تقول مصادر نيابية اردنية ان تحديد رئيس الوزراء المهندس علي ابوالراغب يوم السادس من أغسطس/آب المقبل موعدا لتقديم البيان الوزاري الى مجلس النواب، الذي سيطلب على اساسه الثقة بحكومته الجديدة، مسألة تأتي في مرحلة مهمة من تاريخ العمل السياسي الاردني. وأبلغ ابوالراغب رئاسة مجلس النواب بهذا الموعد الذي سيحدد في ضوئه جلسة للنواب التي غالبا ما ستكون في العاشر من اغسطس للبدء في مناقشة البيان الوزاري الذي سيتضمن انجازات الحكومة السابقة والسياسات المستقبلية للحكومة الجديدة. ونص الدستور على انه «يترتب على كل وزارة تؤلف ان تتقدم ببيانها الوزاري الى مجلس النواب خلال شهر واحد من تاريخ تأليفها اذا كان المجلس منعقدا وأن تطلب الثقة بذلك البيان، واذا كان المجلس غير منعقد او منحل فيعتبر خطاب العرش بيانا وزاريا».
وسيجري ابوالراغب، قبل القاء البيان الوزاري تحت قبة البرلمان، مشاورات مع الكتل والنواب المستقلين بشأن السياسات العامة للحكومة الجديدة والذي سيطلب على اساسها الثقة التي ستمنح وفق مصادر نيابية بغالبية اعضاء مجلس النواب الـ (110).
وقد منح 74 من اصل 80 عضوا في مجلس النواب الثالث عشر الذي انتخب العام 1997 الثقة لحكومة ابوالراغب الاولى التي تشكلت في يونيو/ حزيران العام 2000.
ويحق لرئيس الوزراء ان يطلب عقد جلسة للتصويت على الثقة بالحكومة متى شاء، كما يحق لعدد لا يقل عن عشرة اعضاء من مجلس النواب طلب عقد جلسة للثقة بالحكومة على رغم موقف نواب الحركة الاسلامية الرافض للحكومة. وأكد ابوالراغب خلال اولى جلسات مجلس الوزراء الجديد امس الاول ضرورة التعامل مع مجلس الامة بكل صدقية وشفافية لتعزيز الحوار البناء والايجابي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وبما يحقق أعلى درجات التعاون المشترك الذي يفضي الى تحقيق تنمية شاملة تنعكس بشكل ايجابي على حياة المواطن. وكان النواب قد بحثوا مع رئيس الوزراء، قبل التشكيلة الجديدة للحكومة، آليات التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وخصوصا في هذه المرحلة التي تتطلب عملا متكاملا بين السلطتين.
على صعيد آخر، يدخل النواب إلى جلستهم الثانية وقد اتفقوا على توزيع اللجان النيابية الأربع عشرة، بعد ثلاثة أيام متواصلة من المباحثات والاتصالات والمشاورات بين الكتل النيابية، قادها بنجاح المكتب الدائم للمجلس، كان آخرها اجتماع «الساعات العشر» الذي عقد أمس بين الكتل الست، التي تمثل نحو مئة نائب، في قاعة الصور بدار المجلس وبحضور مكثف وإشراف المكتب الدائم.
هذا الاتفاق، وفقا لنائب رئيس المجلس نايف هايل الفايز، جنّب المجلس استحقاق إجراء الانتخابات التي كانت شبه مؤكدة بسبب كثافة عدد النواب المسجلين لعضوية هذه الكتل، ووفر جهدا ووقتا كبيرين على المجلس كان يمكن أن يستهلك عدة جلسات للانتهاء منه. ولفت الفايز إلى أن المجلس بهذا الإنجاز «نجح في تحقيق التوافق النيابي ليكرس بذلك نهجا وعرفا برلمانيا في القدرة على الوصول إلى اتفاقات في الاستحقاقات النيابية ويصنع نموذجا يمكن الاتكاء إليه والبناء عليه في المستقبل». في الوقت الذي حذر نواب، بعضهم من المستقلين، من احتمال حدوث «مفاجآت» في جلسة اليوم، قد تؤدي على إلى افشال التوافق في بعض اللجان، ما يعني حتمية إجراء الانتخابات فيها.
ووفقا للفايز، جاء نتيجة «الاتصالات المكثفة التي أجراها أعضاء المكتب الدائم خلال اليومين السابقين له واللذين تم خلالهما التوصل إلى اتفاق مبدئي على الوصول إلى حل توافقي»، يتم بموجبه تقاسم مناصب رؤساء اللجان ومقرريها بين الكتل الست بحسب مبدأ «النسبة والتناسب» بين عدد أعضاء كل كتلة وعدد اللجان، إضافة إلى مراعاة الأهمية السياسية لبعض اللجان، وهي السبب الرئيسي الذي حدا بالكتل إلى التحشيد في البداية للظفر بتلك اللجان، ومن ثم طرح الحل التوافقي درءا للخلاف، وأن تقلص الكتل من عدد أعضائها في مختلف اللجان التي زاد العدد المسجل فيها على السقف المطلوب والإبقاء على عضوين أو ثلاثة في كل لجنة.
النواب الإسلاميون ركزوا منذ البداية على لجنتي الحريات العامة وفلسطين، اللتين تتميزان بأهمية سياسية «وجماهيرية في الوقت ذاته» لكنهم بعد المفاوضات الجدية وتشدد مواقف بعض الكتل وافقوا على التخلي عن رئاسة الحريات العامة مقابل أن يحصلوا على رئاسة لجنة فلسطين على أن يكون لهم عضوان في الحريات.
النتائج التي توصلت إليها الكتل البرلمانية الست المشاركة في الاجتماع تم تثبيتها في محضر رسمي حُفظ لدى الأمانة العامة للمجلس ووقعه ممثلو هذه الكتل رسميا، وهم:
- عبدالله الجازي عن كتلة جبهة العمل الوطني (24 نائبا) وحصلت على منصب الرئيس في ثلاث لجان وثلاثة مقرري لجان.
- موسى الوحش مقرر كتلة الحركة الإسلامية (17 نائبا) وحصلت على رئاسة ثلاث لجان ومقررين اثنين.
- جمال الضمور الناطق باسم كتلة الوطن (23 نائبا) وحصلت على ثلاثة رؤساء وثلاثة مقررين.
- فلاح القضاة عن الكتلة الوطنية النيابية (17 نائبا) وهي قيد التأسيس ولم تعلن نفسها رسميا بعد، وحصلت على رئيسين ومقررين.
- محمد أبوهديب عن كتلة التجمع الديمقراطي (13 نائبا) وحصلت على رئيسين ومقررين.
- مروان سلطان عن كتلة الإصلاحيين الجدد (8 نواب) وحصلت على رئيس ومقررين.
واعتبر هؤلاء الاتفاق وثيقة ملزمة لهم خلال عرضها في الجلسة التي سيعقدها المجلس اليوم.
ووفقا للاتفاق، تم توزيع المناصب على النحو الآتي:
- «جبهة العمل الوطني»: الرؤساء: هاشم الدباس للجنة المالية والاقتصادية، وعبد الله الجازي للجنة الطاقة، ومفلح الرحيمي للجنة الخدمات العامة والسياحة. المقررون: محمد الكوز للجنة فلسطين وفخري اسكندر للحريات العامة وأحمد النعانعة للعمل والتنمية الاجتماعية.
- «الحركة الاسلامية»: الرؤساء: علي العتوم للجنة فلسطين وعدنان حسونة للتربية وعبدالمجيد الخوالدة للريف والبادية. المقررون: ابراهيم عرعراوي للتوجيه الوطني وموسى الوحش للإدارية.
- «الوطن»: الرؤساء: موسى الخلايلة للعمل والتنمية الاجتماعية وسليمان عبيدات للتوجيه الوطني وفلك الجمعاني للصحة. المقررون: جمال الضمور للقانونية وسند النعيمات للريف والبادية وعبد يوسف الثوابية للزراعة والمياه.
- «الوطنية النيابية»: الرئيسان: فلاح القضاة للقانونية وسلامة الغويري للإدارية. المقرران: مازن ملكاوي للشئون العربية والدولية ووديع الزوايدة للخدمات والسياحة.
- «التجمع الديمقراطي»: الرئيسان : محمد أبوهديب للشئون العربية والدولية ومصطفى شنيكات للزراعة والمياه. المقرران: نبيل نهار للصحة وعبدالله فريحات للطاقة.
- «الإصلاحيون الجدد»: مروان سلطان رئيسا للحريات العامة ومحمد أرسلان مقررا للمالية والاقتصادية ورائد قاقيش للتربية.
إلى ذلك يرى المحلل السياسي الاردني حمادة فراعنة ان الرئيس علي ابوالراغب عزز موقع حكومته المتماسكة، وسلحها داخليا ووطنيا برفدها بعدد من الشخصيات الاردنية المجربة ويقف في طليعتها محمد الحلايقة وتوفيق كريشان وسمير حباشنة وذلك بهدف الحفاظ على ما تحقق في حكومتي ابوالراغب السابقتين منذ النصف الاول للعام 2001 واستمرارا لنهج «الاصلاح والتطوير والتحديث» وصولا الى «استكمال بناء دولة المؤسسات والقانون ومجتمع العدالة والمساواة وتحقيق التنمية وحياة كريمة لكل اردني» كما جاء في كتاب التكليف. وأضاف في تحليل سياسي حصلت «الوسط» على نسخة منه:
الوزير محمد الحلايقة الأقدر على قيادة الفريق الاقتصادي مع ميشيل مارتو وباسم عوض الله وباقي وزراء الخدمات، في مرحلة مقبلة يتطلع إليها الاردنيون لجني ثمار برنامج التصحيح الاقتصادي وتخفيف أعباء المديونية ووقف ارتفاع الضرائب الذي يأكل مداخيلهم، وأخيرا تحسين مستوى معيشتهم.
وكريشان النائب والوزير يمتلك من العلاقات والخبرة والسند لصوغ علاقة متوازنة مع النواب، تساعد الحكومة على عدم الوقوع في مطبات التصادم مع المؤسسة التشريعية كما حصل لحكومتي طاهر المصري وعبدالرؤوف الروابدة، اللتين لم تصمدا في وجه المعارضة البرلمانية، وكلتاهما رحلتا قبل تأدية ما كان متوقعاص من الحكومتين في فترات مختلفة، وذلك على إثر توقيع غالبية النواب مذكرات اعتبرت في حينه بمثابة حجب ثقة عن الحكومة، كما ان الفترة الذهبية الماضية التي عاشها الرئيس ابوالراغب في قيادة الحكومة من دون متابعة مجلس النواب لم تعد قائمة وهو يحتاج إلى أدوات تساعده على ابقاء الصلة والتعاون مع النواب مفتوحة، حتى تبقى حكومته تحظى بثقة دائمة.
والحباشنة النائب والوزير ايضا كان حزبيا ولديه خبرات وأدوات سياسية ووسائل حوار تمكنه من معالجة الملف الداخلي والتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني، وفي طليعتها النقابات والاحزاب وخصوصا حزب الاخوان المسلمين المهيمن على غالبية مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات ومجالس طلبة الجامعات ولجان الزكاة وجمعيات حفظ القرآن الكريم، وغيرها من المؤسسات المنضوية تحت نفوذ وعباءة الجماعة وحزبها الجماهيري القوي، وكتاب التكليف يدفع سوية مؤسسات المجتمع الى مواقع متقدمة في الاهتمام إذ يطالب رئيس الحكومة «بأقصى درجات التعاون والعمل بروح الفريق الواحد بين السلطات الثلاث ومؤسسات المجتمع المدني بكل اشكالها».
حكومة ابوالراغب الثالثة (2 يوليو/تموز 2003) حظيت بثقة جلالة الملك، وتحتاج، لاستكمال شرعيتها الدستورية، إلى حصولها على ثقة مجلس النواب، ولهذا فهي تحتاج إلى روافع قيادية مؤهلة مجربة للحصول على الثقة البرلمانية، طالما انها حكومة غير برلمانية. وقد عزز رئيس الوزراء حكومته بعضوية شخصيات تملك مقومات حسن التعامل مع الاردنيين عبر مجلسهم النيابي المنتخب، مثلما تحتاج إلى ادراك الاستحقاقات المطلوبة منها شعبيا خلال المرحلة المقبلة، بعد ان تحمل الاردنيون ما هو مطلوب منهم للموازنة وللخزينة ودفعوا من جيوبهم وعرق جبينهم ثمن برنامج التصحيح الاقتصادي، وتحملوا اعباء ارتفاع الضرائب المتعددة الأسماء والاشكال والتلاوين والتي تنهب دخولهم على أمل الوصول الى حال من الاستقرار المعيشي والاقتصادي كما يستحقون من بلدهم وحكومتهم. والحكومة تحتاج إلى اعادة تصويب العلاقة مع مؤسسات المجتمع المدني عبر وزارة الداخلية التي تتسلم ملفها شخصية سياسية حزبية (سابقا) لها باع في العمل الحزبي والنقابي والحوار مع الآخرين، فقد سبق لها وأن كانت عضوا في اللجنة الملكية لصوغ الميثاق الوطني الاردني التي رسخت للمصالحة الوطنية بين مختلف اطراف الطيف السياسي الاردني وأرست أسس قيام وترخيص الاحزاب السياسية في بلادنا في مطلع التسعينات، كما كانت عضوا في لجنة الأردن أولا (الملكية) التي وضعت الاولويات للأردنيين
العدد 326 - الإثنين 28 يوليو 2003م الموافق 29 جمادى الأولى 1424هـ