العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ

مجلس الحكم العراقي واستحقاقات الاعتراف بسلطة المحتل الأميركي

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

ان تلتقط اراء متعددة بشأن قضية شائكة امر عسير على الصحافة اليوم... ذلك ان الاتفاق او الاختلاف على ما سيحدث في العراق بات امرا محيرا... وهنا يقول الوزير الاردني سمير حباشنة «تسلم حقيبة وزارة الداخلية قبل ايام» ان: عراق اليوم يشبه الى حد كبير عراق بدايات القرن الماضي، آنذاك كان احتلال بريطاني والآن احتلال اميركي/ بريطاني مع فارق في طبيعة الظروف التي ادت الى كل من الاحتلالين فالاحتلال الاقدم كان جزءا من الصفقة التي تمت بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى، إذ تقاسمت فيما بينها اصقاع الأرض التي تقطن عليها أمم أخرجت عنوة من حلبة صنع التاريخ ومنها الأمة العربية، وكانت طوال حقبة الموات التي امتدت نحو اربعة قرون من الزمن إذ المعاناة والتخلف والتهميش في الذروة.

اما الاحتلال الراهن يضيف - الحباشنة - فانه نتيجة لمن «مسكوا رقبة» العراق وهيأوا بوعي او بدونه ضربة له في مقتل، فأشاعوا مناخا تبدد فيه الحلم وضاعت فيه الآمال، مناخ أعاد العراق الى ما كان عليه قبل قرن من الزمان.

فالبناء العملاق الذي احتاج الى مئة سنة، تم هدمه بلحظة من الزمن! فما اصعب البناء وما أسهل الهدم.

فكان ان تفككت دولة وأية دولة هي، وعادت الامور القهقرى نحو المربع الأول! وعلى أية حال فنحن لسنا بصدد تقييم ما حدث لأن ذلك من مهمة التاريخ والمؤرخين، وهو أمر لم يحن أوانه بعد لذلك فان التركيز يجب ان ينصب على الحال الراهن للعراق والبحث عن امكانات خروجه مما هو فيه من مآسي الماضي وآلام الحاضر، فيتمكن هذا البلد من ان يحط من جديد بعد رحلته الشاقة مع فقد الوزن ليستعيد مكانته وليتمكن من تجميع اشلائه المقطعة وتضميد جراحه النازفة، فتعود الحرارة الى اطرافه التي اجتاحتها البرودة فيحس بذاته مقدمة لاعادة ذاته الى سابق عهدها، بعد طول خراب وتغييب.

ان مجلس الحكم في العراق خطوة على هذا السبيل، وربما لا تكون خطوة كافية ولا كبيرة، لكنها بالتأكيد خطوة نحو اعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية الرسمية منها والأهلية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حد سواء كنقيض لحال الشقاق الاجتماعي، والدمار الاقتصادي، والفوضى المؤسسية ونهب التراث، فرفض الواقع الراهن لا يتم بتوجيه الشتائم له او المطالبة «غير الواقعية» باصلاح فوري بل يتم بالتفكير بخطوة معقولة على هذا الطريق.

ويختتم الحباشنة رؤيته بالقول: اليوم مجلس الحكم، وغدا حكومة، وبعد غد مجلس دستوري ودستور وهكذا خطوة خطوة، فسوف نرى العراق وقد استرد عافيته تدريجيا وصولا الى وضع مستقر آمن يسمح للعراقيين ان يستكملوا بناءهم الوطني والسيادي ويواصلوا الاتصال مع ما انقطع من مراحل مشرقة.

اما د بسام العموش الوزير الاسبق فيرى ان المجلس الانتقالي العراقي أفضل الخيارات السيئة وانه لا تزال الساحة العراقية تنتظر المجهول بعد سقوط نظام صدام حسين، فالاميركيون غير مستقرين ولا يريدون الخروج في الوقت الحاضر إلا بعد تأمين وضع يروق لهم من جميع الجوانب كما ان العراقيين بانتظار فرج بشأن مستقبل بلدهم، فكثير منهم وان كانوا فرحين لسقوط النظام السابق إلا ان اكثر العراقيين او كلهم لا يقبلون بالوضع الحالي، فالدولة غير موجودة، والقانون غائب، والسلب والنهب مستمران، والكرامة مستباحة والاقتصاد منهار، وكل اب وام عراقية يريد لقمة العيش لاولاده، والجحافل الجرارة التي كانت تعيش على رواتبها من الجيش وجدت نفسها بغير معاش وهذه الظروف كلها تدفع بعضهم لخط المقاومة التي تصيب الاميركيين يوميا في جنودهم ومن المتوقع ان يزيد الطين بلة اذا استمرت هذه الظروف.

جاء المجلس الانتقالي بحسب د. العموش بمشاركة السنة والشيعة والاكراد وبعض القوى السياسية ومنها الاخوان المسلمون، لكن هذا المجلس على رغم تأييد هذه القوى له، وعلى رغم امل الشعب العراقي ان يفعل شيئا ما، الا ان المؤشر الخطير فيه هو سيطرة فئة على فئات وخصوصا أن تلك الفئة لها امتداد خارجي، فأكثر من نصف هذا المجلس هم من الشيعة الذين يرتبطون بايران بروابط مذهبية وسياسية ممثلة بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية فهل غاب هذا عن بال الاميركان؟ هل غاب عنهم وهم يحاصرون إيران من كل الجهات ان هذا المجلس بهذه السيطرة المذهبية قد يزعج المنطقة كلها وخصوصا دول الخليج التي يسكنها السنة والشيعة؟

هل تريد اميركا ان تقدم لحلبة الصراع صراعا مذهبيا جديدا له القابلية للاستجابة له عند فئات جاهلة من الفريقين؟ هل هذا هو المستقبل الخطير الذي ستخلفه اميركا في المنطقة لمزيد من التمزق والفسيفسائية؟

ولعل بوادر ذلك من الخطورة بمكان وهو ما رأيناه في تظاهرات سنية حاشدة ضد المجلس الانتقالي، إذ يتم حشد عشرات الحجج ضده، فهو مجلس خرج الى حيز الوجود برعاية اميركية، وهو مجلس غير منتخب من الشعب العراقي، وهو مجلس يكرس الطائفية والفئوية وهو مجلس لن يقوى على لم شمل العراقيين ضمن هذه الكوتات التي رسمتها اميركا.

التحدي كبير لان السؤال المقابل، كيف يمكن البدء إذن؟ هل اجواء الاحتلال هي اجواء انتخابات وديمقراطية؟ وهل الزعامات العراقية التي مضى على وجودها خارج العراق عشرات السنين قادرة على اجتذاب ثقة الشارع العراقي؟ اذا استثنينا الطائفة الشيعية المنظمة والتي يرتبط اتباعها باصحاب العمائم ارتباطا دينيا لا يمكن فصمه فهذا يعني ان اي انتخابات ستفرز للطائفة اكثر مما تفرز لغيرها وبالتالي فانه ليس بالامكان افضل مما كان.

ويؤكد العموش في مقالته لصحيفة «الراي الاردنية»: لن تكون الكعكة العراقية سائغة لأية فئة، وكل محاولة في اتجاه الاستفراد بالكعكة، تعني العودة الى نقطة الصراع الذي سيكون عندها عراقيا - عراقيا.

وفي رسالة ثانية الى امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى يطالب فيصل الرفوع وزير الثقافة الاردني الاسبق واستاذ العلوم السياسية في الجامعة الاردنية ويقول:

ان العمل العربي المشترك الذي وكلت به رسميا من قبل قادة الامة لاعادة صياغته وترميم ما تناثر من اجزائه، يتطلب منا جميعا ان نقف معك، وأعني بالجميع هنا الشعوب والحكومات والمؤسسات والمفكرين والمشتغلين بالسياسة والاقتصاد، فانت وحدك لا تستطيع ان تنجز ان لم يقف معك هذا الحشد من الناس.

لقد كان للتصارع المتولد بين القوة القديمة «بريطانيا» والقوتين الحديثتين اميركا والاتحاد السوفياتي استحقاقات في المنطقة العربية، خصوصا ان المنطقة بدأت تشهد تحولا اقتصاديا ضخما تمثل في تدفق النفط على مستوى تجاري، الامر الذي تنازعته القوى الدولية والتي أخذت تندفع نحو المنطقة في سبيل السيطرة عليها او احتوائها او على الأقل اقامة تواصل قوي وفاعل معها.

إن التناحر بين المعسكر الشرقي الذي مثل ملاذا للفكر القومي العربي واعتبرته بعض الدول العربية المنقذ الوحيد للامة ومبادئها واهدافها وعروبتها، ولذلك فقد سعت هذه الدول الى ربط نفسها بهذا المعسكر اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وحتى ايديولوجيا، فكانت بعض العلاقات العربية تذهب في اتجاه واحد هو هذا المعسكر الذي قاده الاتحاد السوفياتي السابق.

بينما اختارت دول عربية اخرى المعسكر الغربي الرأسمالي الذي شكل ملاذا للهروب من «كفر» الشيوعية وخروجها عن الدين والملة، كونها فكرة ذات تصرف غير عقلاني متحمس للديماغوجيا، وتمثل في كثير من نواحيها الفقر والجمود الفكري والالتصاق بالماضي والتحجر.

والعجيب في الامر ان المعسكرين ذاتهما بدآ حالا من التواصل والتباحث واللقاء والسعي نحو حل المشكلات العالقة بينهما، بينما ظلت الدول العربية التابعة تتناحر فيما بينهما انتصارا لهذا الفكر او لذاك، وعادت مرة اخرى معارك الغساسنة والمناذرة وهما يقودان معارك بالوكالة.

