العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ

الإعلام الأميركي وهم أم حقيقة...؟

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

ان التطرق إلى المواقف التي تبنى عليها سياسة الإعلام الأميركي ازاء قضايا شعوب العالم تعتمد في الواقع على نظرة الولايات المتحدة الأحادية التي تبثها عبر قنواتها الاعلامية أو السينمائية.

ومن خلال التحليل النظري نجد ان الولايات المتحدة نادرا ما حاولت ان تراجع سياساتها في ضوء المطالعة لترى صورتها المنعكسة على مرآة العالم الخارجي... وحين تفعل... فذلك يتحقق عن طريق المصادفة لانها اعتادت ان تتعامل مع الشعوب الاخرى بفوقية أي تبث وترسل ما تريد لكن لا تستقبل أو تهتم بما يقال عنها الا في حال أثر ذلك على مصلحتها عموما.

فإدارة واشنطن ترفض الاستماع إلى نصائح الدول الصديقة أو الحليفة... كون ذلك خارج عن عرف سياسة البيت الأبيض... وكيف لا وهي لاتزال القوة العظمى الوحيدة في وقتنا الحالي!

فمنذ ان سقط الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات في القرن الماضي... اختفى مفهوم توازن القوى السياسية... فواشنطن تتخذ قراراتها بمفردها ولا ترضى بتدخل يعوق خططها الاستراتيجية التي تحمي مصالحها وتعود بالنفع عليها كالذي حصل في حربها على العراق... تلك الحملة العسكرية التي قادتها خارج الشرعية الدولية من دون الاهتمام باخذ المشورة من احد... كونها لا تحتاج إلى دروس لدورها القيادي في العالم، اذ اعتبرت كل من يقف ضد حملتها بالمنحاز.

كل هذا يحدث طبعا بمباركة من «إسرائيل» التي تدعمها واشنطن من خلال قنوات اعلامها الأميركي الذي في الحقيقة يهيمن عليه اللوبي الصهيوني في أميركا.

للأسف لقد أثرت السياسة الخارجية لادارة واشنطن على طبيعة الاعلام الذي تروجه بل ان الاعلام الأميركي خصوصا التلفزيوني والاذاعي لايزال يقتصر على الخصوصية الأميركية أي بمعنى آخر الخبر الدولي هو آخر ما يفكر فيه المواطن الأميركي، وهناك احصاءات كثيرة تداولتها معاهد مختصة داخل أميركا، تشير الى قلة وعي واهتمام الشارع الأميركي لمجريات الحوادث في العالم أو حتى عن انتخابات بلادهم الرئاسية.

ومع هذا فمن الصعب تعميم ذلك... لكن اذا سنحت لك فرصة التحدث مع أي مواطن أميركي عادي وسألته مثلا اين تقع البحرين؟ فانه سيعتقد بانك قد تسأله عن جزر البهاما الموجودة في البحر الكاريبي!

هكذا حال الاعلام الأميركي من السينما الى التلفزيون والراديو والصحف والمطبوعات الاسبوعية والشهرية والفصلية واليومية، كلها تعبر عن جهل الشارع الأميركي لطبيعة سياسة بلاده الخارجية التي من دون شك منحازة على الدوام لـ «إسرائيل» ... فالصور والأخبار التي تنقلها وسائل الاعلام الأميركي بمختلف انواعها لا تختلف كثيرا عن الموقف الرسمي الإسرائيلي... فمثلا الشعب الفلسطيني يدعم الارهاب... وايران تصنع اسلحة ممنوعة اضافة الى انها تدعم الارهاب... وغيرها من القصص التي تفتعل بين يوم وليلة حتى تصدقها العين والاذن الأميركية في النهاية لأن هذا ما يريد ان يردده الاعلام الأميركي حتى يصل الى مبتغاه لتضليل الرأي الأميركي من خلال توصيل المعلومة المغلوطة الشائبة بالمفاهيم التي تسيء الى قيم وثقافة الشعوب الاخرى.

