العدد 326 - الإثنين 28 يوليو 2003م الموافق 29 جمادى الأولى 1424هـ

هنيئا للشرق المرجع الأعلى رامسفيلد!

«يا أمة ضحكت من طغاتها الأمم»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

واخيرا استشهد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بمثله الأعلى «الاسكندر العظيم» في تبرير عرضه لصور جثتي ابني صدام حسين، باعتبار انها من التقاليد المتعارف عليها في الحروب... فهنيئا للشرق المرجعية السياسية والاخلاقية الجديدة التي ستظل تقفز كالأرانب الوحشية في الصحراء العربية أمدا طويلا.

صناعة الشرق الوحيدة

ولكن هل يعلم رامسفيلد ان الاسكندر عندما احتل الشرق، شهد كهنة بابل وسيوة بأرض مصر بانه من نسل الآلهة، وبدأوا يحدّثون الناس عن الأمواج التي تسبّح بحمده وهو يسير بمحاذاة الساحل. ولكنه عندما عاد إلى قومه طلب منهم أن يعبدوه فسخروا منه، بل ان أحدهم استلقى على قفاه من الضحك! هنا في «متحف» الشرق جمع الاسكندر ألقابا كثيرة زيّن بها صدره كالنياشين، وطبعها على العملات، ولكنه لم يجرؤ حتى على استخدام لقب «الملك» على العملة التي سكّها في مقدونيا... فهل الشرق أهون من الجيفة المنتنة وكتب عليه أن يبقى بهذا الرخص على مر القرون؟!

ولكن لماذا نلوم غيرنا والعيب فينا؟ ألم نصنع نحن الأباطرة والسلاطين؟ أليست صناعة الطغيان تجارة شرقية لا ينافسنا عليها أحد من العالمين؟ ألم يقل أحد المؤرخين في أحد عباقرتنا: «لو جاءت كل أمة بطغاتها وجئنا بالحجاج بن يوسف الثقفي لرجحناهم»؟ ألم يسأل الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك: «أيمكن أن يُحاسَب الخلفاء؟»، فإذا كان لا يتصور ان الله يمكن أن يحاسبه، فكيف يتخيل أن يجرؤ أحد من البشر على ذلك؟

ومتى اعتبرنا من دروس التاريخ؟ أليس ذلك هو سبب وقوعنا في الحفر ذاتها لمئات السنين؟ الشعوب العاقلة أدركت الدرس الأكبر فوضعت ما تحتاط به لنفسها من سورة الطغاة وتجاوز الظالمين حدودهم.

مغارة الثعابين

مشكلتنا في الشرق اننا حتى عندما نفكر في الديمقراطية، ترانا نقدم رجلا ونؤخر أخرى، وكأننا سندخل مغارة مليئة بالحيات والثعابين والغيلان!

في الأردن تعرفون كيف لعبت السياسة بوضع «الفلتر» لكيلا يصل بعض من يمثلون الشارع، وفي الكويت ذهب احد النواب بـ «شورت» قصير ليسجل اسمه في الدائرة وكأنه ذاهب إلى ساحل البحر! وانتهت اللعبة باستهتار بعض اللاهثين للوصول إلى الكرسي مبشّرا الناخبين بالسماح ببيع «الويسكي» في شوارع الكويت! وعندنا في البحرين كان أحدهم يدفع عشرة دنانير لشراء الصوت الانتخابي، وبعض من ترشّحوا كانوا مدينين لآخرين، لم يفكّروا في تسديد ديونهم إلا بعد التهديد بفضحهم. بل ان السياسة تدخلت حتى في انتخابات طلبة الجامعة لتفرض حصتها وتعيد تعديل كفة الميزان الذي انتكس عندما اختار الطلبة من يرشّحهم في مجلس الطلبة!.

حتى في البلدان العربية التي تسمى جمهوريات، يتم ترشيح ابناء الرؤساء للحكم... ويتم تغيير الدساتير استجابة لرغبة الآباء في توريث الحكم لأبنائهم. وطبعا تجد وسط كل تلك الجعجعة أقلاما لا تخاف الله ولا تعرف معنى الضمير، تروّج وتزيّن وتجمّل هذه الخطوات التي تُمتهن فيها الشعوب الشرقية وتساق كالبهائم. وآخر خبر طريف حملته وكالات الانباء من باكستان، إذ اجتمع أمس الأول الجنرال مشرف بزعماء «المعارضة» واتفق معهم على ان يوافقوا على بقائه في الحكم -الذي قفز إليه على ظهر دبابة- حتى اكتوبر/تشرين أول من العام المقبل، ثم يتفضل سيادته بالسماح بإجراء انتخابات «حرة - طبعا - ونزيهة»، بشرط أن تصوّت المعارضة فيها لصالحه ليبقى في منصبه بشكل «دستوري»! علما بانه سيكون المرشح الوحيد الذي لن يجرؤ على منافسته عليه أحد!

بعد هذا... أنريد للعالم الخارجي أن يحترمنا؟ هل نستكثر من رامسفيلد وأضرابه من الشياطين الجدد أن يتبوأ منصب المرجعية السياسية والأخلاقية في الشرق الجديد؟ ألم يكن قباني صادقا حين رسم صورة كاريكاتورية لهذا الشرق التعيس حين قال:

حين يصير الناس في مدينةٍ... ضفادعا مفقوءة العينين

ويصبح الإنسان في موطنِهِ... أذلّ من صرصار..

وهل نطلب من الغرب الثمِل المستكلِب أن يعامل هذه المنطقة كجزء من العالم المتحضر مادامت النظرة إلى الشعوب لم تتعد نظرة الحكام الصينيين القدماء الذين لم يكونوا ينظرون إلى الشعب على أنه أكثر من قطعان من الثيران لا تصلح إلا لجرّ عربة الامبراطور؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 326 - الإثنين 28 يوليو 2003م الموافق 29 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً