يصر البعض على تصنيف الناس وفق الدين، المذهب، قبلي، حضري، وقد يمتد أكثر وأعمق ليكون التصنيف جغرافياً دون اكتراث لتصنيفه العقلي والثقافي، فلا يهم ما هي أفكاره، مقدار احترامه للإنسان، ما الذي قدّمه من أجل الإنسانية ومن أجل وطنه. كل تلك الأمور تذهب أدراج الرياح أمام حواجز الجاهلية، ويبدو أن الإسلام رغم سماحته لم يستطع أن يعبر بنا نحن معشر العرب إلى ضفاف الإنسانية الأوسع، ويتضح جلياً أن إسلام اليوم الذي نعتنقه يفرق الإنسان أكثر ممّا يؤلف، ليس لأن الإسلام جاء قاصراً، بل لأننا لم نكلف أنفسنا عناء معرفة ديننا إلا قشوره، وأطلقنا الأحكام على الآخرين يمنة ويسرة.
لقد صنفنا الإنسان ووضعناه مراتب ودرجات، ونصبنا أنفسنا آلهة نحاسب ونعاقب الآخرين على أفكارهم وإيمانهم وأحلامهم.
في عالم «التويتر» حيث يقبع الإنسان خلف لوحة المفاتيح ويتفنن في قذف الآخر بما فيه وما ليس فيه من دون اكتراث، هناك وتحت ألف اسم وهمي، لدي الحق أن أصلب الآخر وأفكاره من دون رقيب أو حسيب. تجد المراهق الذي لم يتكون فكره بعد يشتم ويقذف من هو أعلى منه علماً وخبرة. وتجد كذلك رجل الدين الذي يشتم ويقذف بعلم ومعرفةٍ، وكلاهما يتساويان في اضطهاد الإنسان. وقد تكون محظوظاً فتجد من يحاورك ببعض العقل، لكنه يصر على أنك تتخفى وراء وجهٍ آخر، وتدهشه قدرتك على التمثيل وادعاء تقبل الآخر، ناسياً أو متناسياً أنه لا يعرفك إلا من خلال شاشة، وربما اجتهد كثيراً كي يسقط قناعك الذي يقسم بأغلظ الأيمان أنه موجود في مكان ما!
ما بين خونةٍ ومرتزقة، ضاع الإنسان في هذه الجزيرة الصغيرة. الكل يتسابق للنيل من الآخر وتجريمه. الكل دون استثناء يجزم بأنه الأحق بالوطن، وأنه الأصوب رأياً، والأعلى شرفاً، ونسي كل هؤلاء أن الدين لله والوطن للجميع، وأن المسلم يتساوى مع الملحد في الإنسانية والوطنية والحقوق.
وسط هذا الجنون لا يسع الإنسان إلا أن يعلن انتماءه لمذهب الإنسان، ويتبرأ من أن يكون سنياً أو شيعياً، كافراً أو مسلماً، عربياً أو غير ذلك. لا يسع الإنسان الذي قرّر منذ زمن أن يسمو فوق طوائفه ويعتلي فضاء الإنسانية الأرحب، إلا أن يكون إنساناً متحرراً من كلّ ما يقيد إنسانيته، ويجرم ضميره، ويفرض القيود على أحلامه التي لا تتسع إلا للإنسان.
لا يحتمل الوطن اليوم كل هذه المفردات اللئيمة، يوماً ما سينتهي هذا الخلاف السياسي وسنمضي نحو شواطئ الأمان بأمانٍ حقاً. ما سيبقى كسيراً بعدنا هو هذا الحب الذي يجمع بين الطوائف، هذا التعايش السلمي الذي عُرفنا به، وتعايشنا به، وكبرنا معه، وأملنا فرحاً أن نورثه لأبنائنا ذات يوم... صورة البيت الواسع الذي يحتضن كل أبنائه ستكون معلقة في المكان ذاته لكنها مهشمة، وسيكون مؤلماً أن يكون كل ذلك بسبب شاشة ولوحة مفاتيح
إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"العدد 3295 - الأربعاء 14 سبتمبر 2011م الموافق 16 شوال 1432هـ
تابع ردا على المقال
لماذا هذا الغلو و هذا الإفراط ؟ ان مخالفة الناس للإسلام لا يعني تركه و الانتقال آلى غيره ، فحزب الانسان لا يجدي نفعا عند الله.
أقرءي سورة العصر وَََ ستجدي جواب الله عز وجل .
هذا رأيي و أرجوا النشر
ردا على المقال
وسط هذا الجنون لا يسع الإنسان إلا أن يعلن انتماءه لمذهب الإنسان، ويتبرأ من أن يكون سنياً أو شيعياً، كافراً أو مسلماً، عربياً أو غير ذلك. لا يسع الإنسان الذي قرّر منذ زمن أن يسمو فوق طوائفه ويعتلي فضاء الإنسانية الأرحب، إلا أن يكون إنساناً متحرراً من كلّ ما يقيد إنسانيته، ويجرم ضميره، ويفرض القيود على أحلامه التي لا تتسع إلا للإنسان
((
مقال رائع ويعبث بالجروح القديمة!!
مقال رائع ويعبث بالجروح القديمة والجديدة ، ولكن هل يتقاسم معنا الاخر المختلف نفس الحلم ؟
فلقد تعبنا ونحن فقط من يبدأ بالسلام ولكن هل من أيدي تتقيل وتصافح ؟
أكمل / فرز الناس على حسب انتماءاتهم المذهبية تمهيدا لفتنة قادمة
وهذا أمر خطير جدا أن يفرز المواطن حسب انتمائه الطائفي ثم تكون التكتلات والأحزاب على هذا الأساس
والذي في النهاية سوف يجعل التخندق الطائفي مدعاة للفتن الطائفية والتناحر الطائفي والبعض لقصر نظره يرى في التحزب الطائفي قوة
ربما يخدمه التخندق الطائفي لفترة بسيطة ولكن مردوده البعيد سلبي جدا على الجميع
لذلك ما أحلى الوطن لكل المواطنين بدون فرق
وإذا أدرك الجميع خطورة الشحن الطائفي على المدى البعيد سوف نخرج من عنق الزجاجة بسلام أما إذا واصل البعض الشحن بهذا الإسلوب فعلى الدار السلام
شكرا للكاتبة على هذا الطرح وأقول
عندما خلق الله الناس لم يرزقهم حسب مذاهبهم بل أعطى رزقه للكافر والملحد والبوذي والمؤمن كل أعطاهم حسب كونهم بشرا لا حسب انتمائهم الديني والعرقي.
وعلى ضوء ذلك يجب التعامل مع العالم وفق هذا القانون وفي الوطن الواحد يجب التعامل وفق قانون المواطنة ليس لمواطن فضل على آخر كل على حد سواء في المعاملة أما مسألة الحساب في التقصير
والتميّز في العطاء فهذا راجع لكل حسب مكانته ومجال عطائه لا يفضل هذا ويعطى فقط لأنه من المذهب الفلاني وذلك يحرم لأنه من المذهب العلاني
رجاحة عقل
بوركتِ.. وبوركتْ رؤيا كل من سما بإنسانيته فوضع نفسه في بستان الإنسانية الرائع الجمال الأنيق النقي. وبوركت جهود من يدعو لأنسنة حياتنا واثقاً بالوصول إلى برّ الأمان للجميع.. ثابري في نشر ما أتيتِ به وخاطبي أوسع فضاءات البشر فنداءات القلوب الطيبة والأرواح الجميلة لا بدّ لها أن تصل فتزهر ويزدهر بها المكان. مدّي يديكِ وستجدي من يداه ممدودتان إلى الخير فإن ازدادت هذه الأيادي شكّلت حاجزاً يحمي بستان الإنسانية ويقطع الطريق على الأنانيين وهواة الشّر. لكِ أطيب تحية من "جماليا" -
شكرً لك ِ ...
شكراً لكِ ،، تحليل رائع و كلامات موزونة ،، وفقكِ الخالق و إلى مزيد من العطاء ...
زائرة مجروحة
صح لسانش قريتى أفكارى