العدد 320 - الثلثاء 22 يوليو 2003م الموافق 23 جمادى الأولى 1424هـ

من معالم الفكر السياسي للشيخ القرضاوي

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

يمتاز الشيخ يوسف القرضاوي بتعدد المجالات والميادين التي يكتب فيها، فلم يدع فضيلته مجالا من مجالات الثقافة الإسلامية إلا وأسهم فيه بحظ وافر، فنراه يكتب في الفقه والأصول، وعلوم القرآن والسنّة، والسياسة الشرعية والفقه السياسي، والاقتصاد الإسلامي، كما يكتب عن الحضارة والمعرفة، وفقه الدعوة والتربية، والأدب، والتراجم.

إن هذا التنوع ما هو إلا ترجمة عملية ميدانية للفكر الذي يتبناه شيخنا الفاضل، وهو الفكر الذي يعتبر الإسلام دينا شاملا يغطي جميع ميادين الحياة، وهو ما تعلمه من شيخه الإمام الشهيد حسن البنا رحمة الله عليه، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث. وللشيخ آراء وفتاوى في مجال الفقه السياسي والسياسة الشرعية، تمثل زادا غنيا ومهما للحركات والمجتمعات الإسلامية المعاصرة، وقد استخلصتها من بعض مؤلفاته التي خصصها، أو خصص أجزاء منها لهذا المجال المهم من مجالات الفكر الإسلامي، والتي أهمها المؤلفات الآتية:

السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها.

من فقه الدولة في الإسلام.

فتاوى معاصرة (المجلدين الأول والثاني).

الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا.

المسلمون والعولمة.

الإسلام لا يكون إلا سياسيا!

ينتقد الشيخ بعض التعبيرات التي شاعت في السنوات الأخيرة على ألسنة وأقلام بعض العلمانيين والمتغربين من اليسار واليمين، من مثل تعبير «الإسلام السياسي»، للإيحاء بأن الإسلام لا دخل له بالسياسة، وإنما هو عبادات وسلوكيات وروحانيات، وأن الدعاة الإسلاميين إنما يخلطون الدين بالسياسة لأغراض دنيوية ومكاسب سياسية! فيعلنها القرضاوي صريحة مدوية: أن الإسلام الحق - كما شرعه الله - لا يمكن أن يكون إلاّ سياسيا، وإذا جردت الإسلام من السياسة، فقد جعلته دينا آخر، أما الإسلام فلا. وذلك لسببين: الأول، أن للإسلام موقفا واضحا، وحكما صريحا في كثير من الأمور التي تعتبر من صلب السياسة، فالإسلام له قواعده وأحكامه وتوجيهاته في سياسة التعليم والإعلام والتشريع والحكم والمال والسلم والحرب وكل ما يؤثر في الحياة، ولا يقبل أن يكون صفرا على الشمال، أو أن يكون خادما لفلسفات أو أيديولوجيات أخرى. والسبب الثاني، أن شخصية المسلم، كما كوّنها الإسلام وصنعتها عقيدته وتربيته، لا يمكن إلاّ أن تكون سياسية، إلاّ إذا ساء فهمها للإسلام. فالإسلام يضع في عنق كل مسلم فريضة اسمها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يعبر عنها بعنوان: النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، وهي التي صح في الحديث اعتبارها الدين كله «الدين النصيحة» (رواه مسلم عن تميم الداري).

الإسلام والديمقراطية

يعتبر القرضاوي أن جوهر الديمقراطية يتفق مع الإسلام، بل أن الإسلام قد سبق الديمقراطية بتقرير القواعد التي يقوم عليها جوهرها، ولكنه ترك التفصيلات لاجتهاد المسلمين، وفق أصول دينهم، ومصالح دنياهم. فميزة الديمقراطية أنها اهتدت خلال كفاحها الطويل مع الظلمة والمستبدين، إلى صيغ ووسائل تعتبر إلى اليوم أمثل الضمانات لحماية الشعوب من تسلط المتجبرين، وإن لم تخل من بعض المآخذ والنواقص، التي لا يكاد يخلو منها عمل بشري. ومن القواعد الشرعية المقررة عندنا في الإسلام: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن المقاصد الشرعية المطلوبة إذا تعينت لها وسيلة لتحقيقها، أخذت هذه الوسيلة حكم ذلك المقصد. ويؤكد القرضاوي فيما يتعلق بموقف الإسلام من الديمقراطية، أن نأخذ منها أساليبها وآلياتها وضماناتها التي تلائمنا، ولنا حق التحوير والتعديل فيها، ولا نأخذ فلسفتها التي يمكن أن تحلل الحرام، أو تحرم الحلال، أو تسقط الفرائض.

نعم للأحزاب... ولكن!

يقول الشيخ بعدم وجود مانع شرعي للحياة الحزبية داخل الدولة الإسلامية، بل إن التعدد الحزبي قد يكون ضرورة في هذا العصر، لأنه يمثل صمام أمان من استبداد فرد أو فئة معينة من أن تتسلط على سائر الناس. ويعتبر الشيخ أن تعدد الأحزاب في السياسة كتعدد المذاهب في الفقه. ويقول: إن التعدد المشروع هو: تعدد الأفكار والمناهج والسياسات، يطرحها كل فريق مؤيدة بالحجج والأسانيد، فيناصرها من يؤمن بها، ولا يرى الإصلاح إلا من خلالها. ويرفضها من يرى الصلاح أو الأصلح في خلافها. ويضع الشيخ شرطين أساسيين لتكتسب الأحزاب الشرعية: الأول، أن تعترف هذه الأحزاب بالإسلام، ولا تعاديه أو تتنكر له، وإن كان لها اجتهاد خاص في فهمه، في ضوء الأصول العلمية المقررة. والشرط الثاني: ألا تعمل لحساب جهة معادية للإسلام ولأمته، أيا كان اسمها وموقعها.

