العدد 3271 - الأحد 21 أغسطس 2011م الموافق 21 رمضان 1432هـ

حلم المدينة الفاضلة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ليست الكتابة عن عليٍّ (ع) في ذكراه مجرد لذةٍ روحيةٍ، ولا ترفاً فكرياً أو طرحاً عاطفياً، وإنّما هو توق الإنسانية للحرية وسعيها الدائم لتحقيق العدل والمساواة على هذا الكوكب الدوّار.

منذ بدء الخليقة كانت هناك المفاضلات، وما جاءت الأنبياء إلا للعدل وإقامة الميزان بالقسط. سعيٌ دائبٌ منذ آلاف السنين، لإقرار أن البشر خُلقوا أحراراً متساوين، دفع الملايين أكلاف الصراع أنهاراً، دموعاً ودماء.

الفلاسفة الذين حلموا بالمدينة الفاضلة، لم تسلم مدنهم من لوثة التمايز والاستعباد. حتى أفلاطون قسّم المجتمع إلى أسيادٍ تحكم، وعبيدٍ تخدم. حتى حلم الفلاسفة كان مريضاً مشوهاً وهو على الورق، إلا حلم عليٍّ جاء على أرض الواقع سليماً معافى ناصع البياض.

لم يسعَ للخلافة والإمرة، وإنّما انثالت عليه الجماهير يطالبونه بقبولها، فهو يزينها ولا تزينه. وهي تحتاجه ولا يحتاجها. وكان عليه أن يمدّ ما انقطع من هدي النبوة في الحكم، وكان واضحاً مع الجميع فيما يريد، وعلى رأس أولوياته استرداد القطائع والأموال المنهوبة: «والله لو وجدته قد تُزُوِّجَ به النساء ومُلك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعةً، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق».

صراعات البشر لا تنحصر في المثل والمبادئ، وغالباً ما تدور حول الذهب والأموال حتى في تلك الأزمان. كان يقول: «أنا يعسوب (ذكر النحل) المؤمنين، والمال يعسوب الفجار». لقد كان دليلاً وهادياً. يأتيه اثنان من الطامحين للمناصب ليلاً فيطفئ شمعةً، ويشعل أخرى. الأولى ملكٌ عام، والأخرى ملكه الخاص. لم يطيلا المكوث عنده، كانت الرسالة واضحةً، فليس عنده ما يطلبان.

في بداية خلافته، أتاه الناصحون ينصحون، بعضهم صادق مشفق وبعضهم نصحه مدخول. وكانوا يجمعون على نصحه بمسايرة أشراف قريش مؤقتاً، وتوزيع الأموال على المرتشين لشراء ولائهم على حساب بقية المسلمين، حتى تستتب له الأمور ويعود إلى سيرته المحمودة في العدل. وكان يرد عليهم بحزم: «أتأمرونني أن أطلب النصرَ بالجور؟ واللهِ لا أفعل ما طلعت شمسٌ وما لاح في السماء‌ نجمٌ». وكان له موقفٌ صارمٌ كالسيف في قضية العدل، يؤكده بقَسَمٍ مبرور: «واللهِ لو أعطِيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصيَ اللهَ في نملةٍ أسلبها جلب شعيرة ما فعلت».

ثورته التصحيحية الحازمة ألّبت عليه رؤوس القبائل وأصحاب النفوذ... وحتى بعض الرفاق. ثلاثة حروب كبرى اضطر لخوضها خلال أربع سنوات. حاول أن يتجنب الصدام الدامي دون جدوى، وحين ظفر ببعض المنشقين على سلطته الشرعية، أدخل الجرحى منهم بيوت البصرة لتلقي العلاج. وحين وقف على جسد أحد الرفاق القدامى قتيلاً في وادي السباع، حمل سيفه وبكى وقال: «سيفٌ طالما ذبّ الكُرَب عن وجه رسول الله». لم ينسَ له تاريخه أيام النضال القديم، رغم ما انتهى إليه من مصرع سوء.

لم تطل التجربة أكثر من أربع سنوات وبضعة أشهر، فقد تناوشتها قوى الثورة المضادة من كل ناحية، وضربتها من الداخل لتغرقها في صراعٍ دامٍ ظل مفتوحاً لعدة قرون.

