يمكن أن نطرح التحديات التي يواجهها الحزب الشيوعي الصيني في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، في عدة محاور: تحدي التجديد الفكري، الأقليات القومية، تحدي الشباب، النمو الاقتصادي، والدور الدولي للصين في القرن الجديد.
التحدي الأول: هو تحدي التجديد الفكري، لقد أشرت إلى إدخال الحزب عدة أفكار جديدة في عهد قيادة دنج سياو بنج ثم في عهد جيانج تزمين، وأخيراً في عهد خوجنتاو. ولكن هذه الأفكار كانت ذات صيغة عملية تجاوبت مع متطلبات مرحلة النمو الاقتصادي. ولكن التجديد الذي يمثل تحدياً هو ضرورة إعادة النظر في فلسفة الحزب الشيوعي وأسسها. وفي تقديري أن هذا حدث إلى حد كبير، ولكن بأسلوب عملي وليس بأسلوب فلسفي، فعل سبيل المثال، إن طرح مفهوم «الاشتراكية بخصائص صينية» ويمكن القول عملياً بأنه مثل طرح مفهوم «الرأسمالية بخصائص صينية»، أو ما أطلق عليه دعاة الرأسمالية الجديدة في منتصف القرن العشرين بأنه «الرأسمالية الذكية». ويبقى السؤال هل المنهج العملي هو الذي يقود التطور أم المنهج الفلسفي الأيديولوجي الذي عبر عنه كارل ماركس وانجلز بل وحتى ذلك الذي عبر عنه هيغل في مفهوم الديالكتيك في الفلسفة الألمانية، والتي أدت إلى نشأة الوطنية الألمانية. والسؤال هل نحن أمام صورة جديدة من الوطنية الصينية؟ وما هي خصائصها؟ وما هو دور الحزب الشيوعي في هذا المجال؟
التحدي الثاني: هو تحدي الأقليات القومية وخاصة في التبت وسينكيانج ومنغوليا الداخلية، باعتبارها أكبر الأقليات في الصين ومناطقها حدودية في البر الصيني Mainland وتتفاعل مع دول مجاورة لها، وما مدى تجاوب الحزب مع مطالب هذه الأقليات المشروعة بما يحقق لها طموحاتها دون أن يؤثر في الوحدة الإقليمية للصين؟ بعبارة أخرى هل يمكن للحزب الشيوعي الصيني أن يطرح في القرن الحادي والعشرين نظرية جديدة للتعامل مع الأقليات القومية على غرار نظرية دنج سياو بنج في التعامل مع هونغ كونغ ومكاو؟ هل يمكن أن يعطي تلك الأقليات القومية مزيداً من الحكم الذاتي الحقيقي في إطار الدولة الواحدة؟
التحدي الثالث: هو تحدي الشباب الذين يمثلون الأغلبية في المجتمع الصيني المعاصر، وهم أغلبية حققت تقدماً علمياً، وبعضاً من الرفاهية الاقتصادية والمعيشية ولم يعيشوا مرحلة النضال وقسوة الحياة، ولم يعاصروا حملات الحزب عبر العقود الست السابقة. السؤال ما هو دور هذا الشباب في فلسفة الحزب في المرحلة القادمة؟ إنني أدرك بأن أحد ركائز التقدم الاقتصادي الذي أطلقه دنج سياو بنج، كان تغيير القيادات، وإعطاء الشباب دوراً أكبر في الإدارة، ولكن السؤال الآن في ظل ثورات الشباب في العالم وخاصة في الشرق الأوسط، وكان لذلك إرهاصاته في الصين العام 1989، هل يعيد الحزب النظرة نحو الشباب وتطلعاته السياسية نحو مزيد من الليبرالية السياسية؟ لقد استفسر مني كثير من الباحثين الصينيين في بعض المؤتمرات التي حضرتها مؤخراً عن ثورات العالم العربي أو انتفاضاته بما يوحي إلى وجود قلق صيني من احتمالات امتداد ذلك لمناطق أخرى من العالم ربما تشمل الصين.
التحدي الرابع: تحدي النمو الاقتصادي هذا التحدي يمكن أن نطلق عليه التحدي المراوغ Evasive بمعنى أن النمو الاقتصادي حقق تقدماً كبيراً، وزيادة في الإنتاج، ولكنه خلق مشاكل جديدة بظهور طبقة من الأغنياء بل المليونيرات في الصين مما أوجد فوارق ضخمة بين الطبقات، وهو ما يتعارض تماماً مع الفلسفة الشيوعية، بل إن هذه الفوارق برزت أيضاً بين أقاليم الصين بعضها بعضاً. وهناك ظواهر اجتماعية جديدة ليست بالضخامة، ولكنها تشوه صورة الصين والحزب الشيوعي، ومن تلك الظواهر انتشار الفساد، والمخدرات، والدعارة والتسول في الطرقات، وبالقرب من محطات المترو والقطارات والسيارات والفنادق. لقد قضت الصين الشيوعية على تلك الظواهر الاجتماعية السيئة، ولكنها عادت مجدداً رغم محدوديتها فهي تشوه صورة الإنجاز والمعجزة الصينية العظيمة
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3258 - الإثنين 08 أغسطس 2011م الموافق 08 رمضان 1432هـ