وهنا لابد من الاشارة الى ما كتبه المحلل العربي-الأميركي ادوارد سعيد في فترة التسعينات في عدد من مقالته بشأن تعريفه عن «الصهيونية الأميركية» وفيها اوضح سعيد «ان التوافق السياسي الأميركي- الإسرائيلي تعزز منذ العام 1967 ظل حاكما بثبات مدهش لقضية الشرق الاوسط طيلة العقود الثلاثة الماضية وهو التوافق الذي انتج مفارقة لافتة للنظر تتمثل في ان النخبة والمجتمع في الولايات المتحدة التي توفرت لها كل اسباب المعرفة لا تزال على جهل بحقائق الصراع العربي الإسرائيلي حتى اصبحت على استعداد لان تقبل بان فلسطين كانت للاسرائليين وان الفلسطينيين جاءوا لكي ينازعوهم عليها ويغتصبوها منهم!».

إلا ان التجاوزات التي تنتهجها السياسة الأميركية اثرت على مسار ولغة الاعلام الأميركي الذي حتى في حرب العراق الاخيرة تحول الى بوق رسمي وان كانت الجهات الاعلامية تدعي استقلاليتها غير انها في الحقيقة كانت تعبر عن موقف سياسة واشنطن الخارجية لا اكثر.

ومما يدفع هذه المؤسسات الاعلامية الى تبني هذا النهج هو خوفها على مصدر تمويلها من اعلانات وغيرها التي تبث عبر وسائلها اي مصالح مشتركة تدفعها مثلا الى بث اخبار منحازة لـ «إسرائيل» حتى لا تخسر اعلانات من شركات مهمة تحمل رؤوس اموال يهودية - أميركية.

مثل هذه الامثلة تدفعنا الى القول ان العالم العربي على علم تام بالانحياز السافر من جانب الاعلام الأميركي لـ «إسرائيل» الذي من النادر نرى وجود تغطية اعلامية توجه انتقادا لـ «إسرائيل» لكن ايضا الاعلام العربي نجده منحازا من جانبه وبالدرجة نفسها لفلسطين بحيث يصبح من النادر وجود تغطية اعلامية تنتقد السلطة الفلسطينية.

وعلى رغم الحملة التي شنت مثلا على العرب والمسلمين من بعد حوادث سبتمبر / ايلول العاصفة وايضا ما كتب قبل وبعد حرب العراق... قد دفع لهذه الجهات الأميركية المعنية في مجالي الاعلام والسياسة إلى توسيع دائرة التفاهم بين الجانبين الأميركي والعربي لكن لا يخفى ان واشنطن تسعى من خلال ذلك الى امركة الاجيال العربية لانه في كل الاحوال المواطن الأميركي لا يهتم كثيرا بثقافات الشعوب الاخرى فهو اعتاد ان يتلقى غير عابىء بثقافة الآخرين.

الا ان تخصيص واطلاق اذاعات وقنوات تلفزيونية أميركية ناطقة بالعربية مثل اذاعة «سوا» التي كانت تسمى في الماضي بـ «صوت أميركا» وقناتها التلفزيونية التي ستنطلق قريبا الى تدشين صفحة الـ «سي ان ان» العربية الالكترونية واصدار مجلة «هاي» الناطقة بالعربية التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية حديثا ما هي إلا مؤشرات تسعى من خلالها واشنطن الى تصحيح الصورة الأميركية ايجابيا لا سليبا في المنطقة العربية وذلك عبر نقل صور العرب والمسلمين الأميركيين وانجازاتهم داخل الولايات المتحدة وتوصيل تجاربهم بحذافيرها الى شعوبها التي لاتزال تمقت السياسة الأميركية في منطقتها.

بقي ان نقول ان النموذج الأميركي سيبقى مهيمنا سياسيا واعلاميا واقتصاديا لفترة من الزمن مادامت موازين القوى معدومة حاليا في العالم وهو ما يفرض على الجميع مسألة التكيف مع الواقع الحالي تحت ماتسميه واشنطن بالعولمة

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً