العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ

«شهاب - 3» وتغيير موازين القوى

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

كان يجب على الأقل أن يصحح حكام الخليج الذين وقفوا يوما ما مع طاغية مثل صدام وفتحوا أبواب خزائنهم ليدعموا العدوان العراقي على طهران غلطتهم التاريخية، وخصوصا بعد أن اتضحت الصورة وانكشف المستور بعد أن ارتد حارس البوابة الشرقية وفرض الرعب عليهم من خلال عدوانه على الكويت بعد أن استنزف مئات المليارات من خزائنهم لتحجيم الثورة الإيرانية الوليدة آنذاك خدمة لأسياده الأميركان.

وليت البطل العراقي اكتفى بتمزيق المشروع القوي في أعقاب عدوانه على الكويت فقط بل باع وطنه وشعبه عندما ترك القيادة هو وعبيده الذين كانوا حوله في اليوم التاسع عشر من بدء الهجوم على بغداد فباعوا عاصمة الرشيد برخص التراب هاربين بحثا عن ملاذ آمن من خلال صفقة كان سمسارها وزير الخارجية الروسي.

كان على هذه الدول الخليجية التي باركت عدوان صدام على إيران أن يكون عربون ندمهم برقية تهنئة للرئيس الإيراني وللشعب الإيراني بنجاحهم في إطلاق الصاروخ الجديد «شهاب - 3» الذي يصل مداه إلى 1300 كيلومتر، هذا الصاروخ الذي قد يبلغ مداه إلى قلب تل أبيب ويشكل تهديدا مباشرا لعدو عاث في أرض الشعب العربي الفلسطيني فسادا وطغيانا بمباركة الولايات المتحدة الأميركية التي تزعم من دون خجل أنها راعية السلام وزعيمة الديمقراطية في العالم.

كان جديرا على الأقل بشعوب الوطن العربي - إن كان حكامهم يخافون من غضب راعي السلام الأميركي ولا أقول راعي البقر الأميركي حتى لا يطالني قانون المطبوعات الجديد الذي يصر وزير الإعلام على تطبيقه بكل حذافيره واعتباره آية قرآنية منزلة - بإقامة احتفال بهذه المناسبة؛ لأن نجاح أية دولة عربية أو إسلامية في خلق توازن مع العدو الإسرائيلي سيخدم القضية الفلسطينية.

إن الحكام العرب لا يوقفون سيل برقيات التهاني أو التعازي بالمناسبات المختلفة للحكام الأفارقة - الذين لا علاقة ربما لكثير منهم بهم - في موت أقاربهم أو برقيات التهاني في أعيادهم الوطنية. أليس الأجدر ببرقيات التهاني أن توجه إلى إيران لهذا النجاح العظيم في صاروخ سيغير كثيرا من الموازين مع ألد أعداء هذه الأمة ولدولة ترغب في محو الوجود العربي؟

ألم ننته بعد من هذا الحس الشوفيني البغيض؟ ألم نشف بعد من مرض التعصب القومي لندرك بوعي المثل الشعبي القائل «أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب»؟، شئنا أم أبينا فإيران دولة إسلامية لها ثقلها ولنا علاقات تاريخية بها فإلى متى تظل عقولنا أسيرة الحس العنصري ولا نعترف بالمقولة التاريخية التي قالها نبي هذه الأمة «سلمان منا أهل البيت»؟، وكان يقصد به سلمان الفارسي طبعا... فبهذه الثقافة الرائعة أَبعد الرسول (ص) الفكر الشوفيني من أدمغة صحابته، بل بلغ سيد هذه الأمة درجة أنه قال لأحد صحابته المقربين - حين شعر أنه لم يتخلص من حسه الشوفيني - بصريح العبارة «إنك امرؤ فيك جاهلية».

إن إيران هي الدولة الوحيدة التي وقفت بصدق - منذ بدايات الثورة وعلى رغم إساءة القيادة الفلسطينية لإيران ووقوفها مع الطاغية صدام حسين ضدها - مع الشعب الفلسطيني.

لقد تحملت القيادة الإيرانية الكثير من العبء والتهديد والاتهامات من قبل «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية لقاء هذا الموقف الصلب مع القيادات الشريفة للشعب الفلسطيني. ولو أن الشعب الفلسطيني كان قد اعتمد في مقاومته على القيادات العربية لتمت تصفيته منذ سنوات فالقيادات التي لا تتورع عن إقامة علاقات تجارية واتفاقات سلام مع «إسرائيل» وعلى المكشوف لا يضيرها أن تتم تصفية بضعة ملايين من الشعب الفلسطيني، ولولا أن الله كتب لهذا الشعب البقاء والصمود ولولا أن فصائل هذه المقاومة تناضل بقوة إلهية وبجند من عنده لتمت تصفية هذه القضية.

إن هناك دولا إسلامية وشعوبا إسلامية أكثر حماسا وأكثر إحساسا بالقضية الفلسطينية من منطلق ديني إسلامي من العرب أنفسهم ولولا إدراك «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بأن هناك ثقلا إسلاميا أكبر بكثير من الثقل العربي لما تورعت «إسرائيل» وراعيتها الولايات المتحدة من تصفية هذا الشعب ولكن الله قد ألقى في قلوبهم الرعب لوجود عالم إسلامي يمكن أن يصفي كل المصالح الأميركية وكل وجود أميركي أو أوروبي إذا دفعهما شيطانهما إلى الخروج عن حدود الخطوط الحمراء وليس أدل على ذلك مما قامت به أحزاب المعارضة الباكستانية عندما سولت للرئيس الباكستاني برويز مشرف نفسه أن يطرح فكرة الاعتراف بـ «إسرائيل» وإقامة علاقات بين باكستان و«إسرائيل»، بأن سحبت هذه الأحزاب الشرعية منه ورأت أن فترته قد انتهت وعليه أن يحيل نفسه إلى التقاعد ثم إنه عين نفسه رئيسا للجمهورية من دون غطاء شرعي، وسبق أن سمعنا ما قاله الإسلاميون بل وما فعلوه في اندونيسيا، وما قاله رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد عن ممارسات الولايات المتحدة الأميركية الشاذة تجاه المسلمين.

إن الأنظمة العربية هي الحلقة الأضعف في عملية المواجهة مع «إسرائيل» والولايات المتحدة وأكثر خوفا إذ ترتعد مفاصلها بمجرد أن تحمر عين الولايات المتحدة فيهم؛ فمعظم القيادات أشبه بوكلاء من قبل الإدارة الأميركية تأتمر بأوامرها وتقوم بواجب الولاء والطاعة بمجرد أن تلمح لها بشيء ما.

أتساءل: ماذا فعلت الولايات المتحدة وأوروبا بأكثر الناس تمردا عليها في السابق؟ ماذا فعلت بكاسترو الذي يتحدى الولايات المتحدة منذ أكثر من أربعين سنة وكوبا على مسافة بضعة أميال منها؟

وماذا فعلت بروبرت مقابي الذي نزع الأراضي التي كان يمتلكها البيض وسلمها للمواطنين السود؟

ماذا فعلت وتفعل أمام تحديات دولة فقيرة مثل كوريا الشمالية التي تتحداها ويقول رئيسها للأميركان صباح مساء ما معناه «في أمكم خير تعالوا»؟، ولم يعد أمام إدارة جورج دبليو بوش إلا البحث عن وسائل أخرى غير التحدي للتعامل معها.

