العدد 3278 - الأحد 28 أغسطس 2011م الموافق 28 رمضان 1432هـ

لا مستقبل مع «زعيم تاريخي»

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

زعيم الغفلة والصدفة، معمر القذافي، هو الوحيد بين كل زعماء العالم الذي وصف شعبه بالجرذان والكلاب على الهواء مباشرة؛ ومع اقتحام الثوار للعاصمة (طرابلس) سيضطر إلى أن يتحول إلى جرذ هرباً من الذين نعتهم بتلك النعوت؛ تماماً كسلفه من دون أن يشتم شعبه علناً؛ لأنه قام بما هو أدهى في السر والعلن (صدام حسين) الذي احتل كل ساعات البث في التلفزيون الرسمي والقنوات الخاصة التي دشنها أبناؤه، انتهى اختباء في سرداب حقير مهد لنهايته الأحقر بعد أن بطش وقتل وعذب واجتاح حدود دولة شقيقة كريمة (الكويت) ارتكب فيها كل أصناف المجازر التي لم تطل الإنسان فحسب؛ بل كان للبيئة نصيبها «العادل» بمقياس طغيانه.

في حضور دموي، تلاعب القذافي بمصير شعبه طوال 42 عاماً من جنون العظمة واللعب في الفراغ والارتياب وإرسال مفخخاته العابرة للحدود وتكييف الدستور الذي لم يكن موجوداً أساساً لمصالحه ونهب الثروات التي لم ينعكس جزء يسير منها على الحياة العامة في بلد اختطفه بإنتاج نفطي يتجاوز المليوني برميل يومياً مع احتياطات ضخمة لمخزونه تمّ مسح أقل من 10 في المئة منه، لشعب لا يتجاوز تعداده الأربعة ملايين نسمة، من المفترض أن يكون من أغنى شعوب الأرض ومعدل البطالة فيه من المفترض أيضاً أن يقارب أقل من 1 في المئة!

كل الدول التي تدفق فيها النفط، ودعت عصر الحجر والفحم دخولاً إلى اتصالها بالعالم؛ فيما «العقيد» أعاد وطنه الذي اختطفه ذات غفلة وصدفة إلى العصر الحجري في عصر الاتصال والقرية الكونية! فلا «الكتاب الأخضر» بكل مهازله وشوفينية واضعه استطاع أن يقلص مساحة الرماد في بلد يمكن له أن يتحول إلى إحدى جنان الله على رغم أن الصحراء تشكل الجزء الأكبر من مساحته.

ظل طوال 42 عاماً مهووساً بالمنصات والميكرفون. هو بطل ماراثون في الثرثرة بامتياز بين حكام العالم الثالث؛ إذا ما استثنينا الزعيم الكوبي فيدل كاسترو؛ على رغم الفارق في المواجهات الفعلية التي احترمها كثير من شعوب العالم التي أبداها الأخير؛ وخصوصاً في صرامته وعدم مهادنته للصلف والعربدة الأميركية منذ خليج الخنازير وحتى تقاعده في موقف أذهل العالم، من دون أن يجبر على ذلك؛ وإن ذهب كثيرون إلى أن المرض هو الآخر أحد المدافع الموجهة إلى الذين تجاوزوا وقتهم واختطفوا وقت سواهم؛ لكن بينما من ظلت الإشارة إلى مرضه نزوعاً إلى الخيانة العظمى والذين وراءها مرتبطون بـ «أجندات خارجية». لكأن الإشارة إلى مرض رئيس دولة في عالمنا يقترب من الكفر المحض «الإله لا يمرض ولا يموت» الإشارة إليه بمثابة خروج على الملة؛ تماماً كما حدث إبان حكم فرعون مصر الأخير حسني مبارك؛ حين قدم زميلنا رئيس تحرير صحيفة «الدستور»، إبراهيم عيسى إلى محاكمة لأنه تجرأ على الإشارة ومن خلال وثائق تحصل عليها إلى مرض الرئيس!

وعلى امتداد 42 عاماً لم يمرض الزعيم القذافي؛ بدليل أن إعلام «العقيد» الذي بات «فقيداً» من العاصمة (طرابلس) لم يجرؤ على الإشارة إلى مرض الزعيم، وربما يكون الزعيم الوحيد على مستوى التاريخ الكوني الذي لم يمرض طوال أربعة عقود؛ لأن الإعلام في ظل مكنة القمع والقتل والسحل والاختطاف والاغتيال عن بعد ترصداً للعواصم التي يتواجد فيها المعارضون وقصف مقرات احتجاز معارضيه وهم في أسره وقبضته، لم يجرؤ على مجرد الشك في أن العقيد لا يمكن أن يمسسه سوء مرض أو حتى زكام عابر كبقية خلق الله!

