العدد 3285 - الأحد 04 سبتمبر 2011م الموافق 05 شوال 1432هـ

الحجر القلب... القلب الحجر

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

مثلما للنار رمادها، للبشر كوارث من رماد يخلفونه، كما للحجر رماده بعد كل فوران بركان وغضب للطبيعة؛ فيما القلب في الصميم من الرماد بما يخلفه من خيبات وصدمات وتراكم خيانات ونكث للوعود.

والأخاديد في الأرض لا تشكلها الطبيعة في لحظة غضب فحسب؛ فثمة أخاديد في نفس كل منا. أخاديد تتبدّى حين يتحول القلب إلى حديد، إلى معدن أصم. معدن عصي على التشكل في هكذا حال.

وثمة أحجار تنبض بالقلب. النتوء الذي يقيك السقوط من هاوية يمهد لك الالتفات إلى قلب يضج فيه؛ حال دون أن تكون لحماً مفروماً في مكان سحيق.

والقلب الذي يرى في صباحات أهله ليلاً وطامورة في اللب من ذلك الحجر. والقلب الذي يتعامل مع المخلوقات من حوله باعتبارها طرائد هو في اللب من الحجر، وأقل بدرجات متناهية من النتوء ورحمته.

القلب فرط حواس؛ بل هو ذروة الحواس. لا قلب بتلك الصفة بعيداً عن انتباهته ومراعاته حتى للمهمل للعين وبقية الحواس. لا قلب يمكن له أن يضيف إلى انتباهته برجرجة غفلة العالم وهو سادر في غفلته.

والذين يعوّلون على الحجر أن يحتل مكان العالم في غيابه أو غيبوبته هم في الصميم من رماد رؤيتهم وحواسهم جميعاً. كمن يطلب من الحرّاثين أن يمهّدوا ماء البحر الهائج لإقامة جنتهم عليه! ذلك استفزاز وتحرش بالوعي. وعي حتى الأشياء؛ عدا وعي البشر؛ وخصوصاً البشر الذين عانوا طويلاً من هيمنة الحجر وغياب القلب، ومن خديعة إمكان إحلال الحجر مكان القلب.

في قلب/ حجر، تُلقى لك الكسرة مما لا معنى ولا قيمة له. لا أدري كيف لحجر أن يمارس فعل الإلقاء! لكنه المجاز الذاهب في مفارقة المفاضلة بين شيء وروح؛ فيما الأمر سيان في ظل قطيعة ترى الإنسان تهديداً أول لمعنى وروح هذا الكوكب. هكذا في حكم قطعي يبتز التفاصيل ويدفع بها دفعاً نحو مجهول وحجز يرتئيه.

ما يؤزم وضع العالم اليوم ألاّ قلوب فيه؛ إلا قليلاً؛ إلا النادر من شاذ المحاولة والإيمان بها حتى النبض الأخير. وما يؤزم هذا العالم أكثر أن محاولة حضور القلب فيه، نزوع إلى اختطاف دور الحجر فيه، وفي ذلك «جريمة» تستحق أن يرجم صاحبها بجبال من الأحجار!

وما يؤزم هذا العالم بشكل أعمق أن الحجر بات هو الملائم لفهم هذا العالم؛ فيما القلب يأتي موغلاً في الخيال والرحمة، وفي الإثنين معاً «مرض ورخاوة» بحسب منطق الحجر لن يقود هذا العالم إلا إلى مزيد من مجهوله إن كان له معلوم أساساً!

لم يقل أحد بنزاهة كل قلوب الدنيا؛ وخصوصاً قلوب الذين يمسكون بمفاصله ومصيره. ولم يقل أحد بفرط النبض في كل أحجار الدنيا؛ وخصوصاً الأحجار التي لا ترى سوى الذين من سنخها وطبيعتها، وما عداها مجرد ورطة لم يلتفت إليها أحد. وعلى أحدهم أن يضع حداً لتلك الورطة.

أدرك أن كثيرين سيرون في هذه الكتابة هلوسة ممعنة في غيابها وغيبوبتها؛ لكن ما هو أكثر غياباً وغيبوبة أن يضيع التمييز بين الاثنين في عالم مندفع في كشفه وانكشافه، في سرعة بديهته بكبسة زر؛ فيما هو عاجز عن كبسة الزر نفسه في الفصل وتحديد صورة وحقيقة ونمط وتوجهات وجوده أمام خيارين: القلب أو الحجر؛ فيما الاصطفاف اليوم يكاد يكون منحازاً من دون أن يطرف له حس، للحجر الذي من دون قلب على القلب في نفيه للحجر منه وفيه.

مرهق هو القلب بمحاولته تأسيس تقارب وفهم للعالم من حوله. مرهق بمحاولته ألا يكون حجراً، ومرهق بمحاولته صد انهمارات اختراقه تحسساً وفيضاً وفهماً ومواساة وانحيازاً لكل ما يبقي هذا الكوكب والعالم وإنسانه ومخلوقاته بمنجاة من أي عصف ووحشة وثلم وحتى كآبة؛ فيما الحجر المطمئن بمحاولته ألا يستعيد الروح والقلب اللذين لا يملكهما أساساً. مطمئن بالنظر إلى الخسف من حوله يمضي وقد تجاوز في مراحله ما كان عنتا بالنسبة إليه للوصول إلى ما دونه.

لن يلوم أحد حجراً في موته وغياب حسه، ولن يلوم أحد قلباً في ذروة حجره أيضاً

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3285 - الأحد 04 سبتمبر 2011م الموافق 05 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:58 م

      لن أسامح من فرم لحمي ولحم أولادي

      من تسبب في فصلي من العمل وخان عشرة ربع قرن من الزمان ونسي كل الحياة الجميلة ونسفها لموقف واحد فقط إختلفت فيه معه ونسي كل تضحياتي لأجله لن أسامحه، قلبي ليس من حجر ولكن جرحه أعمق من أن يداوى.

    • زائر 3 | 6:51 ص

      عندما يكون القلب حجرا

      كيف تستوعب هذه القلوب فهي كالحجارة بل اظل شكرا لك على هذه المواضيع استاذ جعفر

    • زائر 2 | 6:40 ص

      عندما يكون القلب حجرا

      كيف تستوعب هذه القلوب فهي كالحجارة بل اظل شكرا لك على هذه المواضيع استاذ جعفر

    • زائر 1 | 4:41 ص

      قلوب عمياء

      يقول فيلسوف هندي: عندما يصل القلب إلى مستوى الفهم .. فهو ليس بقلب .. القلب يشعر لكنه لا يفهم لكن القلوب العمياء التي حوالينا لا تفهم .. ولا تريد أن تفهم

اقرأ ايضاً