العدد 3264 - الأحد 14 أغسطس 2011م الموافق 14 رمضان 1432هـ

جبلَّة الإنسان ... جبلَّة الأوطان

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كلما رأيت مزايدة عليكَ في حب وطنك ثق أن المنافع والمصالح والامتيازات في الطريق إلى أحدهم. في الطريق إلى الأصوات التي تنعق بالزيف؛ فيما هي في المفاصل الصعبة المرتبطة بالحقوق وتثبيت القانون الحق تظل ليس خارج السرب فحسب؛ بل هي في الصميم من المؤامرة على تلك الحقوق.

الذين يعشقون أوطانهم حدَّ استعدادهم للموت من أجله، يشيرون إلى مَوَاطن الخلل والتجاوز فيه بحرية بالغة وبمسئولية واعية.

والذين يتمصلحون من تلك المَوَاطن لن يرتكبوا حماقة الاحتجاج قيد أنملة.

لا إنسان في الدنيا يشعر بكامل عافيته في توعُّك الوطن الذي ينتمي إليه؛ ولا وطن يمكن له أن يكون جامعاً ومتوازناً ومحقاً في دوره يعمد ولو إلى فرد من أبنائه تهميشاً وتجاوزاً وتسلطاً وانتهاكاً لحقه.

تلك معادلة لا تقبل القسمة على رقم. فقط لدى الموتورين والمتمصلحين، والذين يجدون في الفتن كنوز أعمارهم التي لا كنوز فيها أساساً.يثقلك هذا السعار وهذا التحريض وهذه الوقاحة والبذاءة. يثقلك لأن روحك لم تعهد ولم تتربَ على هكذا إحَن وغلّ وهكذا بذاءات وهكذا انحطاط على مستوى الروح والقيم. مشروعات التشطير تذهب في ثقة بالغة في تعداد قميء وغبي ومريض وفي تصنيفات تكشف عن مدى العقد المرضية. سكْرة بالنصر العابر، وتلك شواهد التاريخ في حركة التجاوزات. سكْرة تذهب بالعقل والضمير والتوازن الأخلاقي إمعاناً في الإلغاء والتسفيه والدعوة الصريحة إلى الاجتثاث. ولا غرابة أن يحدث ذلك في غياب وغيبوية الضمير.أكرر: لا وطن تستقيم عافيته بهكذا نماذج مريضة.

ولا وطن يعلو ويسمو في حضوره وإنجازه بهكذا نماذج ناقمة على فعل الاحتجاج الحر والحق، ولا وطن يمكن له أن يكرّس حضوره وأهميته بهوامش من الروح واحتضار من الضمير. نعم، الحياة لا تعمر بفوضى الفرد؛ ولكنها لا تعمر أيضاً بالفوضى والاستسلام للمخازي. ومن لم يعِ الدرس هو في غفلة مؤبّدة باستبعاد التاريخ، وإقصاء الحاضر بالنظر إليه من طرف العين، وانتظار المستقبل كي يأتي مفصّلاً على مقاس مدارك البلادة والشهوات والابتغاء لديه.

تلك ذروة الاستهانة بالوعي الذي تتطلع إليه الحياة الحقة، واستهانة بوعي المجموع البشري بغض النظر عن موقعه على الخريطة في النيبال؛ أو في ولاية نزوى بسلطنة عمان. ثم إنه لا وطن يمكن له أن يندفع باتجاه حضوره وهو يعاني من احتقان في دمه، وتشطير لمكوناته، وتذويب لخياراته وإلغاء لتطلعاته. ذلك وطن برسم الوهم وبرسم السذاجة وبرسم الخراب. وفي النهاية برسم اللاجدوى. والأمر نفسه ينطبق على فرد ذلك الوطن؛ حين يريد لصوته أن يعلو فوق صوت الوطن، حين يتيح له حق المشاركة في القرار والخيار ويحظى بحقه في المواطنة؛ فيما يتخلّف عن واجبه تجاه تلك المواطنة، يكون هو نفسه بمثابة لغم لن يتيح لك مساحة من رفاهية ساعة ينفجر وساعة يتحول إلى برميل من بارود طعناً في الحق ونكراناً لما أتيح وتحقق.

