العدد 3277 - السبت 27 أغسطس 2011م الموافق 27 رمضان 1432هـ

لمنِ الاعتبار... أنماط التعلم أم تعليم المقهورين؟

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

«لكل طفل الحق في التعليم الذي يسهم في تطوره الذهني، الفكري، النفسي، الاجتماعي، الأخلاقي».

استوقفتني هذه العبارة ذات البعدين المتداخلين (الحقوقي والبيداغوجي)، والمكتوبة على واجهة إحدى فئات العملة الورقية التي يتمُّ صرفها للأطفال مقابل رسوم الدخول، وأنا متوجّه مع عائلتي إلى مدينة ألعاب تعليمية وترفيهية بأحد المجمعات التجارية في مدينة دبي.

تتميَّز مدينة الألعاب هذه بالجمع بين الترفيه والتعليم في أجواء متكاملة، فقد تم إطلاقها للمرة الأولى في المكسيك في العام 1999م، ولاقت اهتماماً دولياً كبيراً، وفازت بالعديد من الجوائز، لأنها تقدِّم فهماً جديداً ومتطوراً لعالم الطفل، فهي تتيح للأطفال ومن يرافقهم من الآباء والمربين قضاء أوقات رائعة ونوعية تجمع بين التسلية والتعلم في آنٍ واحد، إذ تمتد في موقع حيوي من طابقين، وتضم مجموعة واسعة من المؤسسات التي تمثِّل مختلف المجالات الاقتصادية التي تجعل منها مدينة متكاملة، حيث تشمل المصارف والمستشفيات والجامعات وصالونات التجميل، إلى جانب محطات التلفزيون وردهات الموسيقى، وحتى حلبات السباق ومحلات السوبرماركت، بمشاركة العديد من المؤسسات والشركات لتقديم بيئات عمل حقيقية، يمكن للأطفال التعرف على الكثير من المهن من خلالها، ومنها شركات طيران، ومصارف، ومطاعم وحلبة لتعليم قيادة السيارات وغير ذلك.

الجميل في الألعاب أن الطفل يمنح حرية الاختيار في تقمص أدوار أكثر من 70 مهنة مختلفة، منها: الجراحون ورجال الإطفاء (للحرائق المصطنعة) والطهاة والمهندسون وعارضو الأزياء والفنانون والمذيعون والمصورون ومقدمو البرامج التلفزيونية ومصممو المجوهرات والمحققون والميكانيكيون والعديد من المهن الأخرى، فالأطفال يحصلون على رواتبهم بالعملة الرسمية المعتمدة بالمدينة، حيث يستخدمونها في عمليات شراء البضائع والخدمات، أو ادخارها في المصرف إذا شاء الطفل، حيث سيقدم له بطاقات خصم لاستخدامها في أجهزة الصراف الآلي، وكل ما سبق يتم بإشراف مباشر ومستمر من فريق عمل هناك.

ربما كانت نظريات التعلم ذات الصلة بعلم النفس والتربية كثيرة ومتشعبة، إلا أنها في نهاية المطاف تحاول فهم المتعلم، ومن هذه النظريات «أنماط التعلم»، ويقصد بها الطريقة التي يقوم الطالب بتوظيفها في اكتساب المعرفة، فلكل طالب طريقته الخاصة في التعلم، وهذا المشروع مطروح حالياً في برنامج تحسين أداء المدارس، فثمة طالب يتعلم قراءة الجمل والعبارات بشكل صحيح بمجرد تفكيكه للحروف الهجائية على الطريقة الكلاسيكية، وطالب آخر يتمكن من تعلّم هذه الحروف عبر الألعاب والأغاني والوسائط التعليمية الأخرى وهكذا.

ولتنشيط العملية التعليمية التعلّمية، وجعلها أكثر فاعلية وجدوى، فإن المعلم بحاجة فقط إلى التعرف على مفتاح التشغيل والغلق (switch off + switch on) لدى كل طالب على حدة، بمعنى تعرّف المعلم ابتداءً (مع بداية العام الدراسي) على نمط التعلّم الملائم لكل طالب، وبعد ذلك يقوم بتصميم الدرس والأنشطة ووسائل التقويم وفق أنماط التعلّم السبعة التي حددها علماء النفس، وهي: النمط اللغوي (استرجاع كل شيء سبق أن قاله المعلم بالحرف الواحد، كلمةً كلمة)، والنمط المنطقي (حل المشكلات، وإدراك العلاقات بين الأسباب ومسبباتها)، والنمط الخيالي (تعبير الطالب عن مشكلاته بالصور أو الرسوم بدلاً عن التعبير اللفظي)، ونمط المتعلم المحب للموسيقى (إذا كان الطالب يميل إلى الغناء أو الأناشيد)، ونمط المتعلم كثير الحركة (ميل الطالب إلى الألعاب الرياضية والأعمال الحرفية)، ونمط المتعلم الاجتماعي (الذي يتفاعل بشكل أفضل مع المواقف والأعمال ذات الصبغة الاجتماعية كالتخييم والرحلات والحركة الكشفية)، وأخيراً نمط المتعلم الفردي الانعزالي (الطالب الذي يفضل الدراسة بشكل مستقل، وهي سمة أكثر ما تتجلى في شخصية الطلبة المتفوقين).