لقد طُويت في مثل هذا اليوم، صفحة المدينة الفاضلة التي أرادها عليٌّ نموذجاً للحكم الراقي الرشيد... وظلت حلماً يراود الملايين عبر العصور، يرددون أبيات سودة بنت عمارة الهمدانية وهي ترثيه:

صلى الإله على جسمٍ تضمنه

قبرٌ فأصبح فيه العدل مدفوناً

قد حالف الحقَّ لا يبغي به بدلاً

فصار بالحقِّ والإيمان مقروناً

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3271 - الأحد 21 أغسطس 2011م الموافق 21 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مجرد سراب | 10:00 ص

      سفير الانسانية 2

      اءة مجردة من العنصرية البغيضة، في شخص الإمام علي، تجعلنا نجزم كونه لصيقاً لأمال الكادحين على هذه الأرض. على هذه الأرض لا على شعوب تُصنع؛ لإيهام الآخرين بكمالها، فتغدو كأنها من كوكب أخر، غير الذي نعيش. أو قد تبدو و كأنها من بلد أخر غير الذي ننتمي. فالجماهير على اختلاف أمكنتها و أزمنها تمجد، من يلتصق بآمالها و آلامها، و يغدو بارقة أملها في انتشالها من واقعها المرير.

    • مجرد سراب | 9:56 ص

      سفير الانسانية 1

      كما يسكن الله النفوس، يسكن الإمام علي قلوب محبيه؛ إذ تتسلل روحه و شخصه العظيم برفق داخلنا من شرفات عديدة، رغم كل هذه القرون، التي تحول بيننا، و بين ضرب دمه دون شخصه، و جسده دون روحه
      تسجل الشعوب لا التأريخ المفخخ ، شخصيات عديدة تقبع في سماء الحقيقية. و أي فكر عقلاني، مجرد من زيغ الغشاوة، يجزم دون شك بالأثر العميق الذي أحدثه الإمام علي، في الفكر الإنساني، قبل الفكر الإسلامي.

    • زائر 30 | 9:20 ص

      الحق في النجف الاشرف...

      الحق مدفون في النجف الاشرف...جواب السائل عن حقيقة الامور بكل أبعادها الانسانية والمادية والمعنوية!!!.

    • زائر 29 | 8:33 ص

      نعم حتى اشتهر

      أن العدل مدفون بالنجف

    • زائر 28 | 8:25 ص

      الأمم المتحدة والإمام علي(ع)

      مقولة علي (ع) الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق واتخذ منها شعار في أحدى قاعات الأمم المتحدة ومن فترة ليست بقليلة تم اختيار دولة الإمام علي (ع) من أكثر الدول عدالة سلام الله عليك يا أمير المؤمنين يا علي بن أبي طالب ها هي قبتك العالية منيرة في ذكرى اسشهادك وتحت سقفها الملايين في هذا الشهر الكريم تدعوا لجميع المسلمين في شتى انحاء بالهداية والوحدة والمغفرة .

    • زائر 27 | 8:20 ص

      لبس الاسلام ابراد السواد يوم اردى المرتضى سيف المرادي

      لعلع بباب علي ايها الذهب
      واذهب بابصار من حبوا ومن بغضوا
      هو باب مدينة علم رسول الله
      هو من شرى نفسه مرضاة لله حين بات على الفراش(ومن الناس من يشري نفسه ..الاية)
      هو نفس رسول الله يوم المباهلة(تعلوا ندعو...)
      هو من رسول الله بمنزلة هارون من موسى(غير النبوة)
      هو من ضربته لعمر تعدل عمل الثقلين..

