في ظل تآكل الشرعية، فقد شرعت سلطة الاستبداد والقمع ومصادرة الحريات في عالم طابعه الحريات والديمقراطية والانفتاح، واختزلت الدولة في أجهزة السيطرة على الشعب، واختزلت النخبة الحاكمة في عصبة وأضحى الحكم دون شرعية.
بالنسبة للشعب فقد تراجعت كثيراً الهوية القومية والوطنية الجامعة، حيث عهدت الأنظمة إلى استغلال التمايزات القومية والدينية والمذهبية، وتعميقها وإشغال المجموعات المختلفة في صراعات جانبية. لذلك تصاعدت التوترات القومية والدينية والمذهبية والقبلية، والتي أدت إلى الاقتتال بل والحروب. إن تراجع اللّحمة القومية العربية والوطنية هو لحساب تعزّز الهويات الفرعية القومية والدينية والمذهبية والقبلية، وفي ذلك عودة لعهد ما قبل تشكل الدولة الوطنية التي وضعت عليها الآمال لإدماج الشعب ونهوضه.
5. تؤكد الدراسات والمؤشرات أن هناك مفارقة واسعة بين إمكانيات الوطن العربي وواقعه السياسي والاقتصادي والعلمي. الوطن العربي يمتلك إمكانيات مادية وبشرية عظيمة وذو موقع استراتيجي وعمق حضاري، ويمتلك قواسم مشتركة من اللغة والتواصل الجغرافي والإرث الحضاري، ما يؤهله ليقيم دولة أو على الأقل منظومة تكامل على غرار الاتحاد الأوروبي، لكن واقع الوطن العربي هو عكس ذلك تماماً. فمؤشرات الفقر والبطالة والتخلف والفساد والأمية والتصحّر مرتفعة جداً، لا تضاهيها سوى منطقة جنوب الصحراء الإفريقية. الوطن العربي يتراجع بمجموع دوله في الوزن السياسي وفي النصيب الاقتصادي والإسهام العلمي والمعرفي، وأضحى نهباً للدول الكبرى والشركات العابرة للقارات.
6. الوطن العربي اليوم مستباحٌ للاحتلال الإسرائيلي وهيمنة الدول الكبرى ونفوذ الدول المجاورة، ويعيش في ظل مخاطر أدت إلى نتائج خطيرة، منها تكرس الاحتلال الإسرائيلي كأمر واقع، وتعمق الانقسامات العربية وسياسة المحاور والتكتلات، واحتدام النزاعات التي أدت إلى حروب أهلية واحتلالات عربية عربية، وحروب عربية عربية. الوحدة الداخلية للعديد من البلدان العربية أضحت مهددة، وآخرها انفصال جنوب السودان وتفكك الصومال.
النظام العربي ممثلاً بالجامعة العربية في حالة شلل وعجز عن حل أبسط القضايا العربية، والتي تترك للقوى الخارجية. ونرى مثلاً تعاطي الجامعة العربية مع الصومال والصحراء المغاربية ولبنان والعراق، وأخيراً الأوضاع الحرجة في ليبيا واليمن وسورية. والمحصلة تقدّم الدول الكبرى و «إسرائيل» والدول الإقليمية للتدخل وحسم الأمور لصالحها على حسابنا. هذه هي محصلة العلاقات العربية السلبية والأوضاع المتدهورة في كل بلد عربي بدرجات في السوء.
7 - طرحت قضية الثورات والانتفاضات العربية قضية الإصلاح بشكل ملحّ. فعلى امتداد العقدين الماضيين طرحت قضية الإصلاح نفسها بقوة. وما أثبته الربيع العربي هو أن الأنظمة العربية عاجزة أو غير راغبة في إصلاح ذاتها. كما أن بنية المجتمع السياسي وبنية المجتمع المدني وآليات العمل السياسي وتهميش المجتمع المدني لا تتيح إصلاحاً حقيقياً مادام التناوب على السلطة ممنوعاً في ظل احتكار السلطة من قبل عصبة أو أسرة أو حزب واحد. وقد طرحت حركات التغيير مطلب الإصلاح الشامل والتناوب على السلطة، لكن الأنظمة ظلت تراوغ وتطرح الإصلاحات المحدودة، ودائماً ما كانت متأخرةً، بحيث تطورت الأمور إلى خط اللارجعة، وطرح شعار الشعب «يريد إسقاط النظام»، بدلاً من «الشعب يريد إصلاح النظام».
8 - ما يميز ثورات وانتفاضات الربيع العربي تبنيها خيار السلمية في الاحتجاجات. ورغم استخدام القوة المفرطة من قبل الأنظمة بمختلف الدرجات وصولاً إلى المجازر البشعة وحتى الحرب الفعلية ضد الشعب والعقوبات الجماعية، إلا أن قوى الثورة أو الانتفاضة ظلت متمسكة بسلمية الحركة. حدث هذا في تونس ومصر والعراق ولايزال يحدث في اليمن وسورية وغيرها، فيما تطور الوضع في ليبيا إلى حرب فعلية.
إن الأنظمة هي من ضيّع الفرص لإجراء تحوّل سلمي، وهي التي لجأت إلى العنف المفرط، ما يؤدي إلى الانزلاق نحو العنف والحرب الأهلية. (وللحديث صلة
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3270 - السبت 20 أغسطس 2011م الموافق 20 رمضان 1432هـ
ليت الأنظمة
ما يميز ثورات وانتفاضات الربيع العربي تبنيها خيار السلمية في الاحتجاجات. ورغم استخدام القوة المفرطة من قبل الأنظمة
أن الأنظمة هي من ضيّع الفرص لإجراء تحوّل سلمي
كلام رائع ليت الأنظمة تتعلم وتعى الدورس،
خيار ضغط السلمية ومدى فعاليته
الضغوط تكون كبيرة جداً على الأنظمة العربية من قبل أمريكا وأوروبا عندما تستنزف رؤؤس الأنظمة ومثال على ذلك الحال؛ رؤؤس أنظمة تونس ومصر وليبيا وسوريا. الشعوب كررتها مراراً ولا زالت تكررها، كونوا معنا حتى لا تنتهي صلاحيتكم مع أمريكا وأوروبا وتصبحون في الزنزانات محبوسين محاسبين أو لاجئين ملاحقين.
نحن الضمان لكم وأنتم الضمان لنا بالعيش الكريم كما هي الشعوب وحكامها في أمريكا وأوروبا.
مع تحياتي
اجتنبوه اجتنبوه
لقد اسمعت لو ناديت حياً
من أروع المقالات عن الربيع العربي
بوركت
كلام سليم يحتاج الى آذان واعية وقلوب مفتحة