تصاعد الجدل حديثا، ولاسيما بعد التطورات المتسارعة التي رافقت الحملة الأميركية - البريطانية على العراق واحتلال اراضيه، بشأن دور جامعة الدول العربية، وبشأن ميثاقها وما تبعه من اتفاقات عربية من نوع اتفاق الوحدة الاقتصادية العربية واتفاق الدفاع العربي المشترك، وتعرضت جامعة الدول العربية ومؤسساتها، وصولا الى أمانتها العامة، لانتقادات شديدة طاولت الفكر القومي العربي، مع ان الفارق واضح بين الفكر القومي والجامعة العربية بوصفها منظمة اقليمية، وان كانت ذات صبغة قومية تجمع دولا عربية مستقلة ذات سيادة، حسبما ينص ميثاقها، فيما انطلقت دعوات مطالبة بإصلاح الجامعة ومؤسساتها.
فهل الخلل في الجامعة وميثاقها ومؤسساتها أم في سياسات البلدان المكونة لها؟ وما حدود الاصلاح المطلوبة للجامعة؟ وما تأثير ذلك فعلا على العمل العربي المشترك وفاعليته؟ ويمكن بداية، ولتشكيل مدخل لاضاءة تساعد على الاجابة عن الأسئلة المطروحة، الاشارة الى ما ورد في حديث رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الاسد، الى صحيفة «الانباء» الكويتية في 25 مايو/ أيار 2003 بقوله: «لا نستطيع ان نقيِّم الجامعة تقييما سليما قبل ان نقيِّم انفسنا لأن هذه الجامعة بالنتيجة في نجاحها وفي فشلها تستند الى فشلنا ونجاحنا في التعامل مع هذه الصيغة. ان أي تصور مستقبلي لدور فاعل لجامعة الدول العربية يستلزم الاشارة الى ظروف نشأة الجامعة وآلية عملها».
جاء قيام جامعة الدول العربية في 22 مارس/ آذار 1945 في ظرف عربي ودولي دقيق، إذ كانت غالبية البلدان العربية خاضعة للاستعمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، ولم تكن تمتلك مقومات الدخول القوي الى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فحاولت بناء تكتل قومي يساعد في تعزيز استقلال الدول العربية المستقلة حديثا وتحقيق استقلال الدول التي كانت لاتزال خاضعة للسيطرة الأجنبية.
وقد افرزت تلك الظروف بنيان الجامعة وميثاقها الذي ارتكز على تكريس الحال القطرية من خلال تأكيد سيادة الدول الاعضاء باعتبارها مسألة اساسية، ليبنى النظام العربي برمته على الاساس ذاته، الامر الذي جعل الجامعة تتعثر في مسيرتها التي شهدت القليل من النجاح.
لاشك في ان أي دور فاعل مستقبلي لجامعة الدول العربية يستمد عناصره ومقوماته من مصادر نعتقد ان أهمها: الميثاق، والخبرة التاريخية، والتجارب التي مر بها العمل العربي المشترك، والنجاح والفشل والتعثر، والتطورات السلبية والايجابية التي عاشتها الامة العربية من اتحادات ووحدات وانفصالات وحروب ونزاعات وخلافات وطموحات الامة العربية وآمالها.
وأساس الفكرة الخاصة بتصور مستقبل جامعة الدول العربية هو الايمان بضرورة الجامعة وبالحاجة اليها واستمراريتها وبأهمية دورها في اطار الامة حاضرا ومستقبلا، ويبرز الدور المستقبلي للجامعة في اطارين:
أولهما: اطار الذات والهوية، فالجامعة نشأت تعبيرا عن مشاعرها القومية عميقة الجذور ناجمة عن اندماج ابناء هذه المنطقة في اطار امة واحدة، ومن هنا فجامعة الدول العربية يمكن ان تكون وعاء يعبر عن هذه الحقيقة وهي في هذا الاطار تعد اداة التنسيق العربي في مجتمع دولي يقوم على التكتلات السياسية والاقتصادية، ومن الضروري التمسك بجامعة الدول العربية اطارا للعمل العربي المشترك على رغم انه أوجه القصور التي ينبغي معالجتها لزيادة فعاليتها.
ثانيهما: اطار النشاط والفعالية، وهنا ايضا نجد ان جامعة الدول العربية لها دور ضروري في تنظيم التعامل والتكامل بين الدول العربية.
واستنادا الى الملاحظات سابقة الذكر، نجد من الضروري الاعتماد على مجموعة من الركائز لأي تصور لتطوير عمل الجامعة العربية في المستقبل، ومن أهمها:
1 - ضرورة التصدي للهجمة الواضحة على جامعة الدول العربية، مع العلم ان اداء الجامعة لم يرق بدوره الى المستوى المطلوب، ولكن نقطة البداية في تقييم هذا الاداء ينبغي ان تكون التذكير بطبيعة الجامعة العربية باعتبارها منظمة ليست لها ارادة مستقلة عن الدول الاعضاء، وبالتالي فإن تفعيل الجامعة واصلاح مؤسساتها يقع على الدول الاعضاء التي اسهمت في عدم تطبيق القرارات لمؤسسات الجامعة العربية بما فيها قرارات القمم العربية.
2 - العمل العربي المشترك هو اختصاص الجامعة، ففيه دورها، واذا كان هدف هذا العمل هو معالجة شئون الحاضر العربي، فإن الهدف الاكبر والاسمى هو معالجة شئون المستقبل العربي.
3 - التضامن العربي اساس العمل المشترك، ومن دون التضامن ينتفي هذا العمل، ولهذا لابد من أن تطور الجامعة دورها لتتمكن من ايجاد الوسائل الكفيلة بالحفاظ الدائم على مستوى من التضامن يسمح لها بأن تواصل خططها وبرامجها في العمل المشترك.
4 - وباعتقادنا ان العلاقات بين الدول العربية لا تستقيم إلا اذا توافر لها مقدار معقول من الثقة المتبادلة، ولا يمكن تحقيق مثل هذه الثقة إلا بارساء قواعد للعلاقات، اهمها المصارحة والحوار الحر والشفافية، ولتكن المشروعات المطروحة الآن لاصلاح الجامعة والعمل العربي المشترك هي نقطة البداية في هذا التصحيح.
5 - ان تصبح الجامعة مركزا للدراسات والبحوث القومية في جميع مجالات الحياة العربية من دون استثناء، في السياسة والاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا، والامن والدفاع، وسواها من المجالات، وتتطلب هذه الركيزة ان تطور ادوارها ووظائفها لتستطيع ان تقوم بهذه المهمة وان تتعامل مع المتغيرات العربية والاقليمية والدولية.
6 - وضع برنامج عمل مستقبلي تعيد فيه الجامعة العربية ترتيب اولوياتها بشكل تجعل فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وشئون الأمن القومي العربي بمختلف جوانبه في مقدمة ذلك البرنامج وفي اطار التعاون والتكامل المتجه نحو التوحيد
العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