إذا أراد مجلس الوزراء أن يعتمد المبادئ الديمقراطية فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير تجسيدا لما نصت عليه الدساتير وميثاق العمل الوطني والمواثيق الدولية التي تكفل الحريات، فعليه أن يتعامل مع حرية الرأي والتعبير كوحدة لا تتجزأ، وألا يفرق بين وسائل الاعلام نفسها، وبينها وبين وسائل النشر المقروءة والمرئية والمسموعة، فكلها وسائل تعبير عن الرأي، وكل إنسان مخير في استعمال الوسيلة التي يريد أن يعبر عن رأيه من خلالها، أو يجدها الوسيلة الافضل للتعبير عن رأيه... وبعبارة أخرى فلا يمكن لقانون أو مجلس أو وزير أو أي مسئول في الدولة ان يوجد رقابة معينة على الاذاعة والتلفزيون باعتبارهما جهازين تابعين للحكومة، وبالتالي جعلهما بوقا مدافعا عن سياسة الحكومة ومواقفها المختلفة، في الوقت الذي تمنع الاصوات المعارضة والناقدة لهذه السياسة والمواقف من المشاركة في برامجها وإبداء رأيها من خلال هذين الجهازين الاعلاميين الرئيسيين والوحيدين في الدولة.
علما بأن جهازي الاذاعة والتلفزيون في الدول الديمقراطية يتمتعان بكامل الحرية في متابعة وعرض التطورات المتلاحقة على الساحة المحلية، اتاحة الفرصة أمام كل الآراء للتعبير عن نفسها، على اعتبار انهما جهازان تابعان للدولة بكل سلطاتها وللشعب بكل فئاته وتياراته، وانه ليس من حق أية سلطة ان تحتكر ملكية وتوجيه هذه الاجهزة وفق مرئياتها ومصالحها، وبما يظهر أعمالها بالايجابية دائما.
ومن جانب آخر يقوم هذا القانون أو المجلس أو المسئول بإيجاد رقابة مختلفة على الصحافة المكتوبة - غير التابعة للدولة أو الحكومة - من خلال وجود قانون الصحافة والطباعة والنشر من ناحية، ووزارة الاعلام من ناحية أخرى، وهما الجهتان - القانون والوزارة - اللتان لا توجدان عادة في الدول الديمقراطية، ولا توجدان إلا في الدول التي تريد السلطة التنفيذية من خلالهما حماية نفسها من إطلاق حرية الرأي والنشر والتعبير.
ومن ثم يفرق هذا القانون أيضا في رقابته المسبقة واللاحقة بين أجهزة الاذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة من ناحية، وبين وسائل التعبير الاخرى عن الرأي مثل المطابع والمكتبات ودور السينما ومحلات تداول الاشرطة المسموعة والمرئية، والكتب والمطبوعات القادمة من الخارج، إذ يفرض عليها رقابة مسبقة تمنع تداول منتجاتها قبل أن تعرض على جهة الرقابة في وزارة الاعلام.
فحرية التعبير مبدأ ديمقراطي واحد لا يتجزأ. ولا يفترض من مجلس الوزراء - وهو يناقش تعديلات قانون الصحافة والنشر - أن يتعامل معها بمناظير مختلفة ومتناقضة
العدد 326 - الإثنين 28 يوليو 2003م الموافق 29 جمادى الأولى 1424هـ