لم أرتكب ما يخالف عواطفي الشخصية، حين زرتك (قبل رحيلك)، وأنت بمجمع السلمانية الطبي... شاهدتك عملاقاً صامتاً... يسخر من الموت... شاهدتك رمزاً للوطن... وجبلاً شاهقاً في سماء الوطن...
وحين تعمق في نفسي إحساس أنك في موكب المرضى، هرولت خارجاً، يعلوني الخجل... مبدياً لشخصك اعتذاري من دون كلام... لأني وجدتك أبعد ما تكون عن أولئك الذين التوت رؤوسهم إلى الوراء.
وحينما رأيت دموعي تنهمر الآن لارتحالك «يا أبا أمل»... ناديتك باسمك... ثم طلبت من دموعي ألا تسترسل في الانهمار، لأن بلادنا تمر في معابر غاية في الخطورة، ما يحملني ويحمل أحبابك على مزيد من البكاء.
تحمل ذاكرتي حتى الآن، صحبتنا، ونحن زميلان في السنة الأولى من المدرسة الثانوية في الخمسينيات من القرن الماضي، تحمل ذاكرتي حتى الآن، أفكارك التي كانت تتدفق كالماء المنسكب حول الوطن، حتى كأننا ونحن نستمع إليك، نقرأ الوطن كتاباً مفتوحاً.
في ذلك الوقت المبكر من شبابنا، كانت أفكارك، وكلماتك الجريئة، عن الوطن، وعن محبة الوطن، تهز مشاعرنا، وتشيع في قلوبنا الحرارة والدفء، وتعبر عن الأخوة المتأصلة، والوطنية الخالية من شوائب الفرقة، والبعيدة عن أوضار الطائفية، وفي كل أحاديثك، كانت تعلوك إمارات التأمل والبساطة والتواضع، وكنت بحق «يا أبا أمل» تكره كل من يفرق وما يفرق بين أبناء الوطن، وتكره كل خائن مرتشٍ.
لم ترحل «يا أبا أمل»، فرحيلك صُعُداً، هو رحيل إلى موئل السعداء من البشر، رحيلك... هو مغادرة مواطن الزلل، إلى حياة الروح، حيث أبواب السماء مفتوحة لرموز المحبة، ورموز الحقيقة.
لم ترحل «يا أبا أمل»، لأن ظلالك سيشهد أسوأ خطيئة ترتكب في حق الوطن، هي أشبه بالهاوية المظلمة الخانقة بين الأرض والسماء، تصيبني وتصيب أحبابك ومريديك بإحساس عارم من الألم.
لم ترحل «يا أبا أمل»
لأنه في المدلول التاريخي... أنت رمز للخلاص من كل ما يثير الفرقة بين أبناء الوطن، وأنت رمز للنضال من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة.
وفي المدلول الخلقي... أنت رمز للاعتدال، وحسن الخلق... وأداء الواجب... والتبصر.. وقوة العزيمة، والدفاع عن المثل العليا.
لم ترحل «يا أبا أمل»
لأن البحرين... بك وبأمثالك، هي وليدة الإرادة الإلهية... وأنك شاعرها الأعظم، والعراف الساحر الذي تعلم كيف يقرأ البحرين، وكيف يقرأ أبناء البحرين الذين يكرهون الآثمين.
لم ترحل «يا أبا أمل»
لأنك أبقيت وراءك ظلاً ينعكس على تربة الوطن... هو ظل الوطن نفسه.
ظلك يا أبا أمل، يستظل تحته أصحابك ومريدوك، وهذا الظل... الطويل القامة... مضافاً إليه أصداء صوتك... سيكون نبراساً للشرفاء الصادقين من أبناء هذا الوطن، وسيصيب بالعمى عيون أولئك الراقصين على طبول الشرف الهجين.
يا أبا أمل... يا أخي يا عبد الرحمن النعيمي...
كيف للوطن أن يقدم لك آيات الشكر...
كيف للوطن أن يعترف لك بالجميل...
يرحمك الله يا أبا أمل... يرحمك الله يا أبا أمل..
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن كمال الدين"العدد 3291 - السبت 10 سبتمبر 2011م الموافق 11 شوال 1432هـ
زهرة الامل
عبدالرحمن النعيمي ينضر الينا من السماء وابتسامتة الهادئة المعروفة تشل ارادتنا في حبس دموعنا ,مثل نجمة سهيل يطل علينا مبشرا بقدوم الخير واخضرار العشب و مبشرا بوطن لا ينعق فية الغراب ولا تبيض في خرائبة البوم!!
نعم يستحيل رحيلك
بعد ان اقترن اسمك وتاريخك بالحريه لكل اطياف شعبك حفرت اسمك في ذاكره وكيان كل احرار هذه الارض رغم اختلاف مشاربهم كنت وما زلت وستبقى الامل يا ابو امل لكل عشاق الحريه على هذه الارض الطيبه من راس الحد الى راس البر