العدد 3220 - الجمعة 01 يوليو 2011م الموافق 29 رجب 1432هـ

أمة تشعر بالإهانة!

نوال السباعي comments [at] alwasatnews.com

.

في خضم هذا النقاش المحتدم على الساحتين الإعلامية والسياسية في المنطقة العربية حول الإرهاب وملابساته، ومسارعة الجميع دون استثناء يذكر لإدانته والتنديد به، والتملص من أي شبهة قريبة أو بعيدة قد تشي بأي نوع من أنواع مجرد السكوت عنه أو فهم الأسباب التي دفعت أصحابه إلى التكفير والتفجير في شرق الأمة وغربها.

في خضم هذه الفتن ينسى الجميع أن شباب الأمة اليوم يعيش حالة من اليأس المطبق، والإحباط المهلك، والإحساس بسدّ كل سبل الأمل والعمل والحرية في وجهه، والشعور العميق بالعجز والإهانة أمام ما يجري ساعة فساعة في فلسطين المغتصبة وفي العراق المعاد احتلاله.

في خضم هذا الحديث المتفجر عن الإرهاب والإرهابيين الذين هم أبناء هذه الأمة ودمها ولحمها وفلذات أكبادها الضائعين المضيعين، لا تجد حكوماتنا المجيدة إلا الحملات الكلامية التنديدية الشعواء، والتي ترافقها الحملات الأمنية بمعنى الاستخباراتية المتوحشة، ليس في بلادنا فحسب بل في طول العالم وعرضه، واسألوا سجون إسبانيا عن كل من زجت به حكومة مدريد السجن بحجة مكافحة الإرهاب دون ذنب جناه ولا تهمة وجهت إليه، ولا حتى مجرد اعتذار قدم إليه عندما أخلي سبيله... لأنه مجرد برئ.

شباب يشعر وكأنه يصّعد في أجواء خانقة تحيط به من كل حدب وصوب تمنعه التنفس والتفكير والحركة والحرية وبناء المستقبل والراحة والانتماء ومجرد الحق في أن يعيش كريماً وأن يموت بريئاً.

في خضم هذا النقع المثار بين من انبرى ممن يسمون أنفسهم أو تسميهم حكوماتنا وإعلامنا «رجال الدين» من الناشطين أبداً الجاهزين دائماً لإصدار جميع أنواع الفتاوى المناسبة في الأماكن والأزمنة المناسبة لمصلحة أولياء الأمر من بيدهم الموت والحياة والرزق والأجل من حكامنا الأشاوس الذين لا يريدون سماع دوي انفجار ولا حفيف قلم قريباً منهم أو من قصورهم التي يريدون أن يأووا إليها آمنين مطمئنين ليستأنفوا حياتهم الوادعة الحالمة فيها خلف أسوار عالية سميكة، صُنعت من الأسمنت والدمّ والخوف تحجبهم عن رعيتهم كما تحجب عنهم ما تعانيه هذه الشعوب من قرص الإهانات، ووجع الكرامة، وتضخم الذل، وتسرطن التفكير والتكفير، وأحلام الفرار والهجرة.

في خضم هذا الركض المحموم للركوب العشوائي لموجة «من لم يكن معنا فهو عدونا» وهذا التلهف المستميت للارتماء على النيران البوشية كفراشات حمقاء تهرول برقصة الموت متهالكة أمام من تظنهم أولياء نعمتها من المحتلين الذين عادوا إلينا من أوسع أبواب الوهن والإهانة والموات الذي تسببت به سياسات التأميع والتركيع التي نهجتها حكوماتنا العتيدة وهي تستبد بالعباد والبلاد خلال الأعوام الخمسين الأخيرة.

في خضم ذلك كله نفتقر اليوم إلى من يقف وقفة شريفة ويرفع صوته ليُدين الظلم والحرمان والتخلف القسري والقهر والاستبداد وتكميم الأفواه والعقول، وبنفس النشاط والحيوية التي يدين بها الإرهاب والإرهابيين... دون أن يسأل نفسه ولا أن يسأل حكامنا ولا مجتمعاتنا عن سبب تفجر هذا الإرهاب بهذا الشكل المفزع، ولا من المسئول عن هذه السلوكيات التي ينهجها شباب الأمة بعد أن سُدت في وجوههم كل الطرق دون استثناء.

إننا أمة تشعر اليوم بالإهانة بل وبأبلغ أنواع الإهانة التي عاشتها أمة قط، وإن الشعور بالإهانة يبلغ حداً يدفع بصاحبه أن يرتكب أبلغ أنواع الحماقات في محاولاته المستيئسة للانتصار لكرامته الجريحة!

