العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ

«العمل» و«الوفاق»: الحاجة إلى حب من طرفين

حسن المتروك comments [at] alwasatnews.com

.

يدرك قياديو «العمل الديمقراطي» و«الوفاق الإسلامية» أن العلاقة بينهما غير أبدية، وتكاد لا تتفق إلا على المطلب الدستوري. وحتى إزاء هذا الملف، فإن الخلاف موجود بشكل لا يخفى على المتابع. فهما وإن اتفقتا على أن «الشعب مصدر السلطات»، فإن التطبيق العملي لهذا المبدأ محل خلاف بيّن، وليس أدل على ذلك من مشهد التباين إزاء تقنين قانون الأحوال الشخصية من خلال البرلمان. ففي حين كانت «العمل» وعموم التيار الليبرالي، ومعه التيار الإسلامي السني، بما فيه المحافظون من السلف، مؤيدين لمبدأ التقنين من خلال مجلسي الشورى والنواب، فإن «الوفاق» وجماهيرها كانت ضد ذلك بالمطلق، وحين طوّرت المؤسسة الدينية من خطابها وقبلت مبدأ التقنين، ورفضت صدوره من خلال البرلمان، تبعتها «الوفاق» مباشرة.

وهنا يتساءل منتسبو جمعية «العمل» عن صدقية المطالبة بصلاحيات أكبر للمؤسسة التشريعية مادامت محكومة بـ «فيتو» من المؤسسة الدينية. في حين يرى الوفاقيون أن كلام قيادتهم الدينية محل تطبيق، وإن أزعج ذلك المتحالفين معها. وقد نقل عن رئيس «الوفاق» الشيخ علي سلمان كلام مفاده أن الجمعية «يشرفها» أن يكون موقفها «نسخة» متماثلة لموقف العلماء.

وفي العموم، تشتكي «العمل» وهي جمعية ذات خلفية يسارية، من دخول المؤسسة الدينية على خط العلاقة مع «الوفاق»، وهم لا يخفون ارتياحهم من التعامل مع الذراع السياسي للتيار الإسلامي الشيعي، أي الوفاق، معتبرين تدخل العلماء في بعض الأحيان مربكا، ومن بينها شعار «عدم التمكين». وطالبوا مرارا بتحديد قيادة الساحة، هل هي بيد العلماء أم «الوفاق»، كما نقل عن أحد رموز «العمل» قوله: «فلنحاور العلماء، إذا لم تكن الوفاق قادرة على حسم الأمور».

الضربة الأهم التي وجهتها «الوفاق» إلى «العمل» كانت إبان الانتخابات البلدية في مايو/ أيار العام 2002، حينها لم تبد «الوفاق» أية حساسية إزاء حاجة «العمل» إلى مقعد بلدي، يجعلها على صلة مباشرة بالحكومة والناس والمشروع الإصلاحي، من خلال أحد نتاجاته، لا من خارج مؤسساته، كما هو حاصل الآن.

وبدت العمل «منكسرة» أكثر من مرة في هذا الحدث، مرة أمام التيارات السياسية، وأخرى أمام الحكومة التي تشكك «العمل» في مدى ارتكازها على البعد الشعبي، وها هي الانتخابات تثبت أن «العمل» بلا غطاء شعبي ايضا.

كما بدت «العمل» محرجه أمام تيار اليسار التقليدي، الذي كان ولايزال، يعتبرها أذنابا لـ «الدينيين»، وينظر إلى علاقة «العمل» بـ «الوفاق»، على أنها علاقة تابع بمتبوع.

كانت «العمل» تنتظر من تيار الانتفاضة الشعبية الذي تمثله «الوفاق» كلمة شكر على المساندة التي قدمها بعض رموز اليسار طوال التسعينات، ومازال يقف معهم في الخندق ذاته. وفعلا كانت الفرصة متاحة إبان الانتخابات البلدية في إحدى دوائر المحرق، لكن ضيق الأفق وقصر النظر، ضيعا فرصة ثمينة أمام «الوفاق» ربما لن تعوض سريعا لإرسال رسالة عملية إلى «العمل» تقول بوضوح إننا لا نستخدمكم، ولكنكم اخوة في النضال، ولن ننساكم حين يحين أوان القطاف.

فوات هذه الفرصة جعل عبدالرحمن النعيمي يستخدم كلمات نابية في نقد الأساليب الانتخابية التي اتبعتها «الوفاق»، ما ذكر بخطاب اليسار التقليدي إزاء النشاط الديني.

تدرك «العمل الديمقراطي» ضعفها الجماهيري، وتدرك أن جمهور «الوفاق» هو الداعم الرئيسي للحركة المعارضة، لكن نخبة «العمل» مهمة جدا في منح الغطاء اللازم للمعارضة لتفادي توجيه التهمة الجاهزة، وأعني الطائفية، إلى كل تحرك مناهض لسياسة الحكومة تتخذه «الوفاق».

وربما بسبب الخبرة النسبية التي يتمتع بها أقطاب «العمل»، فإنهم يبدون حرصا واضحا على ألا يتحول الصراع في الساحة بين دينيين وظلاميين، وإنما بين سلطة تريد احتكار الثروة والقرار، وشعب يناضل لنيل بعض حقوقه. وذلك ما يجعل «العمل» لا يعتبر تقنين الأحوال الشخصية معركة ملحة، وقبِل تحت رغبة «الوفاق» بتأجيل الملف، وهو ما فعله التيار الإسلامي السني، ولكن لأسباب أخرى، يستدعى بحثها والبناء عليها للخروج من «أزمة» التحالف السداسي، الذي لم يحقق أهم هدفين أنشئ من أجلهما: الخروج من مأزق المشاركة والمقاطعة بضم عناصر مشاركة، وجذب التيار الإسلامي السني، وهو ما لم يتحقق عمليا، لأن «الوسط العربي الإسلامي» لا يملك الرصيد التاريخي ولا العمق الجماهيري، ولم يفز بأي مقعد في الانتخابات النيابية، والجمعية التي تملك ذلك «المنبر الإسلامي» الممثلة بسبعة مقاعد في البرلمان رفضت الانضمام إلى التحالف، لأنها ترفض التحالف على أساس العودة إلى مكتسبات 1973.

لابد أن يدرك الوفاقيون أن تحالفهم مع «العمل» يستدعي بالضرورة إعادة النظر في أمور كثيرة، على صعيد التكتيك والخطاب على الأقل، وربما يكون من بينها اعطاء مقعد أو أكثر لـ «العمل» في أية انتخابات بلدية أو برلمانية مقبلة، وليس محاربتها كما حصل في عراد في مايو العام 2002.

وربما يكون الخطاب الثقافي للشيخ عيسى قاسم، وهو أحد أبرز رموز التيار الإسلامي الشيعي، حاسما، لكن خطابه السياسي، كما يقول القريبون منه، مدرك لطبيعة المرحلة، ما يعني امكان التنظير لعلاقة أوثق مع «العمل الديمقراطي»، وعموما التيارات الديمقراطية، وإن كان المحك للحركة المعارضة، مدى قدرتها على جذب التيار الإسلامي السني إلى صفها

العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً