إن كانت الكلمة أداة للتواصل بين الأفراد كما هو شائع، فإنها تعني وجود ارتباط مباشر بين الكلمة ومعناها، لتكون النتيجة انسجاماً طبيعياً بين الدال والمدلول. المنهج السيميائي قائم على دراسة السلوك الإنساني كأنماط ذات أبعاد في سياقاتها الثقافية المنتجة للمعاني، لذا ليس مستبعداً أن تتوصل الدراسات المعنية بالسلوك الإنساني أو لغة الجسد إلى أن كثرة تكرار أي سلوك أو تصرف من شخص ما يؤدي مع مرور الزمن إلى انطباع علامات محددة على وجهه.
في الوقت ذاته فإن السيميائية مفردة ذات ارتباط بحقيقة قرآنية، كما ورد في قوله تعالى: «وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ، فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ..» سورة محمد / الآية (30)، وقوله: «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ..» سورة الفتح / الآية (29)، بمعنى العلامة أو الآية أو الإشارة وما إلى ذلك.
من حيث النشأة، ربما يروق للبعض ربط «الزي المدرسي الموحد» بالزعيم الألماني أدولف هتلر، لكن التاريخ يثبت بأنه ظهر في القرن الخامس عشر في بريطانيا، عندما فُرض أولاً على تلاميذ المدارس الخيرية لأسباب اعتبرت اقتصادية بحتة، ولكي يتم تمييز التلاميذ عن غيرهم، إلى أن فُرض على تلاميذ المدارس الخاصة هناك في القرن التاسع عشر، وتدريجياً انتقل إلى المدارس الحكومية في بريطانيا، ومن ثم إلى توابعها ومستعمراتها. وقد بادرت العديد من المدارس في أميركا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي لفرض الزي الموحد على جميع تلاميذها، وكانت النتائج إيجابية، من ناحية تقليص حجم الجرائم وأعمال العنف والتحرشات الجنسية والمشاجرات بين الطلبة في المدرسة، والتي كانت نتيجة لاستهداف الطلبة الذين يميَّزون بارتدائهم الملابس الفاخرة، من قِبل بعض زملائهم من الفئات الفقيرة أو المحرومة.
يتبيَّن لنا من خلال استطلاع آراء التربويين والطلبة وأولياء الأمور بأن هذا الزي علامة بارزة في تحقيق مبدأ الانضباط في المجتمع الطلابي، وإبراز الصورة الملائمة لهيئة الطلاب للجميع، وتسهيل عمل الإدارات المدرسية والمعلمين على حد سواء، عبر المحافظة على خصوصية الحرم المدرسي، وتمكين الطاقم الإداري من معرفة الزوار القادمين للمدرسة بسهولة، والتعرف على هوية الطالب وفي أي مرحلة تعليمية هو من خلال لباسه، وحصول الطلاب على تسهيلات مهمة ويومية كالمواصلات العامة، والمعونات الشهرية أو الموسمية كمعونة الشتاء، والتي لن تشعر الطلاب بوجود فروقات اجتماعية داخل المؤسسة التعليمية.
هذا اللباس يخفف من الأعباء المالية على الأسر الفقيرة، خصوصاً بعد تكفل وزارة التربية والتعليم مصاريف هذا الزي بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، علماً أن كلفة هذا الزي أقل من الملابس العادية.
الغاية منه نشر روح المساواة والتآخي بين الطلاب بعضهم البعض، وإلغاء الطبقية والتمايز المعيشي والتفاخر بين طبقات المجتمع والمنافسة السلبية بين الطلاب في شراء الألبسة، وبالتالي تخفيف الضغط المادي على الأسر البحرينية، لأن المدرسة مؤسسة تربوية، وليست مسرحاً أو بوتيكاً لعرض الأزياء!
الانتماء للمدرسة أمر مطلوب، فهذا الزي ينمِّي من شخصية الطالب، ويعوِّده على الالتزام والحضور إلى المدرسة، كما ينمي فيه قيم التربية الجمالية مثل: الاهتمام بالمظهر العام والهندام الجميل، فالداخل إلى المدرسة سيرى منظراً جميلاً متحد الألوان، يظهر فيه الطلبة من خلال الطابور الصباحي وعموم الفضاء المدرسي.
مؤسساتنا التعليمية بحاجة إلى تعزيز «السلوك من أجل التعلُّم»، وتطبيق هذا المشروع سيساعدنا في حل المشاكل الأخلاقية كالسخرية والاستهزاء التي يتعرض لها الطالب بسبب ملابسه، وقطع الطريق أمام ارتداء الطلاب لبعض الملابس التي لا تمت بصلة إلى ثقافة المجتمع البحريني، كما ولن يواجه الطلاب بمشكلة اختيار الملابس كل يوم، نتيجة بعض المقولات والأمثال التي لم تكرس لدينا سوى المزيد من التراجع والتخلف، كمقولة (كُلْ ما يعجبك، والبس ما يعجب الناس)!
هذا النظام سيحوِّل الطابور الصباحي الذي يتلقاه الطلاب مع بداية كل يوم دراسي إلى درس نموذجي في اكتساب الانضباط واحترام النظام.
وعلى الجانب الآخر يرى البعض في تطبيقه إحداث حالة من التمرد والفوضى واللانظم عند بعض طلاب المرحلة الثانوية من الذكور، لأنه يتسبب في رفضهم الذهاب إلى المدرسة، ظناً منهم بأن هذا القرار سيكبِّل من حريتهم الشخصية.
كما يرون بأن الزي المدرسي غير الموحد يلعب دوراً كبيراً في تنمية ذوق التلاميذ عند اختيار ملابسهم للتعبير عن أنفسهم، واختيار الشكل الذي يرغبون بالظهور به أمام زملائهم، لأن الزي الموحد يربِّي الأطفال على الرؤية الموحدة.
يؤكد بعض المعارضين لهذا القرار على أنه لا يمثِّل العصا السحرية لضبط إيقاع الفوضى لدى التلاميذ، إذ لا علاقة بين انضباط التلميذ وملابسه، فالانضباط هو نتاج مجموعة من التراكمات التي يحملها الطالب معه من البيت إلى المدرسة، لذا كان من المناسب الاكتفاء بتعميمه على المرحلة الابتدائية.
إلى جانب نظرتهم إلى الزي الموحد الذي قد يؤدي إلى احتكار ومناقصات وفساد إداري وغير ذلك، كما أن المدرسة ليست ثكنة عسكرية، ومن الظلم أن يغيب الطالب أو يحرم من دخول المدرسة بذريعة أن ثوبه المدرسي قد تعرض للتلف أو الغسيل في حالة اتساخه، في وقت لا يستطيع فيه توفير ثوب آخر بديل، رغم أن خزانة الملابس مليئة بالملابس العادية، وهو إيحاء للطالب بأن هذا الزي ممل وكئيب وغير مريح للنفس، وحاله حال ذاك الذي يكرر من تناول الوجبة نفسها في كل يوم.
منذ فترة أعلنت وزارة التربية والتعليم في خططها بأن العام الدراسي 2010- 2011م سيشهد البدء في العمل بالزي المدرسي الموحد لطلاب المرحلة الثانوية بشكل اختياري، على أن يكون العام الدراسي المقبل 2011/ 2012م بدايةً للتطبيق الرسمي وبصورة إلزامية في جميع مدارس البنين، بعد أن تم تشكيل لجنة بهذا الخصوص بقرار وزاري في سنة 2007 لوضع نظام متكامل يتضمن جميع الإجراءات والاشتراطات الخاصة بالزي المدرسي الموحد للمراحل التعليمية الثلاث في مدارس البنين، والوقوف على نتائج الاستطلاع الذي أجرته اللجنة بمشاركة أعضاء الهيئات الإدارية والتعليمية بالمدارس والطلبة وأولياء أمورهم، والاستفادة من تجارب بعض الدول المجاورة مثل الكويت والإمارات وعمان، إلى جانب بعض الدراسات الدولية.
ربما يقول قائل: وهل انتهت مشكلات التربية والتعليم حتى ننشغل الآن بقضية مثل «الزي المدرسي الموحد»؟!
أقول بأن هذا القرار كان من المفترض أن يعمَّم على جميع مدارس الذكور، تماماً كما حدث بالنسبة لإلزاميته على المدارس الخاصة، والفئة المستهدفة مهمة، لأنهم طلاب المرحلة الثانوية (بنين)، فهذه المرحلة معززة لقيم الانضباط الطلابي، لأنها امتداد للمراحل التعليمية السابقة، لمعرفة إسقاطات «حق المساواة» على واقع العلاقات الاجتماعية في المجتمع الطلابي، فهذا المشروع خيار اجتماعي وتربوي وحضاري، وقد جاء نتيجة دراسات وأبحاث ميدانية متعددة.
هذا التوجّه له دلالاته الرمزية على المدى البعيد، وهو يلتقي إلى حد كبير مع سيميائية الزي، بوصفه أداة لتحقيق هدف أسمى لطالما ناضلت الشعوب والأمم من أجله، أعني بذلك «حق المساواة»، والذي هو حق أصيل من حقوق الإنسان.
يقول العرفاء: «اختر من الثِّياب ما يخدِمُك، لا ما تَخدِمُه»
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3263 - السبت 13 أغسطس 2011م الموافق 13 رمضان 1432هـ
طالب ثانوي
احنا كطلبة ثانوية نرفض هذا الزي ، و لو بيسوون استفتاء بيشوفون ان نسبة الرافضين بتطوف ال90% ..
و مرحلة الثانوية تكون مرحلة بناء الشخصية ، احنا نحتاج لحرية اكثر في اللبس لنبني شخصيتها .. مو نكتمها ! .. بالظبط
ابو جاسم
لالا ليش هلون بذات اخضر ليش خمامين بلدية احنا انا واحد مابي اطبق هذا القرار وبروح بثياب عادية حتى لو انفصل من المدرسة
كل من جى وقال كلامة
انا اقول حتى لو سوو الزي رسمي بس مو اخضر !! على الاقل اسود ويش اخضررر ! وقولون اخذو راي أولياء الامور من وينه يا حضي اصلا الكل معترض على هل قرار ؟!
طالب ثانوي
السلام عليك استاذي ، انا طالب درستني انت ..
احنا كطلبة ثانوية نرفض هذا الزي ، و لو بيسوون استفتاء بيشوفون ان نسبة الرافضين بتطوف ال90% ..
و مرحلة الثانوية تكون مرحلة بناء الشخصية ، احنا نحتاج لحرية اكثر في اللبس لنبني شخصيتها .. مو نكتمها !
الزي مطلوب و لكن
اللون الذي تم اختياره لم يكن موفقا بالنسبة لطلبة المدارس الثانوي بنين ، كان من الأجدر مساوته بالزي الرسمي للبنات ( الكحلي و الأبيض ) بدل هذا اللون الأخضر الزيتي كأنه زي عمال .... مع الاحترام
تحياتي / بلادي و افتخر
طالب تحت التجربة
ألا يكفيك يا استاذ بأنه عندما طرح الزي للأختيار لم تتجاوز نسبة التجاوب حتى
مقال جميل
مقال جميل يا د فاضل وننتظر منك المزيد