إننا أمة انتُهك عرضها وسقطت في حالة تاريخية من الاكتئاب المخيف، وأصابتها النكسة تلو النكسة والهزيمة وراء الهزيمة، وذُبح أبناؤها ورُكّعت نساؤها، وبقيت واجمة تنتظر وعود حكامها لها بالوحدة والحرية والتحدي والتصدي والإعداد ليوم التحرير الذي جاءنا على ظهور مدافع ودبابات الدولة التي تدعم وتساعد وترفد الأفعى الصهيونية التي تضرب بها ومعها إسرائيل في أرضنا ذات اليمين وذات الشمال تلتهم الأكباد، وتشوي القلوب، ونحن نتفرج بانتظار قرارات الأمم المتحدة الممعوسة تحت أحذية جند منطق القوة، وسياسات التداعي على القصعة واقتناص الغنيمة حتى من قبل أن يتم الإجهاز على الذبيح.

إننا أمة تشعر اليوم بالإهانة المكعبة، لقد ضرب حكامنا بنا عرض الحائط ولم ينفعنا أن امتصوا دماءنا وأرزاقنا نصف قرن يدّعون التسلح لقتال العدو، لقد دخلت الولايات المتحدة وبريطانية العظمى أرضنا دون أن يُسمح للعرب حتى بالتظاهر في أرضهم، حيث تُركت هذه المهمة لشعوب العالم التي تظاهرت لا حُباً في العراق ولا دفاعاً عن العرب، ولكن لأنها شعوب تدرك أن ثمن إهانة الأمم سيكون باهظاً!

الأمم المهانة أمم جريحة في أغلى ما تملك في كبريائها وكرامتها وقلوب أبنائها تنزف دماً وليس لديهم ما يندمون على تركه وراءهم.

الأمم المهانة لا تعرف الصديق من العدو، ولا تستطيع التفكير بشكل سليم، ولا تحسن التعبير عن رأيها بما يليق بها، ولو كانت تحسنه ما سمحت لأحد بأن يهينها، لكنها رضيت بذل الاستعباد والاستبداد حتى هانت على الآخرين فعادوا إليها مستعمرين مستكبرين.

نعم... عادت إلينا «بريطانية العظمى» - كما تسمي نفسها - عودة الراعي إلى غنمه السائم، عادت إلينا باستكبار واحتقار واستعلاء لا يمكن معه لأي عربي على وجه الأرض إلا أن يشعر بالإهانة الأليمة، عادت إلينا في كنف أكبر قوة عسكرية عرفها التاريخ لتذيقنا مرارة الذل والمهانة... دفعت شباب الأمة إلى الذهول والاضطراب إلى درجة لا يستغرب معها أن نشهد مثل هذه التفجيرات التي هي أقرب مئة مرة إلى كونها مؤامرة منها إلى أن تكون جهاداً.

لا يوجد أحد اليوم ممن ندد وممن لم يندد إلا ويفهم بالضبط أبعاد هذه الأعمال الإرهابية وملابساتها وأسبابها، ومن أجل ذلك كان الواجب يقتضي أن نستوعب شباب الأمة لا أن نندد بهم ولا أن ندخلهم متاهات المخابرات والقمع والسحل النفسي الذي يدبر ضدهم في وضح النهار أينما وجدوا وحيثما حلوا، شباب يائس مستيئس يشعر بالإهانة البالغة التي لحقت أمته، دون أن يجد أحداً يشير بأصابع الاتهام إلى واقعنا المتفسخ المريض القائم على الهوان والذل.

إنني أندد وأدين سياسات حكامنا التي أوصلتنا إلى هذه الطرق المسدودة وتسببت في حالات هذا الخروج المجنون يأساً من أي تغيير يرجى، وإنني أتهم كل الزعامات الاجتماعية والسياسية والدينية التي عجزت خلال خمسين عاماً عن تربية الإنسان والجماعة وعن النهوض بالفرد والمجتمع، ولم تصنع إلا أن وسعت الهوة بين المواطن المظلوم والحاكم الظالم، وزادت أعداد الذين يشعرون بالقهر ويحسون بالإهانة ويزدردون العجز، فيندفعون نحو الموت ظانين شبه متيقنين أن عدوهم لا يجثم في أرض فلسطين فحسب، بل لقد تمدد سرطاناً يفتك بالأمة من أدنى شرقها إلى أقصى غربها

إقرأ أيضا لـ "نوال السباعي"

العدد 3220 - الجمعة 01 يوليو 2011م الموافق 29 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً