بعيداً عن القصف السياسي، والاحتقانات التي ترافق حواراته، جاءت جلسات المحور الحقوقي هادئة بعيدة عن التشنجات، وتمحورت حول قضايا رئيسة مركزية امتدت من المناشدة بوضع كل الصمامات التي تضمن نزاهة القضاء البحريني واحتفاظه باستقلاليته، دون أن يعفيه ذلك من المساءلة، إلى بذل الجهود لتطوير ذلك القضاء، والعمل على الحؤول دون تراجعه عن مستوى الأداء والشفافية اللذين يتمتع بهما. بعيداً عن الكثير من التفصيلات التي لا ينبغي الاستهانة بها، والتي تناولت تفاصيل النظام القضائي في البحرين، وجدنا مداخلات المشاركين، عند مناقشة واقع القضاء البحريني، وآليات أدائه لوظائفه، على النحو المطلوب، وبالكفاءة المتوخاة، تتمحور حول القضايا التالية:
1 - حق المساءلة، فقد كان هناك شبه إجماع على ضرورة إخضاع القضاء للمساءلة الجادة والمسئولة. بين كلمات المداخلات، يكتشف المتابع، حرص الجميع على التمسك بحق المساءلة، ليس من باب المناكفة والتسييس غير المبرر، بقدر ما كان الهدف، وضع صمامات الأمان التي تضمن استمرارية تمسك القضاء بأخلاقيات المهنة وقيمها، عند أدائه لوظائفه الاعتيادية.
2 - ضرورة الاستقلالية، ولم يتوقف المشاركون عند الاستقلالية الشكلية الخارجية، بل حرصوا على الغوص عميقاً في صلب آليات الاستقلالية وعناصرها الرئيسة، بما فيها صلاحيات القضاة، والآليات التي تنظم العلاقة بينهم وبين مؤسسات الدولة، وعلى وجه التحديد وزارة العدل، متوقفين عند الصعوبات التي من الطبيعي أن تواجه الاثنين، النظام القضائي والسلطة التنفيذية، مشيرين إلى أهمية إزالة تلك الصعوبات من الطريق.
3 - مساواة النوع الجنسي، حيث برزت من بين ثنايا الحوارات مناشدات بأهمية ممارسة المرأة لمهنة القضاء، إذ لم يعد من الممكن استمرار المرأة البحرينية بعيداً عن مناصب قضائية، أسوة بشقيقاتها في الدول المتقدمة، طالما تجاهد البحرين كي تكون قادرة على أن تنتمي إلى المجتمع المتطور اجتماعياً. ومرة أخرى لم تكن الوقفة عند منصة «حقوق المرأة» قضية شكلية، بقدر ما كانت التفاتة جادة نحو إفساح المجال أمام المرأة لدخول أسواق العمل دونما تمييز تعسفي يصادر من المرأة أبسط حقوقها.
4 - التحديث الإداري للقضاء، بما يضمن تقليص سلبيات البيروقراطية المتوارثة التي من شأنها إطالة دورة حياة إنجاز المهام، وتحديث دورة العمل كي يكون النظام القضائي في البحرين، مهيأ للتفاعل مع أية فرصة سانحة من شأنها تحقيق ذلك التحديث دون التفريط في مستوى الأداء، أو المساومة على «التشبيك» الحالي القائم اليوم بين إدارات الدولة.
5 - تسليط الضوء على المكانة التي يحتلها القضاء، أو بالأحرى صناعة القضاء، في الحياة البحرينية العامة، بما فيها ساحة الصراع السياسي، فمن الخطأ القاتل فهم استقلالية القضاء، على أنها ابتعاد عن كل ما يصعب تصنيفه من ذلك النظام. وبالتالي، فمن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الحديث عن إعادة بناء النظام القضائي في البحرين، دون فهم العلاقة التي تربطه بمؤسسات المجتمع الأخرى، ودوره في تطوير أدائها، وتنظيم العلاقة بشكل إيجابي بَنّاء فيما بينه
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3226 - الخميس 07 يوليو 2011م الموافق 05 شعبان 1432هـ