ألم يتمكن حزب الله اللبناني من أن يطارد فلول الإسرائيليين فخرجوا لينفذوا بجلودهم؟ فماذا حدث لهم؟ ولكن كما قال الشاعر:

من يَهُن يسهل الهوان عليه

مالجرح بِـمَيّت إيلام

وإذ إن الأنظمة العربية أهانت نفسها وأصبحت (سبوسا) للدجاج الأميركي يلعب به كيف يشاء وبالشكل الذي يشاء فإنه لم يعد لهذه القيادات أي وزن أو احترام، ومن هنا فإن صاروخ «شهاب - 3» الذي صنعته إيران أخيرا وأدخلته ضمن أسلحتها يعني أننا أمام مرحلة جديدة وأن توازن القوى سيتغير لصالح الدولة المسلمة، ما أزعج «إسرائيل» فأصيبت بهستيريا غير طبيعية. إن هذا السلاح الجديد الذي يصل مداه أعماق تل أبيب من دون أن يكون للولايات المتحدة حق منعها من صناعة هذا السلاح التقليدي غير النووي قد أسقط في يدها ما دفع بعدد من أعضاء الكونغرس الأميركي إلى مطالبة بوش بدعم من أسمَوْها بالقوى الديمقراطية الإيرانية لتغيير النظام وفي اعتقادي المتواضع أن الشعب الإيراني سواء كان من تيار المحافظين أو الإصلاحيين لن يتحول إلى خادم مطيع للولايات المتحدة، فهو يدرك أن معاناته جاءت من قبل الولايات المتحدة؛ فهي التي كانت وراء دفع العراق ودول الخليج لمحاربة إيران خلال السنوات الثماني التي راحت مئات الألوف ضحايا لها من الشعب الإيراني، والولايات المتحدة هي التي زودت العراق بالأسلحة الكيماوية للقضاء على الثورة الإيرانية في مهدها.

والولايات المتحدة هي التي حاصرت إيران وكانت وراء تشديد الحصار عليها وتجميد مبيعاتها النفطية، ما أثر سلبا على الوضع الداخلي للشعب الإيراني.

وحتى لو عادت العلاقة رغبة من الإيرانيين للخروج من العزلة فإنها لن تلقي بنفسها في أحضان هذا المعسكر الرأسمالي المعادي لكل من هو مسلم أو إسلامي، ما يجعل من أي حاكم سواء كان محافظا أو إصلاحيا أو علمانيا كرزايا أو مشرفا آخر؛ فالشعب الإيراني شعب عريق له تاريخه. المهم هو أن تكون علاقاتها طيبة مع دول الجوار من خلال تعاون اقتصادي لا غنى لكليهما عن الآخر فيه، وتناسي الماضي الذي تمت كتابة كل تفاصيل سيناريوهاته على طاولة الاستخبارات المركزية الأميركية في واشنطن ولعب صدام دور البطولة فيه.

وقد أدركت إيران هذه الحقيقة. وكم يتمنى الإنسان الخليجي أن تتفهم إيران أن خلافها مع الإمارات على تلك البقع الثلاث التي أشبه بالطير الذي لا يغني ولا يسمن من جوع ليس من مصلحة هذه المنطقة وان تقوم بالبحث عن حل لهذه المشكلة الصغيرة التي تنغص العلاقة بين شعبي إيران والخليج. وفي اعتقادي المتواضع انه ليس هناك أية إشكالية يستعصي حلها لو جاءت من خلال إرادة صادقة وإيمان حقيقي بضرورة رفع هذا السور الذي يفصل نفسيا بين الشعبين مثلما تمكن الطرفان من وضع حد لخلافهما التاريخي بشأن مملكة البحرين فعاد الصفاء والود لبستان العلاقة بين البلدين حكومة وشعبا.

إن كل الشرفاء والمثقفين العرب وكل الغيورين على مصلحة هذه الأمة وبوجه خاص الشعب الفلسطيني يشدون على أيدي أولئك العلماء الذين تمكنوا من تطوير القدرات القتالية الإيرانية بصاروخ «شهاب - 3» وسواء تم استخدامه سلاحا للدفاع أو غيره فهو إضافة تخدم الدول الإسلامية جميعها فمرحبا بـ «شهاب - 3» وشهاب 4 و5 و6، ومرحبا بكل الشهب التي ستعيد التوازن إلى منطقتنا وترهب أعداء هذه الأمة

العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً