ينتمي القاص حسن برطال إلى راهنه، اختار الكتابة في جنس إبداعي زئبقي وحاد على التعريف؛ بل إن مجاميعه: «أبراج/2007»، «قوس قزح/2009»، «صورة على نسق JPG/2010» ظلت وفية للجنس الإبداعي نفسه؛ أي القصة القصيرة جداً والمعروفة اختصارا بـ ق.ق.ج وكأنها تحتاج لمزيد من القصر حتى في التعريف الاصطلاحي والأجناسي.
نحن أمام قاص ظل اختيارياً أمام اختياره الإبداعي الوحيد، يراكم من خلاله مثنا قصصياً قصيراً جداً، واللافت أن النقد السردي في المغرب ظل يحترس من هذا الجنس الإبداعي وكأنه «ضمير منفصل لا يستحق أن يكون» في حين، يعتبره اليوم الكثير من الأسماء الفاعلة في المشهد القصصي المغربي «ضمير متصل بالعالم اليوم وغداً، هنا والآن» وكأنه فعل حداثي مستمر في الزمن، على رغم أن ق.ق.ج «جد محتالة على الزمن» إذ إنها «لحظة خاطفة تميل إلى إثارة الإحساس بالمفارقة في كل شيء.
في مجموعة حسن برطال «صورة على نسق JPG/2010» تحاور القصة القصيرة جداً الشبكة العنكبوتية بكل تفاصيلها، ويبدو لافتاً أن هذا الجنس قد استفاد من حضور الانترنت؛ بل يمكن أن نفترض وجود هذا الجنس الإبداعي بمعزل عن هذا الفضاء الافتراضي؛ حيث يتحول كل شيء إلى لغات هجينة. وظلت قصص المجموعة وفية لمرجعياتها الثقافية والاجتماعية وحتى الايديولوجية. لكن، تصريف هذه الأنساق يخضع لضوابط القصة القصيرة جداً وجمالياتها. فـ «فلسطين وناجي العلي والشهيد» إلى جانب «مهرجان، حاملي الشهادات، برلمان،..» جميعهم لا يحضرون كموضوعات بقدر تحميلهم على جهاز لإلصاقهم على نمط JPG؛ أي كصور لا كلمات «وورد» فهذه الأخيرة تسعفنا في التفكير على أننا أمام نص سردي بنسقه المعروف، أما الصورة فتظل منحازة إلى مرجعيات أخرى. وكأننا في مجموعة برطال نعبر إلى رقمنة داخلية. صحيح لا تظهر كمظهر بصري، بقدر ما تخفي حمولاتها المعلوماتية على مستوى الدلالة.
ولعل حضور قصة «صورة على نسق JPG» كمدخل وفاتحة القصص لها ما يسعفنا في الحضور؛ إذ تطالبنا هذه القصة بـ «ربط اتصالنا على صبيب عالي» تليه رغبة ثانية «فك الارتباط» نظراً إلى انقطاع الربط بالأنترنيت. فهل هي دعوة إلى الخروج من المجال الافتراضي ومن عوالم الشبكة العنكبوتية إلى عوالم الكتابة الإبداعية بحسب آليات تواصلها التقليدية العادية؟
للقصة القصيرة جداً قدرة على التحلل من «وسائط اتصالها» المعتادة وبما أننا أمام صور على نسق JPG تتكرر باستمرار في المجموعة، فإننا نواصل قراءة باقي قصص المجموعة من خلال منظورين: الأول تحكمه البنية، فمادامت القصة أساساً لا تنفصل على باقي الأجناس الإبداعية، وبما أن النقاد لا يخفون هجنتها وصعوبتها الأجناسية فإننا نقرأ نصوص المجموعة من بوابة خصائصها وسماتها النقدية. أما المنظور الثاني فتتحكم فيه، على افتراض أن ق.ق.ج جنس إبداعي بالغ التعقيد، سمة التجريب وهنا أمكن فهم هذه العلاقة الملتبسة بين مجموعة القاص حسن برطال وعوالمها الافتراضية والتي تتقاطع بشكل كبير. كما أن التقاطع الحاضر بين القصة القصيرة جداً والشعر تطرح أكثر من مستوى سواء من خلال عنصر الإيحاء أو التكثيف. أو من خلال التسمية ذاتها «قصيدة الومضة».
ولسنا هنا للبحث عن «هوية» للقصة القصيرة جداً؛ بل إننا نحاول أن نتلمس من خلال مجموعة القاص حسن برطال بعضاً من سماتها. كما أننا أمام تراكم مغربي في هذا الباب، ومن باب التساؤل يمكننا محاولة معرفة هل ثمة خصوصية لافتة للتجربة الكتابة في المغرب؟
جل قصص «صورة على نسق JPG» تبدأ بفعل «تطوع، حكموا، ينام، عاد، دخل، جلس، قرع، دق، نحث، أعطى، يخرج، طلب، بنى، رمت، ترك، اقتحم، اختار، تقدم، جلس، سمع...» وتنتهي بنقط حذف «.../» علامة اللااكتمال وهو ما يثير في المجموعة إلى أن صيغها التركيبية من خلال بنية الجملة، تخضع لنظام خاص يتكرر باستمرار ويقوم على الاستدراكات، وبحكم طبيعة صيغ التكثيف الشديد لنصوص ق.ق.ج فإن استراتيجياتها الدلالية تختصر إلى أبعد الحدود في حقول موضوعاتية محددة تسرد تبعا لتنويعات القصص «P.C، دردشة، الكلام،..» ويقابل هذا التنويع، حرص على عنصر المفارقة من خلال اللعب اللغوي:
o هبل (ص12): 1ـ نحت تمثالاً لزوجته..
2ـ لكن، «فقره» باع هذا النصب التذكاري الجميل.
3ـ أما «غنى غيره» فاشترى منه النسخة «الأصلية» في اليوم نفسه.../»
وهو نموذج يتكرر كلما اتجه النص القصصي إلى إثارة حالات إنسانية أو أحياناً من خلال الحرص على استنباط دلالات داخلية من خلال بنية الجملة ذاتها:
فحص مضاد «13»: ـ أكد التقرير الطبي أن
ـ «العلة» في حروف «لغته».../
أو من خلال خلق موتيفات صغرى، عبارة عن تعريفات أو بورتريهات دالة: الشنفري (ص18): (صعلوك) تأبط ميزان «الحرارة»...ليقيس درجة «شره».../.
عموما يواصل القاص حسن برطال ما بدأه في مجاميعه السابقة، الإخلاص للكتابة في «جنس إبداعي» زئبقي مازال موضوعاً للنقد. ومازال يثير العديد من الأسئلة. «إخلاص» يسهم في إزالة الكثير من نقط الالتباس، بحكم انحياز القاص لخلق تراكم على مستوى المنجز وهذا يظل رهاناً إيجابياً محفزاً على القراءة
إقرأ أيضا لـ "عبدالحق ميفراني"العدد 3267 - الأربعاء 17 أغسطس 2011م الموافق 17 رمضان 1432هـ