يأخذ الكيان الصهيوني حريته في تهويد ما تبقّى من القدس، ويمضي قدماً في زحفه الاستيطاني داخل الضفّة الغربية، بعدما حصل على الجائزة من الإدارة الأميركيّة أثناء زيارة رئيس وزراء العدوّ لواشنطن، هذه الزيارة التي تحدّثت عنها صحف العدو بأنّها انتصار كبير لنتنياهو، حيث حصل على تفويضٍ أميركي جديد له بالمضي قدماً في تغيير الواقع الميداني على ما تبقّى من الأرض الفلسطينية داخل حدود العام 1967.
إنّنا من خلال ذلك، ندعو كلّ الذين لا يزالون يراهنون على دعم أميركا لحقوق الشعب الفلسطيني ودولته المستقلة، أن لا يراهنوا على ذلك، فأميركا كانت وستبقى تنظر إلى المنطقة بعيون إسرائيلية، ما يدعو كلّ الشعب الفلسطيني إلى تأكيد الوحدة الفلسطينية وتعميقها وتهيئة الذّات لمواجهة الاستيطان.
إنّنا في ذكرى الخامس من حزيران (يونيو) في هذا العام، حيث يزداد العدوّ ضراوةً وطمعاً في كلّ الأرض، ندعو إلى عدم الرّهان على دولة فلسطينية لا في أيلول (سبتمبر) ولا في غيره، وإن وُجِدَت فستكون مسخاً لا تغني الشعب الفلسطيني ولا تسمنه، بل أن يكون الرهان على قوَّة الشعب ووحدته وتلاحم مجاهديه، وعدم السّقوط أمام كلِّ الواقع الصعب الذي نعاني منه.
وعلى هذا الأساس، ندعو إلى أن يكون هذا اليوم، يوم تأكيد الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية والإسلامية والمستضعفين، على حقوق الأمّة في كلّ فلسطين، ومحطة جديدة للانتفاضة على نكسة الماضي، تمهيداً للصناعة الواقعية للأمل الكبير في المستقبل.
وفي هذه الأجواء، لا بدّ من التنبّه مما أطلقته قمّة الدول الصناعية الثماني من قرارات، بدأت بممارسة نوع جديد من الوصاية على المنطقة العربية والإسلامية، مستفيدةً من نقاط الضعف التي برزت بعد الثورات والتحرّكات العربية، لتُشكّل المنطقة وفق خططها التي أعدّت أو التي يجري الإعداد لها، للهيمنة مجدّداً على المواقع الاستراتيجية والثروات النفطية، بقفّازات سياسية حريريّة في مكان، وحديديّة في مكان آخر.
إنّنا، وأمام هذه المعطيات، ندعو كلّ الأحرار في المنطقة، كما ندعو الشعوب العربية، إلى التنبّه لمخاطر الخطّة الغربية الجديدة الساعية إلى تهويد فلسطين بالكامل، والداعية إلى تناسي كلّ ما يجري في فلسطين المحتلة من تهويد واعتقال وسفك للدماء الفلسطينية، وتسليط الأضواء على ما يتحدّثون عنه من انتهاك لحقوق الإنسان في هذا البلد العربي أو ذاك، وكأنّ حقوق الإنسان الفلسطيني ليست مدرجةً في اهتمامات من يسمّونهم الكبار، وكأنّ أطفال فلسطين ونساء فلسطين ومعتقلي فلسطين ليسوا بشراً كبقيّة البشر وأرواحاً كبقيّة الأرواح... أو أنّ الخطّة تقضي بتجاوزهم في كلِّ مرحلة، حتّى لا يشعر الصهاينة بالانزعاج، وحتى تبتعد عنهم كلّ لجان التحقيق الدولية التي تهاوت تباعاً على أبواب فلسطين المحتلة، ويراد لها ألا تقترب مجدّداً مع الإعلان عن قافلة جديدة لأسطول الحرية التركي، وسط تهديدات رئيس أركان جيش العدو بالتصدي له ومنعه من الاقتراب من غزَّة مجدّداً.
ونحن نشعر - أمام ذلك كلّه - بأهميّة الخطوة المصريّة في فتح معبر رفح، لكسر حلقة الحصار المستمرّ منذ سنوات على قطاع غزّة، ولإشعار العدوّ بأنّ الأمور قد تغيّرت فعلاً على الجبهة المصريّة، وأنّ مصر الثورة باتت في الموقع الطبيعي الذي تتحمّل فيه مسئوليّتها تجاه الشّعب الفلسطيني والأمّة كلّها. وهذا ما نريده لكلّ الثورات العربية.
أمّا سورية، التي أطلَّت على مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح، في الخطوات الأخيرة التي اتّخذها الرئيس الأسد، فقد أعطت الانطباع بأنَّ ثمَّة صفحةً جديدةً قد بدأت، من خلال شمول قرار العفو المعتقلين السوريين، والإطلالة من خلال ذلك كلّه على فرصة حقيقيّة لتوازن داخليٍّ قائم على مواجهة الفساد وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقَّه، وهو الأمر الذي يحفظ الموقع السوري الحصين داخلياً، والممانع خارجياً في مواجهة العدو الصهيوني.
ونحن في الوقت الذي نرحّب بدعوة السّلطة في البحرين إلى حوار وطني جامع، نرى أنّ الحوار الوطنيّ يحتاج إلى مقدّمات عمليّة حقيقيّة، أهمّها أن يكون جدياً وصادقاً ومسئولاً، ويمهّد لبناء بحرين جديدة يشعر فيها الشعب بحرّيته وكرامته ووحدته.
وعلينا أمام ذلك كلّه ألا ننسى أفغانستان، التي ترتكب فيها قوّات الاحتلال الأميركيّ المزيد من المذابح، فتقتل عشرات المدنيّين من بينهم الأطفال، زاعمةً أنَّها تلاحق عناصر طالبان، في الوقت الذي يُقدِّم الرئيس الأميركي نفسه كشخصية عالمية معنيّة بملاحقة كلِّ من ينتهك حقوق الإنسان في العالم، فيما تؤكّد الوقائع أنّ أميركا «أوباما» لا تختلف عن أميركا بوش، وأنّها تمثّل النّموذج الأخطر لانتهاك حقوق الإنسان، وممارسة أبشع أنواع الإرهاب في العالم.
أمَّا لبنان، الذي دخل في الفراغ الحكومي من بوّابة الشهر الخامس، والذي بدأت نُذر المنطقة توحي بأنَّه قد يكون الضحيَّة الفعليَّة لهذا الإصرار الغربي والأميركي على العبث بالساحة العربية، فإنَّنا نخشى فعلاً أن تدخل الأجهزة المخابراتيّة العاملة لحساب العدوّ وحساب المحاور الاستكباريَّة على خطّ الخلاف السياسي الحادّ والانقسام الداخلي، للعبث بأمن البلد وإشعال نيران الفتنة فيه مجدَّداً.
إنّنا في الوقت الذي نحذّر المسئولين من الاستمرار في انتهاج سياسة إدارة الظّهر للقضايا القانونيّة المستجدّة، والمشاكل الحياتيَّة المتفاقمة، ندعو الجميع إلى عدم الانجرار إلى أيَّة خطوة انفعاليّة قد تستغلّ لحساب الآخرين، وتوظّف لمصلحة المستكبرين.
أيّها المسئولون، أيّها المعنيّون، إنَّ العدوّ يهدِّد ويتوعَّد باستهداف البلد مجدَّداً، متذرِّعاً بالمظاهرات التي قد تنطلق في الخامس من حزيران (يونيو)، ما يتطلّب منكم أن تحصّنوا البلد لمواجهة العدوّ في أيَّة خطوةٍ عدوانيَّة جديدة قد يسعى من خلالها لخلط الأوراق في الساحة كلِّها، حتّى لا يتحوّل مجدَّداً ساحةً للآخرين يتلاعبون بمصيره لحساب مصالحهم، حيث لا يزداد اللبنانيّون إلا ديوناً جديدةً، واكتواءً بنار حروب الآخرين عليهم، فإذا لم تكن كلّ الظّروف المحيطة بالبلد كافيةً لتحرّك كلّ الواقع السياسي لاستعجال حكومة أو لتقوية المناعة الداخليّة، فأيّ أمر بعد ذلك ينتظره المسئولون؟
إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"العدد 3192 - الجمعة 03 يونيو 2011م الموافق 02 رجب 1432هـ