المرأة تنتخب وتترشح

يؤكد القرضاوي الحقوق السياسية للمرأة، ويجيز لها أن تشارك في التصويت والترشح للانتخابات النيابية، فالمرأة إنسان مكلف مثل الرجل، وكل خطابات الشارع الحكيم تشملها، إلا ما دل دليل معين على أنه خاص بالرجال، فإذا قال الله تعالى: «يا أيها الناس» أو «يا أيها الذين آمنوا» فالمرأة داخلة فيه بلا نزاع. ولهذا لما سمعت أم المؤمنين أم سلمة (رض) النبي (ص) يقول: أيها الناس، وكانت مشغولة ببعض أمرها، هرعت لتلبية النداء، حتى استغرب بعضهم سرعة إجابتها، فقالت لهم: أنا من الناس!

ويرد الشيخ على الذين حرموا المشاركة السياسية للمرأة بحجة (سد الذرائع)، فقالوا إن المرأة عندما ترشح للبرلمان، ستتعرض في أثناء الدعاية الانتخابية للاختلاط بالرجال، وهذا حرام.

يقول الشيخ: «لا شك أن سد الذرائع مطلوب، ولكن العلماء قرروا أن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، وقد يترتب عليها ضياع مصالح كثيرة، أكبر بكثير من المفاسد المخوفة». ويذكّرنا الشيخ أن المرأة قد يكون لها من البصيرة وحسن الرأي والتدبير في شئون السياسة والحكم ما يعجز عنه كثير من الرجال، ويستشهد بالتاريخ الإسلامي الذي يخبرنا على سبيل المثال، أن عمر بن الخطاب (رض) أصدر قوانين أو قرارات، عدل عنها، بعد مشاورة المرأة وأخذ رأيها، كقانون عدم تغيب الزوج في الجيش عن زوجته أكثر من ستة أشهر، وكذلك قانونه الذي فرض به عطاء لكل مولود في الإسلام، بعد أن كان لا يفرض إلا لمن فطمته أمه، وكعدوله عن تحديد المهور بحد أقصى، بعد مناقشة إحدى النساء له!

الشورى واجبة

يقول القرضاوي بوجوب الشورى على ولي الأمر، فإن الله تعالى أمر بها رسوله (ص) فقال: «فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر» (آل عمران : 159)، ووصف الله تعالى مجتمع المؤمنين بجملة من الصفات الأساسية منها الشورى، قال تعالى: «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون» (الشورى : 38). ويعتبر الشيخ أن الشورى ملزمة للمسئول ، ابتداء من مسئولية الدولة إلى الجمعية أو مجلس الإدارة أو نحوه .

الليبرالية والاشتراكية جنتا على أمتنا

على رغم الثمار الكثيرة المباركة للصحوة الإسلامية، فإننا لا نزال نعيش حال التخلف السياسي والاقتصادي البيّن، ومازلنا في آخر الركب، نسعى لإيجاد الحلول الناجعة لأدوائنا المادية والمعنوية.

يعتبر القرضاوي الحل الإسلامي القرآني هو الحل الطبيعي والأصيل، النابع من ضمير الأمة وعقيدتها وتراثها. أما الحلول المصطنعة من ليبرالية واشتراكية وماركسية، فلن نجد فيها ما يسد الجوع، ويبرئ الأسقام. وإن من الأسباب الرئيسية لإخفاق هذه المذاهب المستوردة في تقديم الحلول الناجعة لمشكلاتنا خلوها من العنصر الروحي، بل إغفالها له إغفالا مقصودا، بإعراضها عن الله، ورفضها الاهتداء بهداه.

كما أن هذه المذاهب هي بذر وضع في غير تربته، وفي غير مناخه الملائم له، وهي وليدة ظروف وتاريخ ومشكلات خاصة بالحضارة الأوروبية بشقيها.

العولمة استعمار جديد

يقول الشيخ القرضاوي إن العولمة التي تطرح اليوم، إنما تصب في النهاية لصالح الأقوياء ضد الضعفاء، والأغنياء ضد الفقراء، ولمصلحة الشمال ضد الجنوب الفقير. ويعتبرها وجها جديدا للاستعمار القديم. فالعولمة السياسية هي إخضاع الجميع لسياسة القوة العظمى، والقطب الأوحد في العالم اليوم - الولايات المتحدة الأميركية - والعولمة الاقتصادية ما هي إلا لتكريس الهيمنة السياسية، وضمان التبعية. أما العولمة الثقافية فهي في نظر شيخنا أشد ألوان العولمة خطرا، فهي عبارة عن فرض ثقافة الأمة القوية الغالبة على الأمم الضعيفة المغلوبة، فهي عولمة تريد أن تسلخنا من جلدنا، وأن تنزع منا هويتنا، وأن تنشر بيننا (معلباتها) الثقافية الملوثة. وأخيرا، يؤكد الشيخ أن المشروع الطموح هو مشروع الأمة الإسلامية في هذا القرن الجديد، لتؤدي بعض واجبها نحو دينها...

ويتساءل: إن الإسلام له مليار وثلث مليار ينسبون إليه، ويحسبون عليه، ولكن كم من هؤلاء نعتبره من رجال الإسلام، ومن جنود الإسلام؟

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 320 - الثلثاء 22 يوليو 2003م الموافق 23 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً