الطائفية لا يمكن محاربتها فقط بالشعارات والخطب، بل عن طريق البحث عن أسبابها وتفاعلاتها، اجتماعياً وسياسياً. وقد نوهنا ببعض السلوكيات الطائفية المتطرفة التي جاءت من رحم الأزمة وتداعياتها، فما الذي يجعل الطائفية تبرز بهذا الشكل الحاد، وتكشر عن أنيابها بهذه الصورة المرعبة؟ ولماذا تزداد عمقاً وشراسة في ظل الأزمات؟ ولماذا هكذا فجأة نرى كل الفضاءات العامة السياسية والاجتماعية والثقافية تتحول إلى توابع للطائفية؟ ولماذا نجد صوت الطائفية هو الأقوى والأكثر ضجيجاً وتأثيراً في الساحة السياسية؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات، في ظل ظروفنا الحالية، ومع توجهنا جميعاً إلى الوصول إلى توافق وطني عبر الحوار، وإخراج وطننا من محنته، إذا ما استطعنا فعلاً تحقيق بعض الإصلاحات الجادة والحقيقية التي يمكن أن تدفع بالوضع السياسي والديمقراطي إلى مواقع متقدمة... نقول إن الإجابة على التساؤلات تكشف أهمية خاصة، لأنها تسلط الضوء على واقع غير صحي بات مصدر قلق لكل المعايشين له.
لذلك علينا عدم الاكتفاء برفع شعار «التغيير» في الجانب السياسي فقط، بالرغم من أهميته ومحوريته، بل لابد من ربط هذا الجانب بالوضع الكلي العام، لمعرفة فيما إذا كانت كل الأجزاء تتطور وتتحرك بذات الاتجاه وبنفس الدرجة من التطور والتقدم المراد تحقيقه.
بعض الإجابة عن تلك التساؤلات تقول: إن الطائفية باتت اليوم من القضايا والمشكلات الكبرى في البحرين، مثل بقية الأقطار العربية الأخرى التي تتميز بتعدد وتنوع نسيجها الاجتماعي والديني والمذهبي، لذلك علينا تحري الدقة والموضوعية في تحليل ظاهرة الطائفية السياسية ومعرفة عمقها الاجتماعي والسياسي وتحديد مخاطرها وتداعياتها على العمل السياسي في البلاد. وقد ثبت أنه في ظل وجود أزمة أن الطائفية تزداد عمقاً، نظراً لوجود مصادر داخلية وخارجية تغذي هذه الظاهرة، كما بات واضحاً أن لمعطيات التاريخ ولخصوصية الجغرافية (السياسية) في البحرين تأثيراً لا يمكن تجاهله من حيث بروز أو ضمور هذه الظاهرة، استجابة للتطورات والصراعات الإقليمية والدولية في المنطقة.
من المعروف اليوم أنه لا يوجد مجتمع خالٍ من التعدد والتنوع في التفافات والخصوصات الفرعية، وهي ظاهرة عادية وطبيعية ولكن المشكلة تبدأ عندما يتم النفخ في بعض تلك الخصوصات المذهبية لحسابات سياسية، وعندما يتحول المذهبي إلى سياسي أو محاولة «استدعاء» بعض الموروثات أو الخلافات التاريخية وإسقاطها على واقعنا الراهن. عند هذه النقطة تبدأ البذور الأولى للطائفية السياسية، التي تعمل على إعاقة وتخريب تطور العمل السياسي، وتكون في الحقيقة هي أساس الأزمة ومصدر كل المشكلات، وليست التعددية المذهبية التي هي حالة طبيعية كما قلنا.
ونقطة مهمة أخرى جديرة بالتنويه هنا هي أنه عندما نقوم بانعطافة نحو التاريخ ونستحضر حادثة من هنا ورواية من هناك، ونحاول من خلالها إثبات استمرار توجه ونوايا القوى الإقليمية والدولية في «استثمار» اختلافاتنا المذهبية خدمة لمصالحها، فإنه لا يجب إغفال دور «الدولة» أي دولة سواء في الأحوال والظروف الطبيعية أو خلال الأزمات ما إذا كانت هذه الدولة قادرة على حماية وحدتها ووحدة نسيجها الاجتماعي، وأنها تأخذ بخيار احتضان كل مكونات البلد السياسية والاجتماعية، وتعمل على إشاعة الثقة والطمأنينة فيما بينها، وهذا هو الخيار الطبيعي والاعتيادي، أم أنها تذهب باتجاه الخيار الآخر الذي يرسخ حالة الانقسام ويضرب الوحدة الوطنية، ويعمق الفوارق المذهبية لحسابات سياسية آنية وقاصرة.
ونحن إذا ما توقفنا عند بعض تداعيات أزمتنا الراهنة وحاولنا تفسير بعض السياسات والإجراءات العقابية التي طالت العديد من الناس، وبعضها لاتزال للأسف مستمرة حتى يومنا هذا خلافاً لرغبة وتوجيهات جلالة الملك.
