العدد 3217 - الثلثاء 28 يونيو 2011م الموافق 26 رجب 1432هـ

التيار الوطني الديمقراطي والمهمة غير المستحيلة (2)

محمود القصاب comments [at] alwasatnews.com

.

إن فهمنا لطبيعة شعب البحرين، ومعرفتنا بحجم ونوعية الميراث الوطني والسياسي الذي يحمله، نستطيع الجزم برفض هذا الشعب مثل هذه «الترسيمة» المخيفة وغير العادلة، بل والمحبطة أصلاً... والتي تعني في إحدى صورها وتجلياتها استمرار أزمتنا الراهنة بكل مخاطرها وتداعياتها الحالية والمستقبلية وهو ما يظهر تحدياً آخر أمام التيار الوطني الديمقراطي الخصم العنيد للطائفية وللاستبداد على حدٍّ سواء؛ ما يفرض عليه تأكيد حضوره وفاعليته ودوره المستقل، وإظهار تمسكه بكل ميراث وتقاليد الحركة الوطنية البحرينية، والعمل على تعبئة الشعب بكل مكوناته وفق منطلقات وطنية وديمقراطية ومواجهة الخيارات الطائفية وحملات التحشيد المذهبي، إذ ليس من المقبول أو المعقول أن يبقى هذا التيار مكتوف الأيدي متفرجاً على الأحداث وتطوراتها، دون أن يحرك ساكناً، وستكون أولى مهماته العاجلة عدم السماح - تحت أية ذريعة - لأصحاب هذه النوايا والاستراتيجيات المدمرة بأن يحددوا «خيارات» الوطن وأن يتلاعبوا بمصير المواطنين، من خلال الدفع بهم «عنوة» إلى زوايا خانقة ومظلمة، ليس فيها سوى المهانة والذل وسلب الإرادة...

ومما يضاعف من مسئولية قوى التيار الوطني الديمقراطي حجم وخطورة ما كشفته الأحداث منذ 14 فبراير/ شباط حتى وقتنا الراهن، وضياع فرصة تاريخية كان يمكن من خلالها إجراء إصلاحات سياسية ودستورية جذرية، لولا دفع الأمور نحو التأزيم والتصعيد، ومن ثم حضور العامل الإقليمي والدولي في قلب الأزمة، كل ذلك أدى إلى تعقيدها وتشتيت الجهود في مواجهتها، والنتيجة هي كما نرى ونلمس اليوم حيث انتهت كل تلك التطورات إلى وضع مأساوي عانت منه البحرين التي آلت إليه.

فنحن اليوم للأسف أمام مجتمع هش ومفكك، يعاني من ضعف المناعة الذاتية والوطنية، ويعيش خواءً تامّاً تتحكم فيه مكونات ونزعات دينية ومذهبية متطرفة، تقوده عقليات سلطوية متشددة، ولأن حضور العامل الخارجي كان قوياً فقد رأينا حضور منطق «التخوين» و «العمالة» وغياب الاستعداد للتضحية والتنازل وملاقاة الآخر على قاعدة المشاركة السياسية، ورأينا كيف تفجر كل المخزون الطائفي والمذهبي، الذي جرف في طريقه كل ما تبقى من حسٍّ وطنيٍّ واتزان سياسي؛ الأمر الذي زاد من صعوبة وحراجة الموقف بالنسبة إلى قوى التيار الوطني الديمقراطي.

وبالرغم من كل هذه الصعوبات وكما أكدنا في أكثر من مناسبة، على التيار الوطني أن لا يستسلم لهذا الواقع، وعليه الثبات على مواقفه ومواصلة نضاله دون كلل أو ملل لإبراز دوره كخيار أمثل في مواجهة أزمتنا الراهنة، والتأكيد على الهوية الوطنية الجامعة، وأن يكون أحد شعاراته في هذه المرحلة إجراء المصالحة الوطنية الشاملة والعمل بدون هوادة باتجاه هذا الهدف، ومطلوب منه في الوقت ذاته فضح كل حملات التشويه والإقصاء التي يتعرض لها هذا التيار، وكل عمليات النيل والإساءة التي تستهدف قيادته ورموزه السياسية والوطنية، وهي في مجملها حملات مسعورة وظالمة، وتفتقر إلى أبسط المعايير المهنية والأخلاقية، والتي للأسف مازالت مستمرة حتى الآن، أبطالها بعض «المراهقين» من الصحافيين وبعض «المهرجين» الإعلاميين، وتتقاسمها أطراف وجهات لا يجمع بينها سوى حقدها التاريخي على قوى هذا التيار، ومع إدراكنا لحجم الصعوبات والضغوطات التي يتعرض لها هذا التيار، فإننا على قناعة تامة بأنه يبقى الخيار الوطني القادر على إخراج بلدنا من محنته وتجنيبها مزيداً من الانقسام الطائفي؛ لذلك ندعو كل مكونات هذا التيار من قوى سياسية وشخصيات وطنية مستقلة، ندعوها إلى الإمساك بهذه الفرصة وأن ترمي بكل ثقلها وتجاربها الوطنية، وأن تستحضر كل ميراثها في العمل الوطني الديمقراطي من أجل إنجاح الحوار، وسيكون أحد أهم الطرق السالكة في هذا المجال التركيز على وطنية التوجه، ووطنية المواقف والمطالب داخل الحوار وفي حراكنا السياسي العام، لا يحدنا سوى سقف مصلحة الوطن، وانتهاج واقعية سياسية من خلال الموازنة الفاعلة لكل العناصر المؤثرة للخروج بأفضل الحلول الممكنة، مع الإصرار على إبراز كل الحقائق، وإعلاء صوت الحق والعقل والحكمة في مواجهة صوت الثأر والانتقام، وأن نكون حيث يكون شعبنا وإلى جانب مطالبه العادلة والمشروعة ودعم تحركاته السلمية، وعلينا حمل كل هذه المواقف والقناعات إلى داخل قاعات مؤتمر الحوار، وسوف نصر على أهمية وضرورة تهيئة الظروف أمام إنجاح الحوار من قبل الدولة، من خلال وقف كل الاعتقالات والملاحقات، وإطلاق سراح من لم توجه إليه أية تهمة، وسنطالب بضمان محاكمات عادلة لكل المعتقلين أمام القضاء وسندعو إلى إرجاع كل المسرحين من أعمالهم من الموظفين والعمال، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وسنطالب بإعادة النظر في قضايا الطلبة والمعلمين الذين تم فصلهم من مدارسهم دون وجه حق، وإيقاف كل التسريحات الجماعية، في أي موقع من مواقع الدولة.

فإن كنا حقاً نبحث عن مصلحة الوطن، ومصلحة شعبنا علينا جميعاً أن نتحرر من قمصاننا المذهبية الضيقة، والنظر إلى اللوحة الوطنية كاملة، ومن كل زواياها، بل علينا اليوم قبل غد انتزاع هذه اللوحة من أيدي بعض العابثين وبعض الحمقى الموتورين الذين يعملون تشويهاً وتخريباً في هذه اللوحة وعلينا أن نعرف الدرب الذي نسير عليه، قبل فوات الأوان

إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"

العدد 3217 - الثلثاء 28 يونيو 2011م الموافق 26 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً