أن تقرأ، يعني أن تدرك. القراءة ليست ارتباطاً يبدأ وينتهي بالعلائق التي تكون المفردة... الجملة... التي تؤدي إلى معنى. النباح نفسه بأصوات متكرّرة وفي ظروف استثنائية يؤدي الغرض ذاته في محيط المجموعة المعنية به.
بعض القراءات يتحول إلى نباح ... شفرات تؤدي إلى التنبيه لخطر. تفقد معناها ومفعولها بانتهائها. قراءة كتلك لا تعد بتأسيس إدراك. وبانتفاء الإدراك ينتفي التفاعل والتصالح والتصادم والانعزال مع العالم من حولنا.
تلك بدهية لا تحتاج إلى شحذ مناهج ونظريات. النظريات في البدهيات لا قيمة لها. ترتع النظريات في الغفلة. في الغياب عما يجب أن يكون حاضراً. الانتكاسة توجه سبّابتها إلى هذا الواقع المزري. فالبدهية هي الأخرى باتت علامة من علامات الغفلة والغياب.
أن تقرأ يعني أن تحاول تخليص محيطك وعالمك مما يؤخر إنجاز نوعك. مما يضعك في خانة الأشياء. مما ينأى بك عن أن تكون عالة على مدارك ووعي انجاز الآخر.
الأمة الوحيدة في تاريخ الرسالات وتاريخ الجنس البشري التي بدأت الدعوة إليها بالقراءة؛ وانتهت إلى الكفر بتلك القيمة وازدرائها، عن وعي أو من دون وعي.
القراءة ليست محصورة في النص؛ بل في التركيب الذي تتشكل منه اللغة كأداة اتصال تتجاوز ذلك بكثير. تمتد لتشمل قراءة الحال والنفس والوقت والمكان، وكل التحولات والمتغيرات المرتبطة بكل ذلك.
القراءة أن تخطط لغدك، وان تتجاوز ارتدادات حاضرك، وألا تعوّل وتفتن وتتوحّد وتجد في ماضيك خلاصك النهائي ومرجعاً نهائياً لا قبل ولا بعد له!
القراءة ألا تحدّ وعيك بالخاص من الحضور؛ على رغم أهميته، وأن يمتد ذلك الوعي إلى الاندغام في الحضور العام في حركة الحياة بمجملها من حيث أهليته لمعنى الحضور والحركة. أن تتجاوز شبحك إلى واقعك، وهمك إلى مواجهتك لأعباء الحياة وتحدياتها. أن تقرأ يعني أن تنسلخ من الطمأنينة الزائفة والاستواء الوهمي، وتجاوز العروج والإسراء من منامك إلى عروج وإسراء في حركة الحياة نفسها؛ بمدها بمزيد من الطاقة والدفع والتواصل والاتفاق، وأيضاً الاحتجاج على انحرافها.
أن تقرأ يعني ألاّ تكون أسير أطر ومفاهيم معلبة وجاهزة تقدّم إليك كما تقدّم أي وجبة جاهزة تقي انهيار بدنك وحصانته، ولكنها لا تقيك انهيار وعيك ومداركك ورؤيتك وخيارك في التعاطي مع ليل العالم ونهاره.
أن تقرأ يعني أن تكون لديك القدرة على أن تحدث تأثيراً فيما قرأت يطال البشر الذين أنت جزء من نوعهم؛ ولا يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل يمتد ليشمل التأثير في الزمان والمكان وما يحيط بهما؛ قدرة منك على الإقناع - عبر تلك القراءة - للدخول في المنجز الذي أنت بصدده. وفي الطريق إلى تمثله وتحققه.
أن تقرأ يعني أن تصغي إلى صمتك أكثر من الإصغاء إلى صوتك؛ وخصوصاً الصوت المندفع من فراغ. من صفر إنجاز. إنه بمثابة غيوم تحجب شمس الطريق إلى ذهابك. ذهابك في الحياة فاعلاً.
أن تصغي إلى صمتك بمعنى إصغائك إلى الصوت الذي يأتيك واثقاً من خياره. مارس وقته قبل أن يجهر في هيئة صوت يلمح للضرورة ويحرّض على الفعل المنتج ويدفعك دفعاً إلى الدخول في حركية الحياة بكل مرها وحلوها، نجاحاتها وخيباتها، تصالحاتها وصداماتها.
أن تقرأ يعني أن تمتلك عيناًَ إضافية ورؤية فائضة وبصيرة تخترق الحجب. حجبك في المكان والزمان والسياسات والخيارات وأن تمتلك روحاً إضافية لا تموت بعد رحيلك. تظل قادرة على مشاغبة البليد من كل ذلك والعمل على هز وعيه.
أن تقرأ يعني أن تحيل أوهامك إلى محرقة تطمئن بعدها على ألا تعود لتربك - في عبث - ما ظننت أنه ثابت سعياً إلى تحول لا يعرف جهة ولا ينحني لوقت.
أن تقرأ يعني أن تعيد غربلة رؤيتك إلى العالم كما يجب؛ بحثاً عن المقلق لا المطمئن. الرجرجة لا الخمول. الذهاب لا المكوث. الاحتجاج لا البصم على سواد العالم وبياضه
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3239 - الأربعاء 20 يوليو 2011م الموافق 18 شعبان 1432هـ
العدل
أن تقرأ يعنى أنك ملكت الكون وما حولة من الموجودات وعرفت اللة على احسن المعرفة وهو ما اشار الية عز وجل فى صورة اقرا بسم ربك الاعلى.
شكرا على المقال
مكانك المناسب
استاذة سوسن
اهنؤك على هذا المقال الذي ان دل على شيء فهو يدل على عمق فكرك وجمال طرحك وثقافتك
دمت مبدعة تثرين واقعنا بجمال احرفك ايتها الكاتبة التي انتقلت الى المكان الصحيح لها
هذه هي الصحيفة التي تمثلك لانك امتداد لنا
بارك الله فيك وفي العاملين على ضحيفتنا الوسط
القراءة أصبحت حاجة ضرورية
أهتم ديننا الحنيف بالقراءة حيثُ أول آية نزلت على رسولنا الكريم هي (أقرآ). القراءة أصبحت حاجة ضرورية في هذا العصر من أجل التعلم والتعليم واكتساب المعرفة والخبرة من حياة الآخرين وهي مفتاح النجاح في حياتنا الشخصية والعملية. والشعوب التي لا تقرئي تكون دائماً متخلفة في جميع مرافق ومتطلبات الحياة.