لا أتعاطى مع الإرهاب باعتباره معارضة للحياة في حركتها المنحرفة والشاذة. إنه يرى في الحياة موتاً. ماذا يتبقى حين يرى الإرهاب في الحياة موتاً. كل رؤية كتلك إرهاب. هل لأن الإرهاب يأتي مزنراً بتخلفه وقراءته وفهمه الخاص الخارج على أوليات الفهم البشري ويريد أن يمنح الحياة معنى وتعريفاً يخرجها من الاثنين معاً؟ معظم الإرهابيين المؤدلجين اليوم لا يتحدثون عن الحياة هنا. يتحدثون عن الحياة هناك. لكأنهم يعربون عن احتجاجهم على وجود الحياة أساساً هنا. لكأنهم - بل هم كذلك - حددوا موقفهم من الحياة رفضاً لها وفي الوقت نفسه حجزوا مقاعدهم وأماكنهم في الحياة الأخرى! بتفويض من مزاجهم وسعارهم وعقدهم ونقمتهم على الحياة. كأنهم بذلك يملكون نسخاً من مفاتيح الأبواب المؤدية إلى الحياة الأخرى. لن تقف على صفاقة متورطة في وهم الممارسة كصفاقتهم.
الإرهاب لا ينطلق من معرفة وعلم. إنه ينطلق من انتقام ووهم ومآلات الانتقام ونتائجه. ثم إن مآلات الوهم ونتائجه لن تحقق أيَّ تعاطٍ مع الحياة كمفهوم ومع الحياة كقيمة وممارسة. المفهوم والقيمة لا حضور لهما في ذهنية معبأة ومحتواة بتحريف جهات ومقاصد النصوص التي بين أيديها. ذهنية وجدت لتفنى على مستويين، فناء استسلامها لتحريف الفهم والمقاصد في النصوص وفناء وهمها بالتطهر عبر ذلك الاستسلام وامتلاكها لخرائط انتقالها للحياة الأخرى! ممنية وهمها أن تكون مجاورة للعرش وفي ضيافة مليك مقتدر.
لا يمكن لعقل أن يستوعب طبيعة مجاورة قتلة وإرهابيين للخالق في جنته!
كل زعزعة لطمأنينة إرهاب. ماذا عن النظر إلى الحياة والتعامل معها باعتبارها تهديداً لوهمهم؟ ذلك يتجاوز الإرهاب بمراحل.
لا إرهاب اليوم يمكنه أن ينصت إلى أيِّ صوتٍ حُرٍّ وعاقل. لا صوت العقل ولا حتى صوت الجنون. فالجنون له ضرورته وقدرته الفارقة على ما بعد الفهم والاستيعاب بتخطيه لنظمية وخرائط العقل الراهن المرتهن للسياسات وضغوطاتها والمصالح وإغراءاتها والوهم وفضائه الافتراضي غير المكلف. الإرهاب في تكوينه وتأسيسه بلا حواس في انتقامه من الحركة والحياة من حوله.
الإرهاب يتعامل مع الحياة ببرود تام. الحياة تضج بالحركة. بسخونة الانتقالات والقفز والتجاوز والإضافة. لا يلتقيان. لا مرج بينهما كي يلتقيا. أحدهما له وهمه والثاني له عالمه المتحرك انتقاءً ورفضاً فيما الأول لا يملك حق وأهلية رفضه. ثمة تسيير طاقته زيف التفسير والفهم للنصوص. تسيير يكشف عن روبوتات بلا روح ولا طاقة في هيئة بشر ملامحهم تذكر بالمزابل وبلا أرواح يذكرون بالموت.
أممية الإرهاب اليوم تكشف عن أممية الغفلة. أممية ترك الحبل على الغارب لوحوش ترفع شعار الأديان والقيم والمثل والخلاص والنعيم الساكن في زاوية شهواتهم ضمن فهم قميء وكريه وشاذ في الوقت نفسه؛ باختصار رحلتهم (الإرهابيين) إلى الله في هدف يرومونه هو دُرّة وجوهرة وكنز معناهم بذهابهم إلى العالم الآخر (حور عين) بحسب مقاساتهم الأرضية وأنفاسهم الكريهة لكأنهم أعرضوا عن حور عين الأرض في رؤية مقززة تختصر ثمرة الحراك البشري فيها وكل المعالجات المنطلقة في وهمها انحيازاً للإنسان والقيم والمثل فيما هي بعيدة بُعد الخافقين في تعاطيها مع أبسط القيم وأكثرها بداهة لأنها عناوين للنقيص من كل ذلك.
ما قبل 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بأكثر من 1000 عام حدث الآتي من إرهاب خوارج أسسوا للجحيم المعاصر الذي اجتاح العالم كفيروس، وقتها مع أفراد الدين الواحد وضمن عصف بالعقل والضمير. انتصر المزاج والانفلات والغل وقتها لخنزير ولم يلتفت إلى الأسمى. قال ابن الأثير: «قيل: لما أقبلت الخارجة من البصرة حتى دنت من النهروان رأى عصابة منهم رجلاً يسوق بامرأة على حمار، فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم، قالوا: لا روع عليك، حدّثنا عن أبيك حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تنفعنا به فقال: حدّثني أبي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه يمسي فيها مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً، قالوا: لهذا الحديث سألناك فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيراً، قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ قال: إنه كان محقاً في أولها وفي آخرها، قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال: إنه أعلم بالله منكم وأشد توقياً على دينه وأنفذ بصيرة، فقالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلةً ما قتلناها أحداً.
فأخذوه وكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته، وهي حبلى متم، حتى نزلوا تحت نخل مواقير، فسقطت منه رطبة، فأخذها أحدهم فتركها في فيه فقال آخر: أخذتها بغير حلها وبغير ثمن، فألقاها ثم مر بهم خنزير لأهل الذمة فضربه أحدهم بسيفه، فقالوا: هذا فساد في الأرض فلقى صاحب الخنزير فأرضاه، فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علَيَّ منكم من بأس، إني مسلم ما أحدثت في الإسلام حدثاً، ولقد آمنتموني قلتم: لا روع عليك فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء، وقتلوا أم سنان الصيداوية.
فلما بلغ عليّاً قتْلُهم عبدالله بن خباب واعتراضهم الناس، بعث إليهم الحارث بن مُرّة العبدي ليأتيهم وينظر ما بلغه عنهم ويكتب به إليه ولا يكتمه، فلما دنا منهم يسائلهم قتلوه، وأتى عليّاً الخبر والناس معه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ سر بنا إلى القوم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام»(1).
(1) الكامل لابن الأثير ج3 ص341، وأورد القضية بكاملها: الطبري في تاريخه ج5 ص81 - 82
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3239 - الأربعاء 20 يوليو 2011م الموافق 18 شعبان 1432هـ
مقال رائع معبر عن واقع مؤلم
نعم ، لقد وصل بالإرهابي الاعتقاد بأن عمله سيوصله لتناول طعام الإفطار أو أي وجبة مع الرسول الأعظم ( ص )..... غسل للمخ ، ودعوة قذرة للانتقام ....