ثم إن الأوطان عموماً لا يمكنها أن تعمر بالاحتقان والتشرذم والتحريض والرصد بحق ومن دون حق. تعمر بتثبيت الحقوق وتخرب بإلغائها وتسمو بتثبيتها وتتفتت وتنهار بنكرانها واختطاف خياراتها وتهميش روادها وتقريب سفهائها وجهّالها. لا فرد في الدنيا حتى وهو في منفاه يرتضي أن يرى وطنه متوعكاً بغصص حادثة أو مصطنعة.

تلك جبلَّة الإنسان كما هي جبلَّة الأوطان وهي معافاة من أصحاب المصالح الذين يسعون إلى كنز امتيازاتهم على حساب شقاء ملايين من حولهم وكأنهم أرقام في معادلة لا تعني أحداً.

الأوطان ليست نزهة عابرة. الأوطان عذاب جميل. عذاب بقدرتك على أن تجعل منه جنة كلما رأيته معافى ولو على حساب جحيمك. جحيمك الاختياري حباً وذوباناً فيه

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3264 - الأحد 14 أغسطس 2011م الموافق 14 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 5:36 م

      نعزيك في وفاة زوجك حسين الامير وكتاباتك محل تقدير واهتمام لكل محب لهذا الوطن الغالب

      الكل يمر بظروف صعبة ومفاجئة وافضل الناس من يصبر عند الشدائد وانت ممن يشهد لهم بالحب والولاء لهذا الوطن .

    • زائر 17 | 10:58 ص

      نجوم تكسر العتمة ببصيرتها-مواطن مغترب

      ليس هناك خلاف على ماذهبتي الى تشخيصه حول واقع الحال بيدانه ينبغي ان ندرك ليس هناك من هو مستفيد من حالة الاحتقان فالجميع في خسارة حتى اؤلائك المستفيدين فتلك مرحلة عابرة واكاد ان اجزم انهم ايضا خاسرون لا محالة عندما يغرق المركب في بحر التمزق.
      وبتصوري على الرغم من الحالة القاتمة ان هناك نجوم مضيئة في سماء بلادنا من كافة الاطياف كفيلة بحكمتها كسر العتمة وان ودعنا حسين الى مثواه الاخير فان ضوء افكاره تضيء عقول من انكسرت بصيرته- عزائنا لكم واسكنه فسيح جناته.

    • زائر 16 | 8:45 ص

      دعوة صادقة للمواطنة..

      دعوة صادقة للمواطنة..وليس التمصلح على حساب شق عص الطوائف-شكرا للكاتبة المحترمة على المقال الرائع الهادف.
      أبوجعفر

    • زائر 15 | 7:53 ص

      صوت الروح المخنوقة

      شكرا لك على هذه الكلمات الصادرة من أعماق روحك، وكم أستشعر عظم مصابك لأنك فقدت وطنين، وطنك الكبير البحرين، ووطنك الصغير زوجك الفقيد-تغمده الله بواسع رحمته-، ولكن ثقي بالله تعالى أيتها الأخت المؤمنة بأن الله عزّ وجلّ سيعوضك ما أخذ منك بما يرضيك (ولسوف يعطيك ربك فترضى)، وصدقيني يا أختي إن صوت الحزن الصادق الذي بدأ ينبعث من داخلك بكل قوة لم يكن ليكون لولا ما عشتيه من ألم وما عايشتيه من محن.

    • زائر 14 | 7:50 ص

      الله أرحم الراحمين

      نسأل الله العلي القدير أن يلهمك الصبر والسلوان ، له الرحمة والجنة .

