وسط الحماس المتنامي لاستعادة الاقتصاد عافيته التامَّة بعد الأزمة الأخيرة، يتَّجه قادة الشركات في الشرق الأوسط إلى تجديد ثقتهم بالأسواق الناشئة كطريق للخروج من تبعات الأزمة والاستفادة من فرص النمو الواعدة في المنطقة، وهو اتجاه أصبح اليوم أكثر وضوحاً منه في الفترة الماضية.
هذه الثقة السائدة بين المديرين التنفيذيين في الشرق الأوسط تشير إلى اتجاه واضح ومشترك لقطاع الأعمال، يتمثل في تطوير استراتيجيات جديدة تناسب وتيرة الاقتصاد المتسارعة، إذ إنّ تغيير هذه الاستراتيجيات يتطلب اختيار توجهات جديدة لمختلف المسائل، ومنها الحوكمة والمخاطر والنمو والتقنية والموارد البشرية والمهارات، فضلاً عن عنصر الابتكار.
وثمة وسائل أخرى لتحقيق هذه التغييرات تتمثل في تفعيل الشراكات مع الحكومة وتعزيز المسئولية الاجتماعية للشركات، اضافة الى الوعي البيئي والعمل من أجل المنفعة العامة، غير أنّ العنوان العريض لها هو التفاؤل بمستقبل المنطقة وفرص النمو التي تزخر بها.
فضمن استفتاء حديث لنحو 1200 مدير تنفيذي في 69 دولة، أعرب نحو 68 في المئة من قادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط عن ثقتهم الكبيرة بالنمو المتوقع لأرباح شركاتهم خلال السنوات الثلاث المقبلة، وتجاوزت هذه النسبة بكثير توقعات المديرين الذين تم استفتاؤهم في مناطق أخرى من العالم.
وفي شكل عام، وعلى رغم الاضطرابات السياسية والتغيّرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، تستمر أسواق المنطقة في جذب الشركات الأجنبية المتخصصة في تطوير البُنى التحتية والطاقة والمرافق والمنتجات الاستهلاكية، إذ إنّ هذه التغيُّرات ستعزز نشاط القطاعات المذكورة على المدى المتوسط.
وتخضع هذه الاضطرابات والتغيُّرات حاليّاً لدراسة متأنِّية، وهي تظهر أنّها جاءت كنتيجة لعدم توافر فرص عمل لمواطني المنطقة، ومعظمهم من الشباب. فقد تجاوز معدَّل البطالة في دول الشرق الأوسط الـ10 في المئة، بينما وصلت هذه النسبة بين الشباب إلى نحو 30 في المئة في دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية والأردن وسورية.
وتحظى البنية التحتية للموارد البشرية وسبل تطويرها بأهمية بالغة في هذا الإطار، وثمّة دعوات متزايدة لوضع جدول أعمال مشترك مع الحكومات في المجالات التي تعتبر حيويّة وقابلة للازدهار. وعلى سبيل المثال، يعتبر التعاون المستمر بين القطاعين العام والخاص أفضل الطرق لمواجهة المسائل المتعلقة بكيفية تطوير المواهب في المجتمعات المحلية وتحسين البنية التحتية المتاحة فيها.
ويرى قادة الأعمال الذين تم استفتاؤهم ضرورة توفير مختلف الحوافز لجذب المواهب الشابة والاحتفاظ بها، مع التركيز على المكافآت المعنوية. كما يرون الحاجة إلى تغيير سياساتهم من أجل جذب عدد أكبر من النساء الى سوق العمل والحفاظ عليهم كجزء من النسيج العام للعمل، وتشجيعهم على الارتقاء بمسيرتهم المهنية إلى مستويات أعلى.
يلاحظ بأنّ النمو الاقتصادي خلال العقد الماضي لم يحدث أيّ تغيير في معدلات البطالة المرتفعة في المنطقة، إذ إنّ النمو الديموغرافي لسنِّ العمل ازداد بشكل كبير وتجاوز متوسِّط النمو الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، أدّت الرقابة التقليدية للحكومات على شرائح واسعة من الاقتصاد، إن عبر الشركاء المقرّبين أو عبر الشركات المرتبطة بالحكومة، إلى حصر المنافسة والفرص أمام الراغبين في دخول سوق العمل، بينما حافظت بعض الشركات على مستويات عالية من البيروقراطية غير المساندة للأعمال المؤسسية.
وقد أدركت بعض دول المنطقة أنّ التنويع الاقتصادي لن يحدث إلا إذا تم استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة، وهذا بدوره يتطلب وجود بيئة جاذبة وتشريعات ملائمة.
ولعلّ خطة المملكة العربية السعودية الخاصَّة بتعزيز تنافسيتها كوجهة للاستثمار، وكذلك المناطق الحرة المتنامية في دبي، تعتبر من الأمثلة التي يجب أن تحتذى في هذا المجال. وفي الواقع، أقرّ أكثر من نصف المديرين التنفيذيين بأنّ استراتيجيات شركاتهم شهدت تغييرات خلال العامين الماضيين، بينما أعرب ثلثهم عن حصول تغييرات كبيرة وجذرية، ما يشير إلى أنّ فترة ما بعد الأزمة هذه تشهد تحديد آليات عمل جديدة للشركات.
لكنّ هناك حاجة إلى مزيد من العمل من أجل الوصول إلى ثقافة وبيئة نشيطة مساندة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، فتأسيس مشروع أو عمل مَّا في المنطقة ليس بالمسألة السهلة على الإطلاق، نظراً إلى الإجراءات الخاصة التي تستغرق وقتاً طويلاً وتتسم بالصعوبة وعدم الفعالية والكفاءة، ما يثبط عزيمة الكثير من أصحاب المشاريع ولا يشجعهم على تأسيس أعمالهم. وفي الوقت ذاته، تبقى منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن أفضل الممارسات الدولية لتأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مثل الحصول على الائتمان وتصفية النشاط التجاري. وإضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات في المنطقة إلى إصلاح الأسس التنظيمية لإزالة العقبات والتكاليف عند التأسيس، وكذلك تصفية النشاط التجاري عند الضرورة، كما أنها بحاجة لتشجيع ريادة الأعمال بفاعلية أكبر من خلال توفير فرص تدريب لاكتساب المهارات المناسبة، إضافة إلى تقبّل «ثقافة» مخاطر العمل والفشل المحتمل الذي يمكن أن يحمله معه.
في الخلاصة، لن تتأثر الشركات فقط بتغييرات ما بعد الأزمة بمستوياتها المتعدِّدة، بل إنّ استثماراتها الموجّهة ستسهم في إعادة رسم أسس عمل جديدة. وهناك فرص كبيرة أمام هؤلاء الذين يدركون كيفية تغيير وجهة شركاتهم خلال هذه الفترة، ويبحثون بذكاء عن قيمة إضافية لأعمالهم في أسواق جديدة
إقرأ أيضا لـ "وارويك هانت"العدد 3203 - الثلثاء 14 يونيو 2011م الموافق 12 رجب 1432هـ