العدد 3222 - الأحد 03 يوليو 2011م الموافق 01 شعبان 1432هـ

لجنة التحقيق وبِلال بن أبِي بُرْدَة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما جَرَى في البحرين منذ منتصف فبراير/ شباط وإلى الآن هو أمرٌ جَلَل. جللُه أن دَماً عزيزاً قد سقط. وعندما يسقط الدَّم يُصبح الكَرْب على أهله عظيماً، لتنعقد في قلب كلّ من يَلِيه نَسَباً في الدَّم أو الروح نطفة للانتقام، والضغينة المُورَّثة. هذه هي المأساة الحقَّة وما دونها يبقى أدنى.

في الأمر الملكي رقم (28) للعام2011 والقاضي إنشاء اللجنة الملكية المستقلة للتحقيق في الأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس/ آذار المنصرِفيْن وما نَجَمَ عنها من تداعيات لاحقة، بدا أن البحرين أمام مِفصَل جدّ مختلف يُحاكي مأساة الدَّم المُرَاق وتوابعه. هذا المفصَل هو ما يُسمَّى بـ «العدالة» التي بها تقرُّ العقوبات وأشناق الديات وتظهر الحقيقة.

وعندما نرجع إلى مفهوم العدالة؛ سنرى أنه مرتبط ارتباطاً عضويّاً بالأخلاق. وما دامت العدالة تعني أن الفقير والغني لا مجال للتفريق بينهما في الحقوق والإنصاف في التقاضي والتجريم والبراءة؛ يُصبح أمر العدالة أخلاقيّاً بامتياز. هذا التلازم هو القادر على جعل العدالة فاعلة، على رغم أن الحقيقة ليست شرطاً لأن تشفي روحاً مجروحة مثلما قال مكسيم غوركي.

عندما تمَّ تعيين خبير القانون الدولي محمود شريف بسيوني رئيساً للجنة الملكية المستقلة للتحقيق لم أستطع تقدير ذلك التعيين الملكي إلاَّ بسيرة الرجل الحقوقية والقانونية على مدى نصف قرن. فلا التقييم له جائز (من قِبَلِي على الأقل) في الوقت الذي هو أسَنُّ مني عُمْراً وأكبر مني علماً. ففي يوم مولدي كان الرجل على مشارف العقد الرابع. وفي يوم تخرّجي في الجامعة كان الرجل قد قضَى 44 عاماً في البحث العلمي الأكاديمي وفي مرتبة الأستاذية.

لكن وعلى رغم كلّ ذلك التواضع قبالة مكانة الأستاذ بسيوني العلمية وسيرته الذاتية المتميِّزة، تتعاظَم المهمَّة عليه وعلى فريقه. فعمله في أفغانستان كخبير مستقل في مجال حقوق الإنسان، وصلته بمحاكم الجنايات الدولية، ورئيساً للجنة التحقيق المعنية بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي في يوغسلافيا، وصلته الاستشارية باللجان والمؤتمرات والوزارات، وتقلده العديد من المناصب الحقوقية العالمية، يجعله حريصاً على تعميد عمله القانوني في البحرين بكلّ شرف مادامت هي اللجنة الأولى عربيّاً وإسلاميّاً، وتتعامل مع قضية سال فيها من الدَّم الكثير، ووقعت فيها من الأحداث ما تشيب لها الوِلدَان.

وإذا كان عمل اللجنة سيلاحق (ما نَجَمَ عن شهرَيْ فبراير ومارس من تداعيات لاحقة) فإنها ستستقبل المُرَّ والعَلقم من الأحداث المدوَّنة. وبحسب تصريحات الأستاذ بسيوني لصحيفة «الوسط» يوم السبت الماضي فإنه يأمل أن تقدِّم اللجنة تقريرها مع نهاية سبتمبر/ أيلول. وهذا يعني أن خمسة أشهر من الأحداث المريرة هي الفترة التي سبقت عمل اللجنة، وشهرين تاليين عليها فيهما تتبع أحداثه (إن وقعت فيه أحداث) وإنهاء تقريرها بالتساوق الزمني، حتى يتسنَّى لها إعلانه في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وهو أمر في غاية التحدِّي ويتطلب منها جهداً خرافيّاً.