    • زائر 13 | 7:37 ص

      أين أنت يا وطني

      عجبي لمن باع وطني بلا ثمن, وارتضي بالأغراب تلعب فيه بلا خجل عجبي لمن لا يقبل سواعد وعقول أبنائه لرفعة ونهضة الوطن عجبي لمن فصل أبنائه من دون ضمير من أجل تجوعهم بمجرد جرة قلم عجبي لمن أصبح عنده رصاصة الموت أرخص من رغيف الخبز عجبي لمن أصبحت عنده كلمة الحق أو إظهار الحقيقة خيانة للوطن عجبي لمن سمح للأشرار بأن تزرع سموم الحقد والكراهية في نفوس أبناء وطني

    • زائر 12 | 5:17 ص

      تعازينا

      تعازينا القلبية الى الاستاذة سوسن دهنيم في رحيل المغفور له الاستاذ حسين الامير رحمه الله واسكنه الفسيح من جناته .

    • زائر 11 | 4:56 ص

      ما لا يحتمل

      هذه الأزمة كشفت عن وجوه قبيحة للغاية .. هل هي في الأصل قبيحة .. أم هو قبح مكتسب؟ .. أم هو قبح ناتج عن عدوى المحيطين بهم .. لقد جاهدت مع صديقي المختلف عني سياسيا ألا نفترق .. لكن لم أستطع أن أواصل صداقتي معه وهو أقرب الناس إليّ .. لماذا؟ لأنه باختصار استرخص الدم البحريني .. وهو ما لا احتمله..
      أحسن الله عزاءك في فقيدك الغالي .. والهمك الصبر والسلوان

    • زائر 10 | 4:52 ص

      موضوع رائع

      شكرا على هذه الكلمات المعبرة ...
      ...
      عظم الله لك الأجر بزوجك و ألهمك الصبر و السلوان

    • زائر 9 | 4:44 ص

      تعزيه من القلب

      عظم الله لك الأجر بزوجك و ألهمك الصبر و السلوان ورحم الله الفقيد كان مثالا للاخلاص والمثابرة والحرص في مساعدة كل التاس اتذكر مواقفه المشرفة الله يرحمه برحمته واسا الله ان يربط على قبيك وقلوبنا وانا لله وانا اليه راجعون

    • زائر 8 | 4:01 ص

      كلام في الصميم وجدا سليم

      معك 100% لا يمكن لوطن أن يرتفع وهو يقصي طائفة من شعبه ولا يمكن لطائفة أن ترتفع وهي لا تحب وطنها
      أما محبتنا لوطننا فقد اثبتناها ولا زلنا سائرين عليها
      ولكن وطننا لا يعترف بنا إلا كمواطنين من درجة خامسة او عاشرة

    • زائر 7 | 1:56 ص

      تعزيه من القلب

      انا لا اعرفك لكني اقرأ لك دائما
      لقد تشرفت بالعمل مع زوجك رحمه الله قبل عده سنوات
      انا واثقه إنك نسخه طبق الأصل منه بالطيبه والاخلاق والسماحه والبشاشه
      رحمه الله واسكنه فسيح جناته
      إنا لله وإنا إليه راجعين
      A

    • زائر 6 | 1:25 ص

      تعزية

      أعزي الأديبة والشاعرة المحترمة سوسن دهنيم في رحيل المغفور له بإذن الله الأخ العزيز حسين الأمير داعيا المولى القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته انه سميع مجيب الدعاء

    • زائر 5 | 11:39 م

      عظم الله لك الأجر

      عظم الله لك الأجر بزوجك و ألهمك الصبر و السلوان و لك في مصائب آل البيت عزاء . رحم الله زوجك و أسكنه فسيح جناته

    • زائر 4 | 10:53 م

      شكرا

      موضوع رائع و في الصميم..و رحم الله زوجك المكافح..عظم الله اجرك

    • زائر 3 | 9:20 م

      بلادي بلادي لك حبي وحياتي

      شكرا على هذه الكلمات المعبرة عن هاجس وطني وايماني ، الى الامام نسير مع الوطن و الوطن يسير معنا فنحن متلازمان مع بعضنا في السراء والضراء .

    • زائر 2 | 8:17 م

      عظم الله لكم الاجر

      أقدم لكم التعازي الحارة، وأسأل الله القدير أن يلهمكم الصبر والسلوان.

اقرأ ايضاً