العدد 3284 - السبت 03 سبتمبر 2011م الموافق 04 شوال 1432هـ

مبادرة همبشاير في تعليم «الحقوق والاحترام والمسئولية»

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

المقاربة الحقوقية للعملية التربوية مهمة للوقوف على فلسفة إصلاح التعليم، ومن أهم المبادرات والممارسات في مجال التربية على حقوق الإنسان مبادرة تعليم «الحقوق والاحترام والمسئولية « في همبشاير بالمملكة المتحدة والتي انطلقت في العام 2003.

هذه المبادرة أثبتت فعاليتها في الفضاء التربوي، لا لأنها مجرد وسيلة في تعليم حقوق الأطفال، وإنما كتربية على ثقافة حقوق الإنسان «وفقاً للمصلحة العليا للطفل» كما ورد في مبادئ اتفاقية حقوق الطفل.

يُنظر إلى هيئة التعليم في همبشاير باعتبارها رائدة على المستوى العالمي في تعليم حقوق الأطفال لسببين أساسيين، الأول: يعود إلى جهودها في إدماج تعليم حقوق الأطفال ليس في المناهج فحسب، وإنما في جميع السياسات والممارسات والأخلاقيات المدرسية، ومن الناحية الجوهرية في تحديد المنظومة القيمية في المدارس، وذلك بإشراك الأطفال في ممارسات يومية لحقوقهم، وجعلها جزءاً لا يتجزأ من اللائحة والأنظمة المدرسية.

والسبب الآخر يعود إلى نجاح المبادرة في تحقيق أهدافها، فحسب التقييم الأولي تبيَّن حدوث تحسُّن في معرفة الأطفال بحقوقهم من خلال المواقف والسلوكيات.

الركيزة الأساسية للمبادرة تتمثل في المساهمات الطلابية، وإعطاء مزيد من الاستقلالية للمجالس الطلابية (بدعم وتوجيه المدرسين)، فقد أشار المعلمون إلى حدوث تغييرات إيجابية في سلوك الطلبة من حيث إبداء سلوكيات تعاونية، ونسبة أقل في المشاجرات ورغبة أكثر في حل المنازعات، وانصراف الطلبة نحو التعلُّم ورغبتهم في إدارة شئونهم وأمورهم التعليمية بأنفسهم.

وفي المقابل أبدى المعلمون تفاعلهم مع هذه المبادرة، لأنها تمنحهم قدراً كبيراً من الاستمتاع بحقوقهم في عملية التدريس، وإبداء مواقف إيجابية نحو طلبتهم.

واللافت في المبادرة قيام بعض المعلمين الأوائل بإنفاق المخصصات من موازناتهم في التنمية المهنية، من أجل توفير تدريب للمعلمين.

تمَّ تقسيم المدارس في هذه المبادرة على فئتين رئيسيتين هما: مدارس التطبيق الكامل، ومدارس التطبيق الجزئي، فمدارس التطبيق الكامل هي المدارس التي اهتمت باتفاقية حقوق الطفل من حيث المضمون واستراتيجيات التعلم ولائحة الحقوق في الفصل ونشر الملصقات على مستوى المواد الدراسية والممارسات التربوية عموماً، واستخدام المعلمين استراتيجية «التعلم التعاوني» لمنح فرص منتظمة لمشاركات طلابية بصورة أكبر، من خلال مجالس يديرها الطلبة من سن الرابعة (بمساندة المعلمين بدلاً من سيطرتهم)، ونشرات ومجلات مدرسية تُدار بالكامل من قِبل الطلبة، وتعليمهم كيفية الإنفاق المدرسي، والمساهمات الطلابية في المواد والمشاكل في المدرسة، فصوت الطالب مسموع في جميع الأنشطة الفصلية والمدرسية، فعلى سبيل المثال وضمن الأسئلة التي طرحت أثناء مقابلة مرشَّحة لشغل إحدى وظائف العناية وقت الغداء، سألها أحد الأطفال: هل أنتِ طباخة جيدة؟ هل تحبين الأطفال؟ هل تصرخين؟

أما مدارس التطبيق الجزئي فقد جزَّأت تطبيقها لمبادرة «الحقوق والاحترام والمسئولية «، واستخدمتها بصورة انتقائية، وفي مثل هذه الحالات لم يتم الوصول إلى الحقوق بالشكل المطلوب، فقد قامت بإدماج الحقوق في بعض الفصول أو المواد على سبيل المثال «الصحة»، وليس عبر المناهج بمفهومها العام، بذريعة أن هذه الحقوق موجودة ومتشربة أصلاً في روح المدرسة، فالأطفال يفهمون حقوقهم باعتبارها مجرد قواعد للفصل ليس إلا.

يخضع المعلمون في المدارس التي طبقت المبادرة بصورة كاملة لدورات تدريبية مكثفة بإشراف منظمة اليونيسيف، وأعرب المعلمون عن دعم أكبر للمشاركة الطلابية في الفصل وفي التعلم الديمقراطي، وتوفُّر الموارد المالية والمواد التعليمية بصورة أكبر، مع وجود فوارق كبيرة في مستويات التخطيط والالتزام والقيادة بين المدرسين الأوائل في مدارس التطبيق الكامل والتطبيق الجزئي، ففي مدارس التطبيق الجزئي لم تكن هناك خطة منظمة، بينما يذكر 97 في المئة من طلبة مدارس التطبيق الكامل أن كان هناك قائد مرئي في الموقع بالمدرسة، وأن هذا القائد كان هو المعلم الأول، وفي مدارس التطبيق الجزئي ذكر الطلبة أن القائد كان معلماً.