لم يتجاذب المعسكران العمل السياسي فقط بل وانخرطا في حوارات ونزاعات وصداقات اقتصادية واجتماعية وثقافية، وايضا انساق العرب وراء هذا التنازع وانخرطوا بكل قوة في معارك داخلية اثرت بشكل واضح على اشكال العمل العربي وعلى مؤسساته مما اصاب البنية التحتية له واثرت في مفاهيمه، فخرجت معظمها ان لم تكن كلها عن المعطيات الاصلية، واصبح الحديث عن الوحدة والتوحد والتقارب، والتنسيق حديثا في الخيال وتجديفا وخوضا في امور محرمة وغير معقولة او مقبولة.

ويضيف: ان التبعية العربية للخارج والتي بدت جلية في ردود الفعل لما واجهته الامة من حوادث، لا تكن ان يمر اسوأ منها، إلا انها لم تهز الوجدان العربي، وبدلا من الرجوع الى الذات ومحاسبة النفس واعادة قراءة الواقع لمعرفة مواطن الخلل ومواقع الزلل، وجدنا الدول العربية تتمادى في تناحرها الداخلي ووصلت الاتهامات والشكوك الى درجة الاقتتال والتحارب، واصبحت الامة في حال من الضعف لا يمكن ان يتصورها عاقل.

إن الوضع، على ما هو عليه لا يبشر بأي خير، وان تحركا سريعا بل وفوريا وحازما لا بد وان يتخذ وإلا فإن الامة ستجد نفسها في ليل من الزمن متحطمة تبحث عمن يستعمرها لا عمن يحررها.

ماذا فعلنا لانجاح خريطة الطريق أو انقاذ العراق؟ سؤال يطرحه أحمد يعقوب المجدوبة من الجامعة الاردنية الذي يجيب بقوله:

نسمع ونقرأ الكثير عن معاناة الشعب العراقي وعن مخالفات أميركا أو حماقاتها في العراق، لكننا لا نسمع الكثير عما نفعل نحن، أو يجب أن نفعل، للمساهمة في إيجاد حل يساعد العراق على التوصل إلى ما يصبو إليه من استقلال قرار واستقرار أو يساعد الإدارة الأميركية على الخروج من المأزق الذي وقعت فيه.

وانه قد لا تكون إدارة الرئيس بوش في الوقت الراهن راغبة رغبة عارمة في تكريس جهود كبيرة بهدف تحقيق السلام بناء على خريطة الطريق، سيما وأن الوضع في العراق بدأ يتأزم وأخذ يستحوذ على الكثير من تفكيرها وجهودها أما رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون، فموقفه من السلام والأرض والمستوطنات واللاجئين والقدس معروف جدا، ولا اعتقد أنه في عجلة من أمره لفعل ما يمكن أن يساهم في تطبيق الخريطة لا بل إنه يعمل جاهدا لاجهاضها.

لكن، هل يعني ذلك أن نترك الإدارة الأميركية على سجيتها وندع الحكومة الإسرائيلية تتصرف وفق ما تراه يخدم مصالحها الآنية الضيقة، من دون أن نحرك ساكنا؟

والجواب هو: كلا إذا لم تحسب الإدارة الأميركية للدول العربية حسابا، وإذا لم تشعر أنها بحاجة إلى إرضائها بعض الشيء (على الأقل بهدف التكفير عن شنها الحرب على العراق على رغم معارضة العرب والعالم للحرب)، وإذا لم يتبيّن لأميركا على نحو ملموس ومحسوس اصرار الدول العربية على تطبيق خريطة الطريق، فإن أميركا لن تأخذ تطبيق خريطة الطريق على محمل الجد.

ما ينطبق على الملف الفلسطيني ينطبق على الملف العراقي أيضا ما الذي قامت به الدول العربية، منذ اجتياح أميركا للعراق، بهدف المساهمة في مساعدة العراق في الخروج من محنته؟ يستطيع العرب، الذين يفهمون المعطيات العراقية والاشكالات العقائدية والديمغرافية أكثر من فهم أميركا أو غيرها من الدول لها، أن يساهموا في إيجاد صيغة تمكن الشعب العراقي من حكم نفسه، وتمكن أميركا من الرحيل بأسرع وقت ممكن والدول العربية قادرة ومؤهلة لمساعدة العراق ومساعدة أميركا في هذا المضمار القول بأن أميركا جاءت لتبقى أو أنها لا ترغب في الرحيل عن العراق في المستقبل المنظور، هو قول غير مفيد على الإطلاق الأكثر فائدة والأجدر أن تقدم الدول العربية للعراق وأميركا أفكارا ومبادرات، أو تقوم ببعض التحركات في هذا الاتجاه على الأقل.

.. وعلى رغم ذلك فان الحال العراقي هو الحال العربي ذاته فمن يطرق جدار الخزان؟

العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً