بالطبع فإن هذا العنوان هو لسان حال المعاق. كلمات منتقاة وذات دلالات صريحة تجدها ماثلة أمامك على مدِّ البصر وأنت تقود سيارتك في هذه الأيام، حيث لوحات الإنارة المنتشرة بالشوارع الرئيسية في البحرين.
يعرف الجميع أن المعاقين فئة من المجتمع قد تصالحت مع نفسها أولاً، إذ أدركت أن لها حقوقاً إنسانيةً كاملةً تماماً كالأفراد الأسوياء، ولكن على ما يبدو أن ثمة مشكلة ترتبط بالذهنية الشرقية في مجتمعاتنا التي لا تزال تتعامل مع فئة المعاقين بمنطق الرعاية والعطف والشفقة وما إلى ذلك.
قد يُطرح السؤال الآتي: كيف لنا أن نتعامل مع هذه الفئة؟
الإجابة هي: وفق منظومة «حقوق الإنسان العالمية»، فعلى هذا الأساس يتم التعامل مع المعاقين وعموم الفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمعات المتقدمة، وأرى أن الوقت قد حان للانتقال من المنهج التقليدي السائد في مجتمعاتنا والذي يطلق عليه «المنهج الرعائي» إلى «المنهج الحقوقي»، والذي يعدُّ منهجاً متقدماً في فهم حقوق المعاق التي لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن مفاهيم حقوق الإنسان التي أجمعت عليها الدول والشعوب في العالم.
هذا التوجُّه عالمي بامتياز، وهو السبب وراء إطلاق وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) واللجنة العليا لشئون المعاقين مشروع «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة 2011 ـ 2012» والقائم على إيجاد بيئة صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز سبل الحماية الحقوقية من خلال إزالة جميع أشكال العوائق البنيوية والاجتماعية، والتي تحول دون مشاركتهم وإدماجهم في المجتمع، والتأكيد على الأطر القانونية بالتوافق مع الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة وفق مبادئ عدم التمييز واعتماد آلية تكافؤ الفرص.
في السنوات العشر الأخيرة حظيت فئة ذوي الاحتياجات الخاصة باهتمام بالغ من قِبل الدولة، كان آخر تلك القوانين ما صدر مؤخراً في 30 يونيو 2011 عن عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بشأن قانون رقم 22 للعام2011، بالتصديق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المرافقة لهذا القانون، هذا إلى جانب اهتمام السلطة التشريعية بغرفتيها، وتحديداً مجلس الشورى بهذه الفئة، من خلال الدور الفعال والنشط لمنيرة عيسى بن هندي.
وبالإيقاع ذاته على مستوى التشريعات عندما ننتقل إلى حقل التعليم، فلا عجب عندما نقرأ في المادة (5) من قانون 27 للعام 2005 بشأن التعليم أنه توجَّه إمكانات الوزارة البشرية ومواردها المادية لتحقيق أهداف السياسة التعليمية والتوجهات المستقبلية لتطوير التعليم، وتباشر مسئولياتها على أساس تنويع الفرص التعليمية وفقاً للاحتياجات الفردية المتنوعة للطلبة ورعاية الطلبة الموهوبين والمتفوقين وإثراء خبراتهم والاهتمام بالمتأخرين دراسيّاً وذوي الاحتياجات الخاصة بمتابعة تقدمّهم ودمج القادرين منهم في التعليم (راجع البند 10 من القانون).
كما صرحت في الأسبوع الماضي عميدة كلية الآداب بجامعة البحرين هيا النعيمي بتشكيل لجنة دائمة لدعم طلبة الاحتياجات الخاصة بالكلية، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح.
تعكف حاليّاً إدارة التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم على تطبيق مشروع «المعلم المساند»، وذلك بناءً على توجيهات وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي بتقديم البرامج والمشاريع التربوية الخاصة بالطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، والتوسع في برنامج دمج الطلبة المكفوفين في مدارس وزارة التربية بالعام الدراسي المقبل 2011 ـ 2012م، للتخفيف من الأعباء على المعلمين من جهة، ومراعاة للظروف الخاصة لهؤلاء المكفوفين من جهة أخرى.
قبل بضع سنوات كانت بعض الإدارات المدرسية تشتكي من عدم التعاطي الجاد من الوزارة مع المطالب التربوية لذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن على ما يبدو فإن الصورة قد تغيرت تماماً عن ذي قبل بحسب رأي الكثيرين من العاملين في هذا المجال، مستشهدين في ذلك بالزيارات الميدانية المتكررة لمسئولي إدارة التربية الخاصة بالوزارة للمدارس للوقوف على الاحتياجات والبرامج والأنشطة المقدمة لهذه الفئة.
