إنه الربيع العربي، الحدث الأبرز على مدى التاريخ الحديث بعد الاستقلال من الاستعمار، ثورة تتلو ثورة، وصرخة تعقبها صرخة، ودماء تسيل شوقاً نحو الحرية.
إنها الثورة العربية التي حق لها أن تفتخر، بدمائها وتضحياتها، وبإصرار شعوبها على التغيير الذي بات مستقبلاً لأمة بأسرها وقعت أسيرة لأطماع فئوية بقيت متربعة على كراسي الحكم سنين وسنين، تنهب ثرواتها، وتستأثر بخيرات أراضيها، وتبيح لنفسها ما حرمه الله، وفعلت ما فعلت.
إنها الصرخة المدوية التي انطلقت من صفعة الشرطية فادية حمدي إلى محمد البوعزيزي، وجاب صداها من ولاية سيدي بوزيد التونسية إلى كل المدن العربية بحثاً عن التغيير والمستقبل الأفضل للإنسان العربي.
إنها «نظرية الدمينو» تتحقق على أرض الواقع العربي بعد أن وضعها وزير الدفاع الأميركي روبرت ماكنمارا في عهد الرئيس كينيدي في بداية عقد الستينيات، والتي تؤمن بانتشار عدوى التغيير لدى الدول المتجاورة، فقد طبق نظريته على أساس الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مفترضاً أن نجاح الأخير في أن ينشر معتقداته الأيديولوجية في دولةٍ ما فإن هذا سيوفر البيئة المعنوية والنفسية للدولة المجاورة لأن تقع تحت تأثير هذه المعتقدات. بمعنى آخر، ان الظاهرة تبدو مشابهة لسقوط قطع «الدومينو»، إذ يؤدي التغيير في دولةٍ ما إلى انتشاره في باقي الدول المجاورة.
ربما لم تسمع الشعوب العربية عن «نظرية الدمينو» من قبل، إلا أنها آمنت بفكرتها، واستلهمت من حركتها ثوراتها، بأن الزمن قد حان ليتساقط الظلم في عالمنا العربي قطعةً قطعةً، واحدة تلوى الأخرى، ضمن مشهد دراماتيكي ولوحة فنية جميلة لونها دماء زكية طاهرة عشقت الحرية.
هكذا يبدو المشهد العربي بعد مرور ثمانية أشهر فقط على انطلاقة الثورة التونسية ومن ثم أعقتبها الأحداث المتتالية في البلدان العربية الأخرى، حركات تتلو حركات، وصحوات تعقب صحوات.
لا يمكن لأحد في هذا الزمن أن يسرق أحلام الشعوب وتطلعاتها، ولا يمكن لأيٍّ كان أن يفرض نفسه وصياً على البشر، كما لا يمكن أن توأد ثورة الشعوب العربية.
العرب تغيروا، واستبدلوا جلودهم البالية القديمة، بجلود جديدة تفوح منها نسمات الحرية. العرب ليسوا كما كانوا في السابق محبطين ويائسين، بل أصبحوا مؤمنين بأن بيدهم التغيير، وبيدهم الإصلاح، وبيدهم المستقبل الأفضل لهم ولأوطانهم ولأبنائهم وللأجيال المقبلة.
كل «قطع الدمينو» التي سقطت في عالمنا العربي كانت تلعب بالأوراق البالية والمترهلة ذاتها التي عفا عليها الزمن، من تهم الطائفية، والعمالة الخارجية، والانتماء لتنظيمات إرهابية... وغيرها.
كل «قطع الدمينو» حاولت الثبات على أقدامها لمواجهة أمواج الشعوب، إلا أنها سقطت لعدم قدرتها وصلابتها، ولأن الأرض التي تقف عليها هشة بلا دعامة شعبية.
وحدها ا0لشعوب استطاعت أن تغيِّر مستقبلها، من دون الاعتماد على الآخر. وحدها التي فرضت التغيير على العالم وأجبرت كل تلك القوى المستكبرة إلى أن تخضع لإرادتها وتحترم رغبتها، وتؤمن بقدرتها على التغيير.
كل الشعوب وبلا استثناء، من حقها أن تحلم بأن يكون لها مستقبل أفضل. كلها ومن دون استثناء تطمح في التغيير، وكلها تعيش الألم ذاته، وتأمل في أن يكون غدها أفضل من يومها.
وحدهم المستنفعون، والطفيليون الذين يرفضون هذه الأحلام ويعملون ضدها من أجل مصالحهم الذاتية. وحدهم الذين يقسمون البشر بأمزجتهم الضيقة، وعقلياتهم المتعفنة، الذين يرفضون الحرية ويفضلون العبودية والعيش على الفتات.
إنها العدوى الإيجابية ومرض «الحرية»، لن يوقفوها، فقد أصابت العالم العربي، فأحدثت اختلالاً إيجابياً في توازن القوى، وأعطت للشعوب المضطهدة النفوذ والسيطرة والقدرة على قلب المعادلة.
إنها صرخة المظلومين والمكبوتين والمحرومين والمسحوقين. إنها صرخة جياع الحرية، التي أسقطت قطع الدمينو، ولن يوقفوها أبداً
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 3273 - الثلثاء 23 أغسطس 2011م الموافق 23 رمضان 1432هـ
هكذا الحياة
نعم تتساقط هكذا ولكن أين المعتبر والمتيقظ
استمع إلى باقر علوم النبيين ما يقول
قال الإمام الباقر (ع): (إن ذهاب ملك بني فلان كقصع الفخار، وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي إذ سقطت من يده وهو ساه عنها فانكسرت، فقال حين سقطت : هاه -شبه الفزع- فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه)
الشعوب العربية وأغنية أم كلثوم (ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بيه ومليت)
حال الشعوب العربية تحكيه أغنية أم كلثوم وحيث أن صبر هذه الشعوب قد طال فلقد ملّت الشعوب هذه الإنظمة بعد انغماسها في الأوحال ويأس الشعوب من أن تخرج هذه الحكومات من تلك الأوحال لإدمانها عليها
فلا مخرج إلا بولادات قيصرية