لقد اعتدنا دائماً نحن الشعوب العربية وحركات المعارضة السياسية للأنظمة العربية على اختلاف أشكالها وتلاوينها، على توجيه أصابع الاتهام إلى أميركا والغرب والصهيونية بتآمر هذه الأطراف متحالفة مع الأنظمة العربية ضد رغبات ومطالب هذه الشعوب من أنظمتها. كانت كل الدلائل ولا تزال هي كذلك تشير دوماً إلى تحالف هذه الأنظمة مع أميركا والغرب. أما الآن وبالذات وبعد الانتفاضات العربية وجدنا أن موجة الاتهام تغيرت، فأصبحت الأنظمة العربية هي من توجه أصابع الاتهام إلى أميركا والغرب وإسرائيل ومعها إيران بأن كل هذه الدول أصبح شغلها الشاغل هو التآمر عليها عبر الشعوب المنتفضة ضدها والمطالبة بحقوقها المشروعة.
أصبح السؤال المطروح اليوم: هل ما تقول به الأنظمة العربية من تآمر هذه الأطراف عليها يحمل شيئاً من الوجاهة والحقيقة؟!
لقد أصبحت الأنظمة العربية مغرمة بالقول إن كل ما يصيبها من شعوبها مرجعه مؤامرات خارجية عليها، طوراً يكون مرد هذه المؤامرات أميركا وإسرائيل، وطوراً مردها إيران. المهم أنه لا يوجد لدى هذه الأنظمة ما يبرر ما يحصل لها مع شعوبها، وأن همّ الآخرين هو التآمر عليها. لقد انقلبت أسطوانة المؤامرة من الرأي العام العربي إلى الرأي الرسمي العربي للأنظمة العربية؛ فقد أصبحت أميركا والغرب وإسرائيل ومعها إيران في نظر الأنظمة العربية متآمرة عليها ووضعتها في سلة واحدة مع الشعوب المنتفضة؛ فالشعوب في منظور الأنظمة أضحت عميلة لأميركا والغرب وإسرائيل وإيران.
بالتأكيد أن للآخرين مصالحهم التي يعملون من أجلها، وقد يكون ذلك أمراً مشروعاً، وربما يلجأ البعض منهم إلى ما هو غير مشروع لتحقيق مصالحه. إن السؤال المهم وقبل أن نلقي التهم على الآخر وعلى المؤامرات التي ندعي بتعرضنا لها، علينا أن نسأل: ما هي الأسباب الداخلية الكامنة في بلداننا التي أوجدت الأرض الخصبة لدينا وبما يمكن الآخرون من التآمر علينا (إن كان هناك ما يستحق أن نسميه مؤامرة)؟
الحركات الشعبية هي بالأساس ضد أنظمة هي حليفة ومدعومة من أمريكا والغرب، وهي أنظمة تلبي المصالح الأمريكية، فكيف تكون أمريكا هي متآمرة مع الشعوب ضد تلك الأنظمة؟!
نعتقد أنه لو كانت هناك مصالحة حقيقية بين الأنظمة العربية وشعوبها، لما كانت هناك حالات صدام مستمرة بين الشعوب وأنظمتها، ولما كان هناك مجال لتدخلات خارجية في بلداننا، ولما كان هناك مكان لما يتم تسميته بالمؤامرة.
يمكن القول إن هناك ضغوطات أميركية وغربية على الأنظمة الحليفة لها لتحقيق إصلاحات تلبي بعضاً من طموحات الشعوب المنتفضة، وذلك ليس حباً من الحليف الأميركي لهذه الشعوب على حساب مصالحه، ولكن هذه الضغوطات هي بفعل ضغوطات مؤسسات المجتمع المدني الأميركي والغربي على حكوماتها، وفي نهاية المطاف الضغوطات الأميركية والغربية على هذه الأنظمة هي بالتأكيد تلبي مصالح أميركية. إنه لكي تتخلص الأنظمة العربية من الضغوطات الأميركية والضغوطات الغربية وضغوطات منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في العالم، وبالأحرى حتى تتخلص من ضغوطات شعوبها، يتوجب عليها في سبيل ذلك أن تقوم بمصالحة تاريخية مع شعوبها. إن الأنظمة العربية قاطبة تدرك جيداً ما هي متطلبات هذه المصالحة التاريخية، وينقصها فقط الجرأة والشجاعة والاستعداد للدخول في المصالحة المطلوبة. لقد وجدنا كافة الأنظمة التي واجهت في الفترة الأخيرة انتفاضات شعبية، سواء تلك الانتفاضات التي شهدت انحرافات في خط سيرها أم تلك الانتفاضات التي استطاعت إحداث بعض التغيير، فإن تلك الأنظمة قاطبة قد أقرت مضطرة بشرعية النسبة الكبيرة من المطالب التي نادت بها الانتفاضات، لكن مع ذلك لم نجدها وحتى الآن قد تبينت السبل الصحيحة لتلبية تلك المطالب المحقة، بل هي تحاول الالتفاف عليها بمختلف الأشكال، بل نجد أن المواجهة العنيفة من قبل الأنظمة لتلك المطالب هي السياسة المتبعة والمعتمدة بشكل أو بآخر؛ ذلك لا يؤدي إلى حلول، وبالتالي لا يؤدي بنا إلى المصالحة التاريخية المنشودة، وأن كل ما يتم هو إدارة للأزمات وليس حلاً لها.
هل في مقدور أميركا أن تحرك عشرات الملايين في الشوارع العربية لتسقط أنظمة هي موجودة وتعيش في رعايتها وتلبي مطالبها ومصالحها بلا تردد. هل من المعقول أن تُفرط أميركا في نظام ضامن وراعٍ لمصالحها ومصالح إسرائيل كنظام حسني مبارك، كل ذلك استجابة كريمة منها لمطالب الشعب المصري؟!
بالتأكيد أنها قامت بكل الحسابات اللازمة وهي تركب موجات المعارضة الشعبية بما لا يتعارض مع مصالحها الاستراتيجية.
لن تمانع أميركا في وصول الإخوان المسلمين أوغيرهم إلى سدة الحكم في أي قطر عربي إذا كان ذلك يخدم مصالحها، فهي قد قبلت بالنموذج التركي، أي هي قبلت بالإسلام السياسي التركي، وهو نموذج يحميها من الإسلام السياسي المتطرف والمعادي لمصالحها، وهو إسلام سياسي على استعداد حتى للاعتراف بإسرائيل والدخول في حالة سلام معها.
إذا كان هناك ثمة دور أميركي مشبوه هو تآمر أميركا وحلفائها من أجل احتواء الانتفاضات العربية والعمل على التحكم بها وبنتائجها وبما يخدم أهدافها ومخططاتها ومصالحها.
على المعارضات العربية أن تكون حذرة، وهي بالتأكيد كذلك، من الألاعيب الأميركية والغربية، فأميركا ستكون حريصة على مصالحها وأهدافها، وهي ستعمل ليل نهار على اختطاف الانتفاضات العربية، وهذا هو دورها الحقيقي المشبوه.
إن الشعوب العربية ومهما قيل عن وجود مواقف داعمة من أميركا لمطالبها، ومهما كانت هناك من مظاهر لمواقف أميركية تبدو داعمة لمطالب الشعوب تجاه حكامها، وهي مواقف بالأساس غير حاسمة ومترددة وتحمل في ثناياها رؤية أميركية لحماية مصالحها، فإن الشعوب العربية على قناعة بأن أميركا تتآمر على انتفاضاتها وتركب الموجة الشعبية لاختطاف تلك الانتفاضات.
على الحركات الشعبية التي لها مطالب محقة ومشروعة أن لا تراهن وأن لا تذهب بعيداً في علاقاتها بأميركا الرسمية وبالغرب الرسمي، ولكن هناك المجتمع المدني في أميركا وفي الغرب وفي عموم العالم داعمون حقيقيون للشعوب.
نعم هناك دور مشبوه لأميركا في الانتفاضات العربية، وهو العمل الدؤوب لاختطاف هذه الانتفاضات وحرف مسيرتها وبما يخدم المصالح الأميركية، وربما يصل بها الأمر إلى العمل على وأد بعض هذه الانتفاضات إن هي استطاعت ذلك.
لا نعتقد أبداً ولا نؤمن مع من يقول إن حركة الاحتجاجات هي مؤامرة أميركية تآمرت فيها أميركا مع الشعوب المحتجة والمطالبة بحقوق مشروعة، وإن ما حصل هو مؤامرة أجنبية بدعم أميركي تُستغل فيها أيادٍ وطنية، نختلف مع هذا ونقول إن هناك أزمات وطنية كبرى في أوطاننا تنتج أوضاعاً مأزومة
إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"العدد 3223 - الإثنين 04 يوليو 2011م الموافق 02 شعبان 1432هـ
بكل تأكيد
بلا شك يوجد دعم وادلة دامغة على ذلك
مايحتاج تحريض، الشعوب العربية سئمت الظلم والضيم
وهل محمد البوعزيزي مشترك معهم في هذه المؤامرة ؟!
لا
ليس دوراً واحداً فقط!! و إنما أدواراً شتّى مشبوهة!!
الحركات الشعبية لا تراهن على القيادة الأمريكية
الحركات الشعبية لا تراهن على القيادة الأمريكية ولا الأوربية بل تراهن على الشعب الأمريكي والشعوب الأوربية ومنظماتهم الإنسانية التي ساهمة بدور كبير في الضغوط علي قيادتهم وعلى القيادات العربية من أجل التغير والإصلاح واحترام مطالب الشعوب العربية.