تكاد تكون فترة الامتحانات واحداً من المؤشرات الدالة على مدى وعي والتزام بعض الإدارات المدرسية بالإرشادات والتعليمات الصادرة عن إدارة التربية الخاصة، إذ يعامل الطالب المعاق ـ وللأسف الشديد ـ وكأنه من الطلبة الأسوياء، وبذلك فإن ما ينطبق على الطالب السوي ينطبق على الطالب المعاق، حيث تتشدد هذه المدارس في عدم قراءة أسئلة الامتحانات لهؤلاء الطلبة من قِبل معلم المادة، في الوقت الذي يتطلب وجود مدرس المادة نفسها للإجابة عن أسئلة المعاق، فهناك لجنة التربية الخاصة في المدارس، والمكونة أساساً من المرشد الاجتماعي والمرشد الأكاديمي واختصاصي التربية الخاصة في المدرسة، والمعلمين الأوائل لرعاية الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة أثناء تقديم الامتحانات.
من اختصاصات هذه اللجنة تهيئة بيئة مناسبة خالية من الضوضاء والمثيرات السمعية والبصرية، بحيث تكون ذات إضاءة وتهوية جيدة، وتعزيز الثقة بالنَّفس وتشجيع الطلبة على الإنجاز، والتخفيف من رهبة الامتحانات بتوفير مُناخ نفسي مطمئن ومناسب.
المساندة التربوية مطلوبة لهذه الفئة، من حيث قراءة الأسئلة للطلبة بكل وضوح وتأنٍ، والتفكير جيداً قبل الإجابة وعدم التسرع، وتأجيل الإجابة عن الأسئلة التي يجد الطلبة فيها صعوبة، والبدء في الإجابة عن الأسئلة التي يتمكن منها، وحثّ الطلبة على كتابة الإجابة كتابة تامة وواضحة ودقيقة ومقروءة، ومراعاة تقديم أوراق الامتحان بالتَّدرج على دفعات إذا كانت أوراق الامتحان كثيرة، وأخيراً إعطاء وقت إضافي على زمن الامتحان، بحيث لا يتعدى الوقت الإضافي ساعة واحدة.
إلى جانب المساندة التربوية فإن المساعدات الخاصة الاستثنائية ضرورية هي الأخرى من قبيل قراءة المسائل اللفظية في الرياضيات للطلبة الذين لديهم صعوبة في القراءة.
ما نريده هو أن يكون المدخل المعرفي هو الأساس لاكتساب الحقوق، سواء بالنسبة إلى الأشخاص الأسوياء أو من ذوي الإعاقة، عملاً بمقولة «اعرف حقك لتدافع عنه».
لذلك أتمنى من الجميع التأمل في دلالات تلك اللوحات الجميلة بالشوارع جيداً، لأنها تعرض أطفالاً يتقاسمون الأنشطة التعليمية / التعلُّمية بكل محبة وألفة، ضمن استراتيجية تدريس حديثة ذات فعالية يطلق عليها «التعلُّم التعاوني»، تلك الاستراتيجية التي تؤكدها العبارة الآتية في اللوحة «من حقنا أن نتعلم معاً»، في فضاء تربوي يسمح لهم ممارسة جميع الأنشطة الصفية واللاصفية مع أقرانهم من الطلبة الأسوياء.
فهي دعوة لأن نتشارك معاً في عملية البناء والتنمية، فلا نريد لهذه الفئة أن تتعلم بمعزلٍ عن غيرهم من الطلبة الأسوياء، فلا خير في تعليم يوسع من دائرة الهوَّة بين الطلبة الأسوياء وذوي الاحتياجات الخاصة
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3221 - السبت 02 يوليو 2011م الموافق 30 رجب 1432هـ
مجرد رأي ..!
"في السنوات العشر الأخيرة حظيت فئة ذوي الاحتياجات الخاصة باهتمام بالغ من قِبل الدولة"
هناك درجة من الإهتمام ولكنه اهتمام متواضع جداً ، فهل يتخيل كاتب المقال والقراء أن هناك فئات من ذوي الإحتياجات الخاصة لايمكن استقبالهم في دور الرعاية أو في المدارس بسبب محدودية العدد اللإستيعابي!! وأن هناك قصور في مدى الدعم المقدم بحيث يمكن لطالب أن يندمج في مدرسة مهيئة تقدم له ما يعينه على الدراسة وتخطي الصعوبات التي يعيشها ...هناك وهناك وهناك امتهان للمعاق ولكن الحمد لله على كل حال
شكرا لك
شكرا على اهتمامك بقضية المعوقين. ألف شكر.