لن نزيد على أنغام «الطنبورة» نغما جديدا اذا اعترفنا انه ومنذ ان دخل او أُدخل النظام الرسمي العربي طائعا ومطوّعا في شراك النصب السياسي الاميركي غير المخفي في العام 1980 بعد الحرب العبثية التي حارب فيها العرب بقيادة صدام حسين الثورة الايرانية بالوكالة عن اميركا و«اسرائيل»، والمنطقة مصابة بنزيف واستنزاف اقتصادي وسياسي وأمني وثقافي... ولن نذيع سرا إذا قلنا انه ومنذ ان ارتدت خناجر حماقات صدام حسين إلى صدر العرب في العام 1990 بعد غزو الكويت، والمنطقة كانت - ولاتزال - تعيش على صفيح ساخن.
فبعد مرور أكثر من عشر سنوات على زيارة الرئيس السابق بوش الاب لبعض دول المنطقة عقب تحرير الكويت، والمنطقة ترزح تحت افرازات ذات ابعاد جيوسياسية، وابعاد اخرى ذات علاقة بالتنافس الاميركي الاوروبي.
هذه المنطقة التي - وكما تشير المعطيات - تهيأت اليوم أكثر من أي وقت مضى للدخول في مرحلة جديدة من الاستعمار المقنع تحت الهيمنة الاميركية/ الاسرائيلية لتدفع ضريبة التداعيات الكبرى لحوادث 11 سبتمبر/ ايلول واحتلال افغانستان والعراق في إطار ما يسمى بمحاربة الارهاب، لفرض القطبية الاحادية على شعوب المنطقة العربية والاسلامية التي لاتزال تعيش مخاضا قاسيا من أجل الانعتاق من جميع اشكال الهيمنة والتبعية لاستحضار هويتها الثقافية والحضارية التي تكاد مرة اخرى ان تطمس بفعل وطأة ظلمة ليل الاستعمار الجديد المسكوت عنه...
ولأن الفخاخ لا تنصب إلا في الاراضي المشقوقة، وأرضنا مشقوقة فعلا وقولا، فقد تعرض النظام العرب الرسمي لأبشع نصب سياسي عرفه التاريخ، وبذلك استطاعت دوائر التخطيط الاستراتيجي الاميركية تدشين استراتيجية التموضع في المنطقة، تارة بافتعال الازمات والحروب الاقليمية عبر اللعب بالمخاوف على خلافات وهواجس دول المنطقة، مثلما حدث مع فزاعة صدام حسين التي نصبتها لتبرير وجودها العسكري البحري في البحار والخلجان، واخرى بشأن التهديد الايراني المزعوم لأمن المنطقة وهو ما يحدث الآن بعدما اثيرت قصة القنابل النووية الايرانية، وعليه فقد أصبحت الولايات المتحدة جزءا من المنظومة الاقليمية بعد ان نجحت في نصبها السياسي في «أمركة» مشكلات وخلافات دول المنطقة، وبالتالي تعزيز وجودها العسكري في البر والبحر والجو، وها نحن بتنا نسمع الولايات المتحدة ترعد وتزبد وتتوعد باستخدام العصا الغليظة في حديثها عن المشكلات والخلافات الاقليمية بين الدول العربية والاسلامية، بينما دول المنطقة المعنية بهذه القضايا صامتة. ولعل ما اطلقته من تهديد ووعيد لدول المنطقة حول الشأن العراقي والافغاني والفلسطيني والقضايا المعلقة بين ايران وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، يعد من الشواهد، وها هي الولايات المتحدة تحاول جاهدة استغلال الظروف المستجدة أيما استغلال لإقحام العالم في اجواء نفسية وسياسية متوترة تمهيدا لافتعال حرب جديدة في المنطقة مع ايران لا نشك - إذا وقعت لا سمح الله - في أن نتائجها الكارثية ستكون أكبر بكثير من نتائج زلزال العراق!
ولعل ما يثير علامات السؤال والتعجب أن النظام العربي الذي ملأ فضاءات المنطقة بالزعيق السياسي طوال أكثر من 50 عاما عن الأمن والدفاع العربي المشترك والسيادة واستقلالية القرار وغيرها من العناوين التي سقطت صريعة مع سقوط بغداد، لايزال دوره دور المتفرج على ما يدور من نصب وتطاول على الثوابت العقائدية والسياسية وكل تشكيلات المفاصل الوطنية والاقليمية، وهو ما يثير المخاوف لدى القوى الحية وشعوب المنطقة من ان تقدم الولايات المتحدة على تنفيذ الاستراتيجية الاميركية المخيفة التي اعدها وناقشها المخططون الاستراتيجيون في مبنى وزارة الخارجية الاميركية العام 1993 والتي تهدف إلى اعادة هيكلة المنطقة عبر تمزيق اوصالها لتفتيت المفتت وتجزيء المجزأ من الجغرافية السياسية لدول المنطقة. فالاستراتيجية الاميركية - وهذا ما يجب ان ينتبه إليه كل المعنيين بحاضر ومستقبل الأمة على الصعيدين الرسمي والشعبي - تؤسس مفاهيم تقسيم العراق واقتطاع أجزاء من ايران من خلال العزل الجغرافي لمناطق خوزستان واذربيجان لجعل حدود ايران مغلقة وبعيدة عن تخوم حوض الخليج وضفاف بحر الخرز ومن ثم اقامة دويلات قبلية وحضرية وفق تقسيم اقاليم المملكة العربية السعودية بعد اقتطاع المنطقة الشرقية وضمها إلى حدود الدولة المقترحة في الفكر الاستراتيجي الاميركي والمكونة من قطر والبحرين والكويت في دولة واحدة على ان يتم ضم الامارات العربية المتحدة إلى سلطنة عمان وتقسيم اليمن والسودان وبقية الدول العربية أو إضعاف دور تلك الدول لتمكين «اسرائيل» من القبض على مقدرات وحاضر ومستقبل المنطقة اقليميا لتلعب دور السيد الاعظم في هذه المنطقة.
وما نريد ان نبحثه هنا في ظل صمت القبور الذي يمارسه النظام العربي الرسمي ومؤسساته عما يدور، هل يعي أهل المنطقة ما يحاك لهم في الكواليس وبين مجازات الخطاب الأميركي السياسي والاستراتيجي؟ ومتى ستتحرك دول المنطقة لتقول لأميركا: «ان أمن المنطقة والحفاظ على مصالحها من مسئولية ابنائها» وانها - أي المنطقة - لا تحتاج الى دروس أو وصاية... وان شعوب المنطقة التي راعها الاستعمار بكل اشكاله وألوانه ليس لديها الاستعداد لقبول ما تطرحه أميركا من خيارات واهية وتحت أي مسمى من المسميات حتى ولو كان باسم التحرير المشبوه... وانه لا يستدعي مثل هذا السيناريو وما يجري في المنطقة من اتخاذ الخطوات النوعية لانقاذ ما يمكن انقاذه من براثن الهجمة الأميركية القديمة/ الجديدة... لماذا هذا الولاء الغبي لعقدة الأجنبي؟ وهل سيتحرك النظـام العربي الرسمي أم اننا سنشهد الدواعي والاسباب التي فرضت الصمت هي نفسها التي ستفرض على النظام الرسمي العربي القبول بإحياء مشروع «نهري سيحان وجيحان» الذي أجريت عليه دراسات الجدوى العام 1985 لنقل مياه الانهار التركية إلى «إسرائيل» عبر الاراضي العراقية والاردنية واعادة العمل بخط بغداد - حيفا النفظي؟... هل نستقيظ يوميا لنجد «إسرائيل» تطالب العرب بدفع ضريبة التلوث النفطي جراء نقل النفط والغاز العربي/ الاسلامي وكذلك جباية رسوم وضرائب على تلوث الفضاءات والسماوات الاقليمية نتيجة استخدام الطائرات المدنية العربية لخطوط الملاحة الاقليمية وبذلك يكتمل صوغ آخر حلقة في عقد تحويل المجتمعات العربية من وصاية الاستعمار الأوروبي الى الاحتلال الأميركي الصهيوني؟
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 325 - الأحد 27 يوليو 2003م الموافق 28 جمادى الأولى 1424هـ