الاعتراف بالسيادة الفلسطينية هو اعتراف بالشرعية الدولية وبنزاهة وانسانية هذا الكون وبإرادة الشعوب وطموحها للتخلص من الاحتلال.
الشكر كل الشكر للدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة الـ 126 التي اعترفت بالدولة الفلسطينية حتى اللحظة، وأملنا كبير ببقية الدول التي لم تعترف بعد وبشعوبها التي نعلم جيداً أنها تنظم حملات شعبية وعبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام للضغط على ساستها للاعتراف بالحقوق الفلسطينية وبدولة فلسطين، الشكر كل الشكر للفعاليات والمؤسسات الرسمية والشعبية والحقوقية والإنسانية الداعمة لشعبنا وتطلعاته المشروعة، ونحن وإياكم مع نهاية هذا الشهر على موعد سنشهد خلاله ميلاد الدولة رقم 194 في الأمم المتحدة، وهي دولة فلسطين التي طال انتظارها 63 عاماً من النضال والتضحية والظلم والحرمان وجرائم الاحتلال العنصري
إقرأ أيضا لـ "طه محمد عبدالقادر"العدد 3296 - الخميس 15 سبتمبر 2011م الموافق 17 شوال 1432هـ