أسطورة «الزعيم التاريخي» هي التي هيّأت وأوجدت هذه النماذج من الأصنام في تاريخ الأمة، وهي التي أوجدت «الشتام» لشعبه وهو يحصي قتلاه المدافعين عن وجوده وحضرته! ذلك الذي حرص في كل خطبه بعد أن ثار دم شعبه وتحول إلى درجة الغليان بعد عقود من الإذلال الممنهج والمبرر، على أن يدعو إلى مطاردة الخارجين عليه من بيت إلى بيت... شارع شارع... زنقة زنقة، وأصبح على الليبيين بعد مطاردة الفأر أن يستوعبوا الدرس هم وغيرهم من شعوب هذه الأرض البائسة والمبتلاة بالغفلة والصدفة في التعامل مع الذين يسوسونهم ضمن دستور عقدي يحدد فترة بقاء «الزعيم» لا تأبيد ذلك البقاء، باعتبارهم عابرين في التكليف ولا مكان بعد اليوم لمأساة وخرافة الزعيم التاريخي الذي كلما طال أمد بقائه كلما تفنن في إهانة وشتم وسرقة شعبه ودفعه دفعاً إلى محارق هو أولى بها صليّاً!

ومقولة «الزعيم التاريخي» من المفترض أن تذهب في مفهومها ومعناها وحقيقتها إلى ذلك الزعيم الذي أدى دوره وإنجازاته ضمن إطار زمني في التكليف يحدده الدستور، وقد أحدث تحولات وإنجازات مبهرة على مستوى الاقتصاد والتنمية والتعليم والحريات العامة وتكريس الحقوق والالتزام بالشرائع والمواثيق الدولية؛ لا «الزعيم التاريخي» الذي يظل جاثماً على الحاضر والمستقبل باسم التاريخ!

زبدة القول، لا مستقبل مع «زعيم تاريخي» بمواصفات دولنا

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3278 - الأحد 28 أغسطس 2011م الموافق 28 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:50 ص

      تعبئة مبيد ... الجـــرذافي

      قوة الشعوب تتجلى في الشدائد،كما أن المضطهدين يعرفوا أن المهيمن علي هذا الكون هو رب الكون،
      فالطاغية كالجرذافي وصيحات الجاهليين والمستكبرين لايستطيعوا الإنطلاق عن الحدودالحديدية إلى الحدود الطرية النامية،فأولئك كانوا على استعداد تام لأن يبيعوا شعوبهم بحفنة الدراهم والدينار وكانوا مستعدين لتحريف التاريخ والحقائق وتغييرها وتضليل الشعوب المستضعفة عن الواقع.إلا أن القدرة بيد الله،أو يترك الله عباده عبثاً يظلم الطغاة ويقهرون،ويفعلون ما يشاءون ثم لا ينصر الله المستضعفين عليهم؟كلا وتحياتي لكم... نهوض

    • زائر 3 | 9:08 ص

      الافعال تكفي الاقوال

      هل استعمال رصاص الشوزن التي لا تستعمل الا للكلاب الضالة والطيور كما يعلم الجميع أن الناس قد يتصور انهم بمثابة المخلوقات الغير .....-حتى يستعمل لهم السلاح؟؟؟؟؟؟.

    • زائر 2 | 4:23 ص

      لا غرابة بأن توصف الشعوب بالجرذان والخونة لأنهم قالوا لا

      حينما تقول الشعوب للطاغية لا فإنها سوف تخرج عن كل القيم الجبروتية لأن الجبابرة لهم قيمهم وأخلاقياتهم
      لأنهم يتصورون أن الشعوب مخلوقات لهم لكي يخدموهم بل ويعبودنهم من دون الله وإذا حدث وإن تمرّدت هذه الشعوب عن حاكمها الذي يسومها سوء العذاب فإنها تصبح في رأيه جراثيم وجرذان وخونه ووو
      كل الصفات السلبية تطلق على هذه الشعوب
      لأنها قالت لا وكفى

اقرأ ايضاً