تتنازع في داخلي الحروف والكلمات، ماذا عساها أن تكتب في بحرٍ لجي متلاطم الأمواج يقلبها ذات اليمين وذات الشمال... ولكن عزائي الوحيد أن الركون إلى الصمت ليس بالضرورة خيراً من الكلام. البحرين هي حلمي بالأمس واليوم وغداً، وهي عشقي الذي لم يفارقني قط تحت الشمس وخلفها.
ثمة من يعتقد بأن الآهات طغت على الأحلام، وثمة من بات يؤمن بأن رذاذ النار أقوى من رحيق النور... ولكني لا أشاطرهم يأسهم، وأدعوهم إلى أن يتقاسموا معي رغيف التفاؤل.
سأنتصر على الألم. من أجل البحرين سأتناسى جروحي الصغيرة، وهي صغيرة مهما كبرت، وسأزيل الشظايا العالقة في جناني، وأعلنها أنني أحبكم جميعاً، وأبلغكم بأن صوت العقل سينتصر وإرادة الخير ستغلب وستعود البحرين إلى قافلة البناء والإصلاح لنصل في ذات يوم إلى شاطئ الوطن الأجمل وأيامنا الأجمل.
سأوقد شمعة، سأشعل ثقباً من نور في جدار العتمة. سأتكئ على خشبة الحب، وستثبت الأيام أن رهاني بالبحرين وطيبة شعبها رهانٌ كاسب في محله. سأرفع - رغم ما يعتريني من ألم - لواء وطني مشفوعاً بشارة العدل والتسامح لا شارة الكراهية والانتقام.
سأكتب عن وطني الذي كان ملاذاً للخلود وغاية المنى حتى في أسطورة جلجامش الذي أبصر في هذه الجزيرة النور، وروى قصة النجاة من الطوفان العظيم، إذ صنع «أوتنابشتم» سفينة أثناء الطوفان فنجا هو وأهله، فكافأته الآلهة بأن منحته الخلود في تراب دلمون.
سأكتب عن وطنٍ واحدٍ لا غير، وطن سأظل متشبثاً بأغصان الأمل فيه، سأكتب عن وطني الذي كان على الدوام سباقاً في كل الميادين. لن أنظر إلا إلى النخلة الشامخة المزروعة في أعماق أرضي طولاً وعرضاً، سأكتب عن طيبة أهل المحرق وسماحة أهل المالكية. سأكتب عن كرم أهل البديع، وعن دماثة أهل سترة. سأكتب عن المنامة التي علمتني ألا أكون طائفياً يوماً من الأيام.
سأكتب عن وطني الكبير الذي حمل راية التقدم، سأكتب عن البحرين التي كانت على الدوام الأولى في التعليم والإدارة والثقافة والمعرفة، والأولى في المشاركة الشعبية، والأولى في التحديث، والأولى في حقوق المرأة. وكانت قبلة أهل الخليج الذين احتضنتهم على مقاعد العلم والدراسة، وحتماً ستستعيد هذه الريادة عبر تكريس قيم العدالة والمساواة والتسامح وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة.
سأكتب عن الوطن الذي قال عنه جلالة الملك «حلمت بوطن يحتضن جميع أبنائه».
ثمة حقيقة ثابتة وهي أن البحرين قطعت مشواراً كبيراً من الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي خلال عقد من الزمن، وصار يشار إليها بالبنان، والتحدي الأكبر كيف نحافظ على منجزاتنا ومكتسباتنا ونطورها نحو الأفضل عبر حماية الحقوق والحريات وتوسيع هامش المشاركة الشعبية والتعددية والشفافية وتكريس العدالة الاجتماعية بين كل الناس.
لن يتزلزل إيماني الراسخ بأن وطني قادر على أن يستوعب أحلامي، لأني أريد المشاركة في البناء لا الهدم، عزيمتي هي الأمام لا الخلف، يقيني هو الوطن الواحد والشعب الواحد، وكل ما عدا ذلك زائل لا محالة.
لسنا استثناء من عجلة التاريخ، فسنة الكون تنبئ بأن كل بقاع الأرض تمر بأيامٍ عصيبة من تاريخها، ولكن اجتماع النوايا الصادقة والإرادة الصلبة للتوجه إلى الأمام سيجعلها شريطاً من الماضي ليس إلا.
دعونا نستذكر بفخر تاريخنا المتلاحم، فذاكرة المجتمع في البحرين تسجل ديواناً من الإضاءات المنيرة التي تتجاوز العقد والأمراض الطائفية، وتسمو على الاختلافات والمناطق والأعراق والألوان.
أجدادنا وآباؤنا نموذج تاريخي وشاهد حي للانصهار في بوتقة البحرين. تحية كبيرة إلى تلك الأجيال التي ستظل شاهداً على الكثير من الألفة والحب والوئام. وتحية إلى كل قلب تتسع أرجاؤه إلى كل أبناء البحرين.
أعزائي جميعاً، الكثير من الوسائط الاجتماعية والإعلامية تحولت إلى ما يشبه داحس والغبراء من الشرار الطائفي المتبادل، وكأن الهدف هو احتكار الحقيقة وإقصاء الآخر. فلابد من الترفع عن أية كلمات غايتها التجريح والنيل من معتقدات أي دين أو طائفة أو أي انتماء فكري.
يؤسفني أن البعض انزلق - من حيث يعلم أو لا يعلم - إلى مستنقع خطير، من الخطأ الفادح الانزلاق في مثله! والبعض بلغ مرحلة الابتذال إمعاناً في الإساءة للآخر. لم أكن يوماً في سلة التطرف... وعلمتني الحياة أن المتطرفين في اليمين ينقلبون يوماً ما إلى النقيض تماماً!
