العدد 3226 - الخميس 07 يوليو 2011م الموافق 05 شعبان 1432هـ

الإرهاب وليد النصّ القرآني أو الحكم الطغياني؟!

يحيى أبو زكريا comments [at] alwasatnews.com

.

تحولت ظاهرة الإرهاب في العالم العربي والإسلامي على وجه التحديد إلى أعقد ظاهرة سياسيّة وأمنيّة واجتماعيّة، وقد أنتجت هذه الظاهرة سلسلة لا مثيل لها من الدراسات والمقالات والانشغالات الفكريّة والبحث عن الجذور التاريخية والسياسية، وما كتب عن هذه الظاهرة هو أضعاف ما كتب عن المشروع النهضوي والتنموي في واقعنا العربي والإسلامي حيث بحث ثلّة من مفكرينا في آليات النهضة ومرّت بحوثهم من دون عناية فكريّة تذكر ربمّا لأنّ الذاكرة العربية والإسلامية مصابة بخدوش خطيرة وربمّا لأننا لا نولي المشاريع الكبرى أهميّة تذكر.

ولعلّ أهم المراكز التي تناولت ظاهرة الإرهاب بالبحث والتنقيب هي مراكز الأبحاث والمعلومات التابعة لدوائر الاستخبارات العربية والغربية وتليها مراكز الدراسات الاستراتيجية ذات الارتباطات المتعددّة ثمّ المراكز الإعلامية ودور النشر والمنتديّات الثقافيّة. ولأننّا منشطرون دوما حتى في فكرنا وثقافتنا ومشاريعنا فإنّ البحوث التي وضعت عن ظاهرة الإرهاب هي الأخرى منشطرة حول نفسها، فللسلطات وأدواتها الفكرية والإعلامية رأي في هذا الموضوع وللمعارضات رأي وللباحثين آراء مختلفة. والقراءة المتأنيّة والاستقرائيّة لمجمل ما كتب عن الإرهاب وجذوره تفضي إلى تعداد مدرستين مختلفتين حول الإرهاب وجذوره، فالمدرسة الأولى وهي المدرسة الرسمية السلطويّة فترى سواء عبرت عن ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر أنّ النص القرآني وتراكمات التاريخ الإسلامي والأصولية الإسلاموية الظلامية بتعبير الخطابات السلطوية الرسمية هي التي أنتجت الإرهاب وأفرزت فكر التكفير والحكم على السلطة أحيانا وعلى المجتمع أحيانا أخرى بالردّة وبالتالي مشروعية قتال المرتدين، ويذهب هذا الخطاب الرسمي إلى أنّ الذين يمارسون العنف ضدّ السلطات القائمة ينطلقون من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وسيرة السلف الصالح ويسقطون كل ذلك على الواقع المعاش، ولعلّ أبرز آية تستخدم لشرعنة العنف ضدّ السلطات هي آيات سورة المائدة «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، وفي آية أخرى «هم الظالمون»، وما إلى ذلك من الآيات. ولتقزيم أصحاب هذا الاتجاه تعمد السلطات إلى استمالة أصحاب الطرح الإسلامي المعتدل وتحاول وأد تيّار العنف من خلال الحصول على الشرعية من المعتدلين والمتخندقين في خطّها مقابل بعض المناصب هنا وهناك وبعض الامتيازات التي يحظى بها رجالات القرار دون غيرهم.

ومقابل هذه المدرسة الرسمية التي تعطي للإرهاب بعدا دينيا هناك مدرسة قوامها مفكرون مستقلون ومعارضون وباحثون اجتماعيون وسياسيون يرون أنّ إرهاب السلطة هو الذي أنتج إرهاب المجتمع، وأنّ الديكتاتورية والتسلط والقمع والممارسات العدوانية والوحشيّة للحاكم وحاشيته هي التي أنتجت الإرهاب بدليل أنّ معظم الذين أطلقوا خطابات محاربة السلطة تعرضوا إلى أقسى أنواع التعذيب في السجون السلطوية، فبعضهم تمّ الاعتداء على كرامته وشرفه، وبعضهم تمّ حرمانه من نعمة الذريّة والإنجاب بالطرق المعروفة، ولا يمكن أن تلجأ السلطات الحاكمة في العالم العربي والإسلامي إلى مصادرة مقدرات الشعوب وتسيّر الشعوب على أساس أنّها شعوب قاصرة مراهقة يتيمة تحتاج دوما إلى سوط الحاكم ليستقيم أمرها دون أن تتوقّع معارضات وردود من قبيل ما نراه في عالمنا العربي والإسلامي.

وفي نظر هذه المدرسة فإنّ انعدام الحريّة السياسيّة والديمقراطية والشفافيّة ومصادرة خيرات الناس وسرقة أرزاقهم وأقواتهم هي سبب العنف الأعمى الذي بات الميزة الأسمى والأبرز لراهن عالمنا العربي والإسلامي، فالحاكم منع الناس من حرية التعبير والانتقاد وإذا وجّه أي شخص نقدا بسيطا للحاكم فإنّ مآله سجون الحاكم التي أقامها بإحكام للقضاء على رجولة من يقرّون أنّ فيهم بعض رجولة، والتداول على السلطة ممنوع، فالسلطة حكر لحكامنا لا يتزعزعون عن كرسي الحكم إلاّ بموت أو انقلاب أو دبابة أميركيّة، وغير مصادرة الحكم وحرمان الشعب من صناعة قراره وسياسته الكبرى والصغرى فإنّ الحاكم يلجأ إلى البطش والقمع والظلم وسجن الأحرار.

وبالانتقال إلى المتورطين في حركة العنف نجد أنّ معظمهم من المحرومين من أبسط مقومات الحياة فأغلبهم من القاطنين في البيوت القصديريّة والشعبية والأحياء الفقيرة، وكثير منهم لا يجد عملا كريما ومقابل ذلك يشاهد هؤلاء الثروات الوطنية مغانم بين الحاكم العربي وأسرته وحاشيته، وإذا أرادت معارضة جادة أن تغيّر الأوضاع لصالحها فإنّ الدبابات التي اشتريت على أساس الدفاع عن الوطن استخدمت ضدّ الشعوب المقموعة وبناء عليه يخلص أصحاب المدرسة الثانية إلى القول بأنّ إرهاب السلطة وممارستها الطاغوتيّة هي التي أفرزت الإرهاب، فلو عدلت الحكومات العربية ووزعّت الثروة توزيعا عادلا على الناس وحكمت الناس بأطروحة سياسية يساهم الناس في إنتاجها لما ثارت شرائح من الناس ضدّ السلطات القائمة، ومشكلة الحاكم العربي كما تقول هذه المدرسة إنّه لا يسمع ولا يغادر قصره العاجي ليقابل الناس ويطلع على أخبارهم بل يكتفي بجلسة ساعة أو نصف ساعة مع مدير مخابراته الذي يزيّن له الكثير من الأمور.

وأكثر من ذلك فإنّ أصحاب المدرسة الثانية يرون أنّ السلطة صاحبة المدرسة الأولى وتأكيدا لخطابها السياسي وأدبياتها السياسية التي تنص على أنّ النصّ القرآني هو الذي أفرز الإرهاب أوجدت تيارات إسلامية مسلحة عنيفة وسخرتها لخدمة مصالحها الاستراتيجية من جهة ولإدامة عمر العنف في واقعنا العربي والإسلامي ليكون العمل بقانون الطوارئ مبررا ولكي لا تطرح النخب السياسية مسألة الإسراع في الانتخابات والإصلاحات بحجّة تدهور الوضع الأمني، وقد أعلن أحد رجال المخابرات في دولة عربية أنّ رئيسه في العمل أعطاه أمرا بإطلاق اللحية والتعود على ارتداء العباءة واستخدام المسك الأذفر – وهو عطر يستخدمه المصلون عادة في المساجد – للشروع في مهمة معينة، وقد ساهمت الأجهزة الأمنية في أكثر من دولة عربية في إقامة جماعات إسلامية مسلحة لغرض سياسي واستراتيجي قد يطول شرحه ويمكن القول إنّ رجل المخابرات في العالم العربي أطلق لحيته والإسلامي حلقها حتى اشتبه الأمر على كثير من الناس.

وعلى الأرجح فإنّ السلطات القائمة في العالم العربي ستستمر في استخدام هذه الورقة التي من خلالها تحققّ الكثير من الأهداف المتشعبة والمتداخلة ومنها: التشكيك في مقومات الدين الإسلامي الحنيف وبالتالي تكرّس العلمنة والتغريب كبديل لا مناص منه للحكم والتغريب كما هو معروف البوابة الطبيعية نحو العمالة والارتباط بالإرادات الدولية، والإيهام بأنّ المجتمع يعيش مخاضا أمنيا وبالتالي حالة الطوارئ تصبح مبررة ومع هذه الحالة تلغى كل مصاديق الديمقراطية من حرية الإعلام والتظاهر والتجمهر والانتخابات، وفوق هذا وذاك فإنّ إدامة الصراع في المجتمعات الإسلامية وخلق تيارات عنف إسلامية من شأنّه أن يقرّب المسافة بين كثير من حكامنا والدوائر الغربية حيث القاسم المشترك بات كبيرا بين الطرفين وهو محاربة الإسلام، وفوق هذا وذاك فتحت عنوان محاربة الإرهاب يستباح الجميع وتقلّم أظافر الجميع ويقمع المعارضون المخلصون والصحافيون المخلصون ومريدو التغيير والإصلاح وإذا تجرأ شخص على الاعتراض يقال له: أنت إرهابي.

وإذا كان المخالف للسلطة إرهابيا فماذا تكون هذه السلطة التي تقتل بالجملة والمفرق، وتميت بالجملة وتبكي المستضعفين بالجملة وتفقر بالجملة وتفرض على الناس أن يعبدوا صنما واحدا لا شريك له؟ أليس إرهابا عندما تعمد هذه السلطات إلى فرض فكر أحادي شمولي على الناس؟ سؤال برسم السلطات العربية الديمقراطيّة جدّا

إقرأ أيضا لـ "يحيى أبو زكريا"

العدد 3226 - الخميس 07 يوليو 2011م الموافق 05 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:53 ص

      سلمت يا اخي الفاضل علي السرد الواقعي

      شكرا لكم شكرا لكم / اخوك بوعلي

اقرأ ايضاً