نقطة أخرى، لكنها تتعلَّق بمنطق المشكِّكين لعمل هذه اللجنة والتي أعتقد أن دفوعه تراكميّة، وتتعلَّق بانعدام الثقة بين جانبين مُتخاصمين حتى الصَّدر، أقول: صحيح أن الجرح غائر، والمأساة لا تضاهيها مأساة لكن الحَيْف والجرم إذا وقع لا يكفي البكاء عليه فقط، وإنما يحتاج إلى معالجة حقوقية مُنصِفة، كان الجميع يطالِب بها منذ أمَد. واليوم وعندما تأتي هذه اللجنة المستقلة فهي تعتبر قاطرة المعالجة الأولى المرجوَّة، أو على أقلّ تقدير نَفَسُها الأول، وبالتالي فإن التشكيك فيها بمجرد كونها مُشكَّلة من الدولة وقبل أن تظهر نتائجها هو أمر غير جيد، ولا يستقيم مع أصول العمل السياسي وظروفه المعقدة.

قال أحدهم مُنفعلاً: لا نريد للجنة أن تحقق (فقط) في مقتل سبعة مواطنين في فبراير وخمسة عشر مواطناً آخرين في مارس وسبعة غيرهم في أبريل، ولا نريدها (فقط) أن تحقق في ظروف وقوع مئات الجرحى ولا كيف اعتقل 830 شخصاً وبالتحديد المعلِّمات في مدارِسِهِن، ولا كيف عُذِّب المعتقلون، ولا الذي جرى في نقاط التفتيش. وأيضاً، لا نريد أن تحقق اللجنة (فقط) في فصل 2022 موظفاً (1754 من القطاع الخاص، و268 من القطاع العام) وتضرّر عوائلهم، ولا في فصل 200 طالب من جامعة البحرين، ولا التحقيق في الإعلام الرسمي التحريضي فقط، بل نريد أن يمتد نظر اللجنة نحو الضرر النفسي الذي سبَّبه البعض سواء بالوشاية أو التحريض الطائفي أو حتى التهكُّم من أحدٍ في لحظة مأساته.

قلت: هذه القائمة من الشكاوى لا تُحبَس في الأدراج، أو تترَك للإعلام يُقلِّبها ذات اليمين وذات الشمال على نارٍ حامية، وإنما مكانها هو داخل مثل هذه اللجان الحقوقية التي تبحث، وتحقق، وتلتفت وتدوّن، وتقرر، وتعلِن. رأينا مثل هذه الأمور في العديد من البُلدان تحدُث ويُوضَع لها العلاج. وما دامت الحوادث المريرة هي كما وقعت وكما ذكِرَت، فإن نتائج التقصِّي هي شبه حتمية في الانتصار لصاحب الحق، وبالتالي فلِمَ الشَّك. فلا يمنَعكُمْ سُوءُ ما تعلَمُونَ مِنَّا أن تقبَلُوا أحسَنَ ما تسمَعونَ منَّا كما قال بلال بن أبي بُرْدَة للبصريين عندما استحسنوا كلامه

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3222 - الأحد 03 يوليو 2011م الموافق 01 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 3:10 م

      رجاء

      انت استاذ محمد الاقدر علي الرد علي من يقول يريد التحقيق في من تضرر نفسيا

    • زائر 4 | 3:13 ص

      من المتضرر

      المثل الي يقول ضربني وبكى وسبقني واشتكى ينطبق بالفعل على البعض ولن ازيد

    • زائر 3 | 2:04 ص

      خالد

      نشكرك على مقالتك هذه وماذكرت فيهاء وخاصة في الشق الاعلامي التحريضي اليومي ...........

    • زائر 2 | 12:15 ص

      الضرر النفسي

      بل نريد أن يمتد نظر اللجنة نحو الضرر النفسي الذي سبَّبه البعض سواء بالوشاية أو التحريض الطائفي أو حتى التهكُّم من أحدٍ في لحظة مأساته

اقرأ ايضاً