يتساءل الكثيرون ممن يتابع المشهد السياسي التونسي هذه الأيام عن مصير الثورة فيها: ففي حين يرى البعض أنها تشهد انتكاسة تبعث على الخوف والتشاؤم؛ يرى آخرون أنها تحتاج إلى نَفَسٍ جديدٍ كي لا تفشل. وبين هذا الموقف وذاك يقف المواطن العادي حيران بين آمال كبيرة علقها على هذا الحدث التاريخي الذي هزّ عرش الرئيس المخلوع وواقع يبعث على الريبة والقلق لأسباب كثيرة.
أما أسباب التخوف فكثيرة؛ لعل أهمّها الغياب النسبيّ للأمن في الحياة اليومية للمواطن حيث لا يُلاحَظ تدخله الفعال والحاسم إلا في فض الاعـتصامات السلمية كما حدث في اعتصام القصبة 3 بالعاصمة تونس، أو في القبض على بعض الشباب ممن نادوا بتصحيح مسار الثورة وإحياء مطالب الشباب الذين قادوها كما في اعتصام تصحيح مسار الثورة بمدينة صفاقس، أما في تسهيل حركة الطرقات والسهر على أمن المجتمع فلا تلاحظ ذلك الجهد المألوف لدى رجال الأمن سابقاً في تونس.
زد على ذلك تدهور أداء رجال القضاء والتشكيك في صدقية بعض المحاكمات الأخيرة حيث لوحظت تجاوزات خطيرة في محاسبة المسئولين السابقين في نظام الرئيس المخلوع والموسومين برموز الفساد، بل التساهل الغريب في خروج هؤلاء من البلاد من دون محاسبة كما حصل مع رئيسة جمعية أمهات تونس سابقاً والمتورطة في العديد من القضايا السيدة العقربي، فضلاً عن التراخي في محاسبة وزير الداخلية السابق رفيق الحاج قاسم والمتهم بالإذن في قتل الأبرياء خلال المظاهرات السلمية ومحاكمة مستشاري الرئيس المخلوع عبدالعزيز بن ضياء وعبدالوهاب عبدالله وعبدالله القلال الذين لا يزالون قيد التحفظ لكن في ظروف يصفها الملاحظون عن قرب بأنها إقامة في «سجن» من فئة خمس نجوم، بينما اقتيد العديد من الشباب المعتصمين سلميّاً إلى ثكنات التجنيد الإجباري. إضافة إلى أخبار شبه مؤكدة عن عودة التعذيب في غياهب وزارة الداخلية وهو ما زاد في حجم التخوف لدى فئة عريضة من الشعب. بل ذهب البعض مثل الناشط السياسي سالم الحداد إلى اعتبار الحكومة المؤقتة متواطئة إلى حد بعيد مع الأجهزة الإدارية في مختلف المؤسسات وتسهيل مهمة التجمعيين (نسبة إلى المنتمين إلى حزب الرئيس المخلوع التجمع الدستوري الديمقراطي) للحصول على رخص بعث أحزاب سياسية جديدة. وهذا ما يجرنا إلى الحديث عن الأحزاب التي تجاوزت المئة عدداً. وهو مما زاد حيرة هذا الشعب وخصوصاً مع احتدام الصراع بين الأحزاب للحصول على مقاعد في أول انتخابات ديمقراطية. ولئن كان هذا مشروعاً بالنسبة إلى السياسيين؛ فإن كثيرين من المتشائمين رأوا فيه تهافتاً على المناصب لتحقيق المصالح الشخصية وكأنهم لا يزالون متشبعين بقناعات قديمة كرّسها فيهم نموذج الحكم السابق بأن الفائزين بمقاعد في البرلمان أو المجالس البلدية إنما يوظفون ذلك إن عاجلاً أو آجلاً لمصلحتهم. وها هي بعض الأحزاب تحاول ردم هذه الهوة وتحاول بشكل أو بآخر تحسيس الشعب بأنهم في خدمة المواطنين الذين سينتخبونهم يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لذلك صار لزاماً على التونسي قبل الانتخاب أن يقوم بالفرز بين القوى المساندة للثورة والقوى التي تريد الوصول إلى السلطة بمناسبة الثورة.
إذن في هذا الخضم؛ تأكد للكثيرين حاجة البلاد إلى تصحيح مسار الثورة، وذلك ما جاء على لسان محمد القوماني عن حزب الإصلاح والتنمية، حيث قال: «تونس تحتاج إلى تصحيح مسار الثورة وإيجاد ضمانات لتحقيق أهدافها».
وأضاف «نحن في حزب الإصلاح والتنمية نسعى إلى تشكيل تكتل سياسي يمنع محاولات الالتفاف على الثورة». أمّا عثمان بالحاج عمر عن حزب البعث فدعا إلى إكمال الثورة قائلاً: «شعار المرحلة هو من أجل أن تستكمل الثورة مهماتها»، في حين رأى أحمد إبراهيم عن حركة التجديد أنّ «محاسبة رموز الفساد والقمع في إطار المحاكمات العادية وجدولها الزمني الروتيني أمر مستحيل»، ودعا بالمناسبة إلى تكوين مجمع قضائي متخصص أو غرفتين قضائيتين مختصتين مكونتين من قضاة لا يقدح أحدٌ في استقلاليتهم، ويتكفل بقضايا الفساد وقضايا زهق الأرواح وقتل الأبرياء والقمع والتعذيب.
لكن على رغم هذه الصورة الواقعية القاتمة نسبيّاً؛ يتفاءل كثيرون بما تحقَّق إلى الآن من إنجازات قد لا يستطيع المقال الواحد إحصاءها وتحليلها. لذلك يعتبرون أن الثورة لن تفشل على رغم مراهنة العديد من القوى السياسية والقطاعية على إجهاضها. بل يرون أن الثورة تسير اليوم رويداً رويداً وفي أشكال فيها الكثير من التحضر، نحو بلوغ غاياتها على نحو لن يسمح لأحد مهما يكن موقعه أو حجمه أو قربه من القوى السياسية والاقتصادية المتنفذة أن يسعى أو يفكر حتى مجرد التفكير في افتكاك تلك الحقوق والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 14 يناير/ كانون الثاني2011 .
إن المحطة السياسية الانتخابية المقبلة، أي انتخابات المجلس التأسيسي، ستكون محطة مفصلية في مشروع تجسيد سيادة الشعب وإرادته القوية، وستلحقها محطات أهم بانتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان. وما يرجوه كل تونسي هو أن تكون هذه المحطات الانتخابية المهمة خطوة حقيقية نحو إنجاح توجهات الثورة ويبعد البلاد نهائيّاً عن دوامة المخاوف وعن هواجس الانتكاس والخيبة
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3265 - الإثنين 15 أغسطس 2011م الموافق 15 رمضان 1432هـ
أحلام لا أوهام
ما تحقق لتونس هي احلام كانت في طيات المستحيل والحمد لله صارت واقعا لكن ما يشوبها من مشاكل ليست اقل مما يحدث في مصر نظرا لوجود قوى داخلية وخارجية مؤثرة لا تريد لهذه الثورات أن تنجح