أفاد المعلمون في مدارس التطبيق الكامل بأن طلبتهم أكثر اهتماماً بالكتب المدرسية والصفوف والمرافق المدرسية كدورات المياه وغيرها، لتكون بيئتهم المدرسية نظيفة وجذابة، لأن هذه المبادرة تمنحهم مستوى أعلى من الالتزام المدرسي.

الأهم في المبادرة توفير فرص للطلبة المحرومين لتطوير مهاراتهم واهتماماتهم بطرق جديدة، فقد أشار أحد المدرسين الأوائل إلى أن «العديد من الطلبة يشعرون لأول مرة بالاحترام والنجاح والتفاؤل بالمستقبل، لأنهم يعرفون الآن أنهم لا يحتاجون إلى المخدرات، وأن بوسعهم تلمُّس طريقهم بعيداً عن مشاكل آبائهم».

في البحرين، عقدت وزارة التربية والتعليم بتاريخ 29 أغسطس/ آب 2011 اجتماعاً لمناقشة الخطة التي وضعتها الوزارة لتنفيذ مرئيات حوار التوافق الوطني، حيث أكد وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي جملة من الأمور، منها: تطوير مناهج المواطنة والسلم الأهلي، وهنا نستحضر عدة اعتبارات متداخلة ومتشابكة عند تطوير المناهج، وفي مقدمتها: طبيعة النظام التعليمي البحريني القائم، والسياسة التعليمية، والنظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدولة، ومعطيات الثقافات المحلية والإنسانية، ومتغيرات الثورة التكنولوجية الثالثة (الموجة الثالثة) في قدرة العقل البشري على التميُّز والإبداع، وإن أكبر خطأ يتمثل في النظر إلى تطوير المناهج بمعزل عن الاعتبارت السابقة، واعتبارها عملية فنية تخصُّ التربويين وحدهم.

إن دواعي تطوير مناهج المواطنة والسلم الأهلي مرتبطة بمظاهر الأزمة التعليمية الراهنة والتحديات التي تواجهها ورؤية المستقبل، ونوعية المتعلم المراد إعداده ليتفاعل بإيجابية مع مفهوم المواطنة ليدرك أبعاد حقوق الإنسان بمعناها الكوني، ومفهوم السلم الأهلي ليستوعب فكرة السلام العالمي وهكذا، وذلك يتطلب تجريد المناهج الدراسية الحالية من الحشو في المعلومات وما يتعارض مع مفاهيم حقوق الإنسان، في الوقت الذي لا يمكن فصل المناهج التعليمية عن نظم التقويم والامتحانات، فلابد أن تشمل امتحانات المواطنة وحقوق الإنسان مواقف تعليمية تدفع باتجاه تنمية القدرات العقلية من فهم وتحليل وحل مشكلات وغيرها، بدلاً من الحفظ والاستذكار.

عملية تطوير المناهج التعليمية مرتبطة بفلسفة التعليم، لأننا نقوم بالتغيير في عقول الأفراد، وفي تصرفاتهم وسلوكياتهم، «فالحرب تبدأ بعقول البشر، وفي عقول البشر أيضاً لابد أن تنشأ حصون السلام»، كما ورد في الميثاق التأسيسي لليونسكو.

الابتكار والإبداع والمبادرة الفردية مرتكزات مستقبلية في تطوير المناهج التعليمية وهي تتماشى مع الرؤية الاقتصادية 2030، لذا فإننا نرى ضرورة تشجيع المبادرات الفردية للمعلمين من جهة، وتمكين الطلبة لتحقيق قدراتهم واحتياجاتهم وفق مراعاة الفروق الفردية من جهة أخرى، فالتعلُّم الإبداعي يهتمُّ بتطوير المهارات والمبادرات الإبداعية الفردية، وإتاحة الفرص أمام الطلبة لتحمل المسئولية بإشراف المعلم وتوجيهه.

ما أكَّدنا عليه في مرئية حوار التوافق الوطني هو «تضمين مبادئ حقوق الإنسان في المناهج الدراسية خصوصاً، والفضاء المدرسي عموماً»، ذلك أن أفضل مدخل لتدريس حقوق الإنسان هو جعل المدرسة فضاءً للمشاركة والممارسة الديمقراطية، والبداية تكون من التعليم الأساسي، فليس المهم تلقين الأطفال وتحفيظهم مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو الاتفاقيات الدولية ـ كما هو موجود الآن في بعض المقررات الدراسية ـ وإنما في تنمية قدراتهم على العيش المشترك.

دعوات لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة متكررة بإدماج التعليم الشامل للحقوق في المدارس، وتجربة همبشاير أثبتت أن ذلك ليس ممكناً فحسب، بل ومرغوب فيها

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3284 - السبت 03 سبتمبر 2011م الموافق 04 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:04 م

      ‏.....

      شكرا لك استاذي الفاضل على هذا المقال .واشتقنا اليك في ربوع مدرسة التعاون.

اقرأ ايضاً