نحن أسرة واحدة، ولكن الأسرة الواحدة تعني ببساطة أن يحترم جميع أفرادها بعضهم الآخر، ويحفظون قيمة التعايش بينهم مع وجود الاختلاف، ومن دون هذا الاحترام والتعايش تصبح «الأسرة الواحدة» مفهوماً أجوف وليس ذا معنى!
البحرين أحوج ما تكون الآن إلى الاستقرار وتحكيم العقل من كل الأطراف ونبذ التصعيد وحصر الخلافات في نطاقها ومعالجة القضايا بحكمة ومسئولية لبناء مستقبل مشرق وكريم للجميع من دون استثناء.
نحن بحاجة إلى إعادة ترميم المجتمع، وبحاجةٍ إلى أن ننفض الغبار عن قلوبنا لنعيدها إلى أصالتها ونقائها. فلماذا اندثرت العفوية والصداقة والقلوب العامرة بالحب من أبناء هذا الجيل؟ آباؤنا كانوا إخوة في «الفرجان» وزملاء في مقاعد الدراسة وصبية يلعبون معاً في لهيب الشمس الحارقة، وكانوا زملاء عمل أوفياء، لأنهم يتقاسمون وطناً واحداً يجمعهم في السراء والضراء.
سأتهم كالعادة بإفراطي في التفاؤل، وبأحلامي الأفلاطونية، ولكنني على ثقة بأن مستقبلاً زاهراً ينتظر البحرين، وهذا المستقبل يبدأ من الحقيقة والمصالحة والعدالة والتسامح ورفض الانتقام ونبذ الكراهية. وآمل أن نكون قد اقتربنا من مشوار طي صفحة الألم وبناء الثقة بين الجميع لنعبر إلى المستقبل الذي لا يكون فيه للبؤس موطئ قدم.
إن أكبر وفاء للبحرين هي أن نحفظ قيمة العيش المشترك، دعونا نتذكر دائماً أن البحرين هي القلب الذي لا تنبض عروقه إلا إذا عمل كلا شطريه معاً، ومن ينكر هذه الحقيقة يجهل البحرين تماماً.
من البداهة الإيمان بأن هذا الوطن ليس للبيع ولا الشراء، فهو الفضاء الذي نلتقي في رحابه رغم اختلافنا، والذي نطمح أن نراه دوماً كبيراً شامخاً عزيزاً له سبق الصدارة في الميادين كلها.
أشهد انه ليس لي وطن إلا أنت، دعونا نؤمن بالبحرين وحدها، ليحتضن كل منا الآخر، ولنضمد جراحنا، كثيرة هي قصص المحن والكل شعر بالألم، ولكن دعونا نجتاز بشجاعة جميعاً أيامنا القاسية إلى حيث الوطن الذي نعشق.
لا أعرف أن أكون طائفياً ولن أكون. لا أحلم إلا بوطن واحد تصنعون مستقبله أنتم جميعاً. وطنٌ نتشارك فيه معاً الأمل والألم.
إني اخترتك يا وطني... فليتنكر لي زمني
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 3292 - الأحد 11 سبتمبر 2011م الموافق 13 شوال 1432هـ
ما احلى كلماتك
غرد يا من كنت حبيسا في الظلمات
غرد فرج عن كل محتبس من الاهات
افرحنا اسعدنا باحلى الكلمات
تنير طريقا ورديا وسطيا بين الاشتات
تبني وطنا لجميع (الزاتات)
يا وطني.....اني اخترتك فلا تتنكر لي يا زمني......
المخوضر
احب البحرين واهلها
اسعدني مقالك كما سعدت بعودتك ... واقول اننا نعشق هذه الارض حتى الثمالى وكما نحب أهلها الطيبين ... اتمنى من العلي القدير ان يفرج عنا فرجاً قريباً يالله يالله يالله
نعم نعشقها
نعشقعا ونموت فيها وقلوبنا مطمئنه ان الخير سياتي وسيعم الجميع دون تفضيل لاي احد على الاخر وسنعيش الامل الى ان يتحقق سواء في جيلنا او جيل ابنائنا
إليكِ يا معشوقتي مع التحية...
إليكِ يا لؤلؤة الخليج.
إليكِ يا بحرين المحبة .
إليكِ يا بحرين التراث والأجداد.
إليك يا بحرين الحاضر والمستقبل.
إليكِ سلامٌ من الأعماق وحنين لا يضاهيه حنينُ،وشوقٌ لمائكِ الممزوج بوصل الثرى،لسمائكِ لنسماتِ بحر جودكِ.
متى يكون اللقاء...أخرج من هذه الدنيا لتستريحَ نفسي ويسكن جسمي في وصلِ ترابكِ.
لا أريد منكِ شيئاً، لستُ مِمَن يهوى الحياة والمالِ.فقط وفقط أريد مكاناً يضمني في لَحدي.
عذراً منكِ ولأهلكِ
مُحِب..
مرحبا بك يا حيدر
ثق يا حيدر إن من رحم المأساة ينبثق الأمل
ومن جوف المعاناة تشرق شمس الغد المأمول
ومن ثنايا العذابات تتولد أزهار الرحمة والمودة بكل ألوانها وتصانيفها
ومن عتمة الليل البهيم ينبلج فجر جديد .. على البشر كل البشر
مرحبا بك وبعودتك من جديد مع إشراقة جديدة لصحيفتك الوسط.
آمنت بالبحرين
أشهد انه ليس لي وطن إلا أنت
واقع
ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل
تتقطر حباً
وستظل يا حيدر كما أنت ... طاب حجر تربيت فيه .
حسين زينل
ساشاركك الأمل والحلم وساضل احلم حتى يعجز الحلم من حلمي