إن هذه الحالة تعطي مؤشراً قوياً على أن «الدولة» أو «بعض مفاصلها» على الأقل، قد فشلت فشلاً ذريعاً في الخيار الأول، ونجحت بامتياز في الخيار الثاني، ولا يمكن هنا أن نتجاهل الدور السلبي للإعلام الرسمي وقد كانت النتيجة والتداعيات هي ما نحن فيه اليوم من تآكل الوحدة الوطنية، وتمزق نسيجها الوطني، وانكشاف أمن واستقرار البلد. فالدولة وحدها هي من يملك قوة القانون الذي تستطيع من خلاله ترتيب العلاقات السياسية للمجموعات الأهلية.
كذلك فإن دور ومسئولية الدولة يكمن أيضاً في مأسسة الطائفية، وزيادة مخاطرها على الواقع الاجتماعي، ولم يكن وجود جمعيات سياسية قائمة على أساس ديني ومذهبي، سواء القائم والمشهر منها، أو تلك «الوافدة» إلى الساحة السياسية بفعل الأزمة، وتحت ضغوط انقسامات الشارع البحريني طائفياً، أن الموافقة على وجود مثل هذه الجمعيات - لم يكن - سوى مظهر من مظاهر مأسسة الطائفية، رأينا قبل ذلك قيام مؤسسات دينية طائفية بحكم القانون، وجرى إصدار القوانين والتشريعات التي ترسخ هذه المؤسسات في الحياة الاجتماعية، بل رأينا وعشنا الطامة الكبرى، من خلال البرلمان (الواجهة الديمقراطية) وكيف أصبح هو الآخر صوتاً قوياً من أصوات الطائفية، وساحة من ساحات «المواجهات» و»المناكفات» الطائفية.
بعد كل هذا هل يحق لنا التساؤل عن أسباب قوة وسطوة الطائفية السياسية، وهل يمكن أن نستغرب «الحصيلة» التي تصبغ واقعنا السياسي والاجتماعي اليوم؟ فهل يوجد أخصب من هذه الأرض لنمو الطائفية؟ وهل هناك أسوأ من هذه «الحواضن» و «الأعشاش» التي تفرخ «غربان الطائفية» وقد رأيناها في الأزمة الأخيرة كيف كانت حاضرة تنعق بصوتها النشاز وبفعلها الذي ساهم في خلط الأوراق، وتصفية الحراك الشعبي السلمي، عبر افتعال بعض «السيناريوهات» واختلاف بعض «القصص» التي ما أنزل الله بها من سلطان. كانت جميعها كافية لإحداث هذا الانقسام المرعب الذي لايزال مجتمعنا يعاني منه، والذي لا يعلم سوى الله كم نحتاج من الوقت والجهد للتغلب على آلامه الموجعة وتضميد جراحاته النازفة.
إن هذه الحقائق تقودنا مباشرة إلى دور بعض القوى السياسية والمجتمعية ومسئوليتها عن ما آلت إليه أوضاعنا. فهي مسئولة دون شك عن تحويل التنوع السياسي والمذهبي من مصدر غنى روحي وثقافي إلى «كابوس» ومصدر خطر يهدد وحدة المجتمع والوطن. وهي شريكٌ في الأزمة من خلال ما نلمسه ونعرفه عن مقدرة هذه القوى على «النفخ» في الأحداث، مهما كان حجمها أو ضآلتها، وتحويلها إلى أزمة تضاف إلى سلسلة الأزمات التي تتولد في البلاد كالفطر، دون أن يرف لها جفن، أو يحرك عندها ضمير وشعور بالمسئولية الوطنية
إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"العدد 3232 - الأربعاء 13 يوليو 2011م الموافق 11 شعبان 1432هـ
هذا ما أودى بحالنا إلى ما صرنا إليه
كانت هناك ممارسات طائفية تمارس في الحياة اليومية من محسوبية في الأعمال والوظائف والمعاملات
حتى بلغ السيل الزبى ووصلت الأمور إلى مستوى لا يطاق ولا يحتمل معه العيش وكما يقول المثل الشعبي
(هذا اللي بط البرمة) وإلا فالشعب البحرين بطبيعته وادع وليس صاحب مشاكل لولا أن الأمور أخذت منه مأخذا
والمشكلة أن الأزمة كان يمكن أن تحل لولا أن البعض حاول زيادة العزف على الوتر الطائفي أكثر فأكثر
كان هناك مجال للكلمة الطيبة ومراضات النفوس
لا التأجيج وصب الزيت على النار
هناك في سلطنة عمان يوجد نفس خليطنا واشد منا لكن لانرى النفس الطائفي هناك
لانه ببساطة الحكومة هناك تحمي خصوصية الجميع وتمنع منا باتا وعن طريق القانون التطرق ومهاجمة خصوصية الفرد العماني وباب التوظيف من شرطي لضابط في الداخلية والجيش لجميع مكونات المجتمع العماني وايضا الوظائف مفتوحة للمستوفي للشروط بغض النظر عن مذهبة في السلطنة لذلك لاترى اي اصطفاف طائفي فهل هناك صعوبة في تطبيقة هنا في البحرين؟ارجع للعقود الماضية لترى كيف كانت تدور الامور لدينا بعدم الثقة في مكون رئيسي ووضع علامة الشك قباله وكان لابائه دورا كبيرا في الاستقلال فهانحن ندفع الثمن لعدم اعتماد معيار المواطنة