    • زائر 26 | 8:18 ص

      الكوكب الدوار

      متى يتحقق العدل والمساواة على هذا الكوكب الدوار

    • زائر 25 | 6:50 ص

      المصلي

      عندما تبنى امامنا ومولانا امير المؤمنين تاسيس المدينة الفاضلة اصدم بمعوقات كثيرة من اهمها عزل ولاة فاسدين نصبهم ممن نصبوا انفسهم بالقهر والغلبة على رقاب المسلمين بأسم الشورى المبتورة في حقيقة الأمر اما المعوق الثاني فهو اصلاح الوضع الأجتماعي السيء بنشوء طبقية مقيته على مدى عشرون سنه غيب الأسلام المحمدي الأصيل عن واقع المسلمين حيث تفشى الفساد المالي بنهب بيت مال المسلمين نهبا مروعا اراد امير المؤمنين ع محاسبة السراق فتئالبت عليه ذئبان العرب باربعة حروب شغلته عن بناء المدينة الفاضلة

    • زائر 24 | 6:29 ص

      من وصايا الامام علــــــــــــــــــي عليه السلام ...و الله الله في الفقراء و المساكين، فأشركوهم في معائشكم. ......... 3 ........ ام محمود

      و الله الله في ما ملكت أيمانكم، فإنها كانت آخر وصية رسول الله ص إذ قال: اوصيكم بالضعيفين فيما ملكت أيمانكم».
      ثم قال: «الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، فإنه يكفيكم من بغى عليكم و أرادكم بسوء، قولوا للناس حسنا كما أمركم الله، و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فيولي الأمر عنكم ) و تدعون فلا يستجاب لكم، عليكم بالتواضع و التباذل و التبار، و إياكم و التقاطع و التفرق و التدابر (و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب

    • زائر 23 | 6:25 ص

      من وصايا الامام علي ع لابنه الحسن ع ........... 2 ........... ام محمود

      الله الله في القرآن، فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم.
      و الله الله في الصلاة، فإنها عماد دينكم.
      و الله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظرو، و إنه إن خلا منكم لم تنظروا.
      و الله الله في صيام شهر رمضان، فإنه جنة من النار.
      و الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم.
      و الله الله في زكاة أموالكم، فإنها تطفى‏ء غضب ربكم.
      و الله الله في امة نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم.
      و الله الله في أصحاب (امة) نبيكم، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله أوصى بهم.

    • زائر 22 | 6:20 ص

      من وصايا الامام علي عليه السلام لابنه الحسن ع قبل استشهاده ..... 1 ............ ام محمود

      اوصيك يا حسن، و جميع ولدي و أهل بيتي، و من بلغه كتابي هذ، بتقوى الله ربنا و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون، و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله يقول :إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام، و إن المبيدة الحالقة للدين فساد ذات البين، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب.
      الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم بجفوتكم.
      و الله الله في جيرانكم، فإنها وصية رسول الله ص، فما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.

    • زائر 21 | 5:59 ص

      سياسة؟؟؟؟

      ويش فيه رقم 6؟ عامل له زوبعة وبرافو ووايد زين واستوعبت الدرس ياسيد لما توقفت.... أصلاً قاسم حسين ما توقف أصلاً عن الكتابة بالمرة.اقرأ وافهم: سعيٌ دائبٌ منذ آلاف السنين، لإقرار أن البشر خُلقوا أحراراً متساوين، دفع الملايين أنهاراً، دموعاً ودماء. وعلى رأس أولوياته استرداد القطائع والأموال المنهوبة. ولم تطل التجربة أكثر من أربع سنوات فقد تناوشتها قوى الثورة المضادة من كل ناحية، وضربتها من الداخل لتغرقها في صراعٍ دامٍ. بس وين اللي يفهمون يا سيد؟؟؟؟

    • زائر 20 | 5:58 ص

      عفواً سيد

      اليعسوب ملكة النحل و ليس ذكر النحل

    • زائر 19 | 5:29 ص

      برافو عليك يا رقم 6

      السيد قاسم حتى أيام الازمة لم يتوقف عن الكتابة، وحتى مواضيعه الادبية فيها سياسة، هذا لمن يفهم ما بين السطور. وربما لا تدري أن هذه الايام مناسبة استشهاد سيدنا الامام علي وقاسم يكتب كل سنة عنه حسب متابعتي، كما يكتب أيام عاشوراء عن سيدنا الامام الحسين.وصدقت يا رقم 9: انها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

    • زائر 17 | 4:13 ص

      علي والحق

      ما ترك لي الحق من صديق سلام الله عليك يا أبا الحسن فما زال السائرون على خطكم يعانون من تلك الوحشة وهم يرددون لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه.

