«أعزكم الله»، «رفع الله شأنكم»، «مشكوري السعي»، «جزاكم الله خيرا»، بنبرات خافتة كان الشيخ الجمري يحيّي ضيوفه الذين جاءوا لعيادته... وبحسب النظام المعمول به فإن الزائرين يصافحون سماحته ويلقون عليه نظرة سريعة ومن ثم يغادرون ليدخل فوج غيرهم، لكني حينما دخلت أحسست بأنه من الواجب عليّ المكوث قليلا ولو كان ذلك يسبب إرباكا للمنظمين بسبب الازدحام الشديد داخل وخارج منزل الشيخ حفظه الله.
بعد السلام على الشيخ وقفت أراقب حركة الزوّار وسلاسة التنظيم بفضل القائمين عليه، وصرت أتأمل في طريقة ردّ التحية من جانب الشيخ رعاه الله، إذ كان يمدّ يده قبل وصول الزائر ليصافحه، تماما كما كان قبل مرضه.
كان يدخل يده تحت لحافه فور انتهاء الزوّار من مصافحته وتقبيله، لكن سرعان ما يدخل فوج آخر، فيأتي نداء بمجيء جماعة جديدة، فيردّ بصوت ضعيف «حياهم الله»، «يا مرحبا بهم»، ويخرج يده ثانية متحديا الألم ليصافح ضيوفه واحدا تلو الآخر رغم العناء الذي كان يتكبده جراء الجهد الذي يبذله حين يمدّ يده ويرجعها عدة مرات في الدقيقة الواحدة.
للّه درّك يا أبا جميل، حتى وأنت على فراشك تبذل التضحية، صحيح أن الأطباء نصحوا بعودتك إلى المنزل، لكنهم لم ينصحوا باستقبال هذا الكمّ من الناس، لكنك صاحب العهد القديم الذي لم تردّ أحدا قصدك قط، وتأبى مروءتك أن يرجع مريدوك دون الحصول على مناهم، لذلك لم نتعجب حينما وصلت للوهلة الأولى إلى بيتك وأنت تلوّح بيدك لمستقبليك الذين تجمعوا متلهفين إلى رؤيتك.
اشتياق الناس إلى السلام على الشيخ وإبداء المشاعر الجيّاشة نحوه كان واضحا تلك الليلة كغيرها من الليالي والأيام، والغريب أن أحد الإخوة الضيوف قرأ على الشيخ رسالة نيابة عن أهالي منطقته يبلغونه فيها تحياتهم وتمنياتهم له بالشفاء العاجل، فمدّ الشيخ يده ليأخذ الرسالة بنية قراءتها، في حين أن نسبة البصر لديه تبلغ 20 في المئة، لكن ابنه أقنعه بالاطلاع عليها بعد انتهاء مدة الزيارة.
الشيخ على فراشه لكنه ربط الجأش، قوّي الجَنان وذلك عائد إلى قوة إيمانه وشديد صبره على البلاء... فرغم الآلام هو ينتفض، يتحدى المرض... يزأر ولو كان جريحا
العدد 327 - الثلثاء 29 يوليو 2003م الموافق 30 جمادى الأولى 1424هـ