وعليه يمكن القول بأن استراتيجية «أنماط التعلم» يقابلها «تعليم المقهورين»، الذي طالما حذَّر منه فيلسوف الحرية في العالم الثالث البرازيلي باولو فريري، عندما قاوم التلقين واعتبره أداة غير فعالة في التدريس، واصفاً إياه بـ «التعليم البنكي»، لأن المعلم ملقِّن بالدرجة الأولى، والطالب مجرد متلقٍ، تماماً كعمليتي الإيداع والسحب في المعاملات المصرفية.

وبما أن التوجّه الحديث يؤكد على دور الطالب ومحوريته في الفضاء التعليمي، فإننا نقترب أكثر من مفهوم الحرية في التعليم للتحرّر من قهر التلقين كما يرى فريري، وبهذا المعنى فإن التعليم حقٌ من حقوق الإنسان، لأنه من الحقوق الأساسية، ضمن الجيل الثاني من الحقوق (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).

إذا كان هذا الحق مقرراً، فمن أين نبدأ في عملية إصلاح التعليم؟

الأصل أن نبدأ من التعليم الأساسي، فحق الطفل في التعليم أقرَّ في المواثيق الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948م (المادة 26)، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966م (المادة 13/ البند الثاني ـ والمادة 14)، وإعلان حقوق الطفل للعام 1959م، (المبدأ 9، والذي أكد على حق الطفل في تلقِّي التعليم، الذي يجب أن يستهدف رفع ثقافة الطفل العامة، وتمكينه على أساس من تكافؤ الفرص من تنمية ملكاته وحصانته وشعوره بالمسئولية الأدبية والاجتماعية، واتفاقية حقوق الطفل للعام 1989م، (المادة 28 و 29)، واتفاقية السيداو، (الجزء الثالث من المادة 10 نصَّت على أنه تكفل للمرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في ميدان التربية والتعليم وبوجه خاص، سواء من حيث شروط التوجيه الوظيفي والمهني والالتحاق بالدراسات العليا والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية على اختلاف أنواعها وفئاتها، أو من حيث الحصول على المنح والإعانات الدراسية، والإفادة من برامج مواصلة التعليم ومحو الأمية، والمشاركة في الألعاب الرياضية والتربية البدنية، وتشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد على القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور المرأة في جميع أشكال التعليم).

حتى القوانين والتشريعات في مملكة البحرين تؤكد على هذا الحق للطفل، (المادة 6 من قانون رقم 27 بشأن التعليم لسنة 2005، حيث أشارت إلى أن التعليم الأساسي حق للأطفال الذين يبلغون السادسة من عمرهم في بداية العام الدراسي، وتلتزم المملكة بتوفيره لهم، ويلزم الآباء أو أولياء الأمور بتنفيذه، وذلك على مدى تسع سنوات دراسية على الأقل، والمادة 8 من القانون نفسه تؤكد على أنه يعاقب بغرامة لا تزيد على مئة دينار والد الطفل أو المتولي أمره إذا تسبب في تخلف الطفل الذي بلغ سن الإلزام عن الالتحاق بالتعليم، أو انقطاعه دون عذر مقبول عن الحضور إلى المدرسة مدة عشرة أيام متصلة أو منفصلة خلال السنة الدراسية).

ما نطرحه على مستوى «أنماط التعلّم» ليس شيئاً جديداً أو طارئاً، لأنه يرتبط بـ «الفروق الفردية أو التمايُّز»، فاختلاف الطلبة على مستوى الاستعدادات والقدرات البدنية والذهنية، يعكس على اختلاف قدراتهم في التحصيل الدراسي، ومساعدتهم في تحسين سلوكهم، وتهيئتهم مستقبلاً لسوق العمل.

لتقريب الصورة أكثر، فإن مشروع مدينة شباب 2030 التابع للمؤسسة العامة للشباب والرياضة، والذي ينظم للعام الثاني على التوالي يقترب بعض الشيء في توجهاته وآلياته وتطلعاته من مدينة الألعاب في دبي، وأملنا في تخصيص أرض بشكل دائم لتطوير هذا المشروع، ليكون على مدار العام بدلاً من الإجازة الصيفية فقط، فنحن مطالبون باحترام حقوق الطفل والنظر إليه على أنه مشروع إنسان

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3277 - السبت 27 أغسطس 2011م الموافق 27 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:08 م

      نورك بنور الأيمان وعلى هذه الحكم

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      أجارك وأجر جميع أخواننا المسلمين وكل عام أنتم بخير

اقرأ ايضاً