    • زائر 16 | 3:15 ص

      تلك هي القمم الإلهية والحجج على الناس

      لم يكن الله مكلف الناس بمالا يستطيعون لذلك خلق لهم القذوة والحجج فالإنبياء وأوصياء الإنبياء هم القمم وهم الحجج وهم القذوة لمن أراد الوصول إلى الغاية المنشودة
      بهؤلاء تكون لله الحجة البالغة فلقد وصلوا بما وصولوا وهم بشر مثلنا وعلينا اتباع طريقهم والأخذ منهم
      بقد ما يتيسر للإنسان

    • عيد الولاية | 2:02 ص

      ردا على برافو سيد

      أخي العزيز اليوم يصادف ذكرى أمير المؤمنين و من الطبيعي ان يكتب السيد في عظم شأن علي (ع)
      و على فكرة مقاله سياسي بحت لأنه يستعرض التجربة السياسية العادلة لأمير المؤمنين أبان حكمه
      فأرجو ان تكون قد استوعبت انت الدرس من مقال السيد.
      انها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور

    • زائر 13 | 12:50 ص

      إملؤا درب علي بالسكاكين

      لن أبارح حبه ولو بتقطيعي...
      أنا في حب علي طاب تجويعي.

    • زائر 11 | 12:22 ص

      علي كمال الانسانية

      هذا الاشعاع الزاخر بالعدل في مثل هذا اليوم قام يدعو ابنائه ان يكونو للظالم خضما وللمظلوم عونا
      لله درك ياعلي كان يعيش بين الناس ليطمئنو ويرفع عنهم الظيم والجهل الحافظ لاعراضهم والمهذب لأخلاقهم (لا احب لكم ان تكونو سبابين)
      كان يطلب العدل والحق فقال (اعرف الحق تعرف صاحبه)
      وهنا ابعد العواطف والانساب ونظر للحق والعدل وملكه من نفسه وجعله الهدف السامي والجوهر المكنون
      (عجبي من من لايجد قوت يومه لايخرج شاهرا سيفه) هكذا كان يرى الحقوق ويدافع عنها بكل وعي واراده
      ابوحسين المقابي

    • زائر 7 | 11:21 م

      برافو سيد

      برافو سيد فهمت الدرس زين وصارت كتاباتك عن سيدنا علي والنبل والاخلاق والام وكل شي عدا السياسة الخطرة والاسلوب الذي كنت تكتب به قبل توقفك وعودتك مرة اخري ولكن واضح من عودتك انك استوعبت الدرس وايد زين برافو سيد
       

    • زائر 6 | 10:53 م

      غريب الرياض

      ماجورين

    • زائر 5 | 10:51 م

      مأجورين يا أبو هاشم

      مأجورين و أثابكم الله يا مؤمنين، و صلى اللهم على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

    • زائر 4 | 10:48 م

      السلا عليك يا أبا الحسن

      أحسنت ...
      مأجورين في ذكرى استشهاد شهيد المحراب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

    • زائر 2 | 10:19 م

      من الجد للحفيد

      السلام عليك يا أمير المؤمنين .. فعلا لقد ضاقوا بعدلك فاستباحو حرمتك وحرمة الشهر كأنهم لم يسموا قول رسول الله وقد كان بالأمس في ظهرانيهم علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار ..ومن كان يداوي جرحى الجيش الآخر ويسقيه الماء عاد أحفاده يقتفون أثره وسيرته ..

    • زائر 1 | 9:50 م

      أحسنت أحسنت سيدنا ..

      فعلا عزيزي هو كما قلت في مثل هذا اليوم انقضت مدينة علي الفاضله بقتل أميرها على يد أشقى الأشقياء ،، ولكن لا تخف يا ابن الأكرمين فهناك مدينة فاضله قادمة على يد خاتم الأولياء ،، وهي مستمرة انشاء الله الى يوم الساعة ،، وعد الله ولا يخلف الله وعده ..

اقرأ ايضاً