العدد 3190 - الأربعاء 01 يونيو 2011م الموافق 29 جمادى الآخرة 1432هـ

يوم للتسوق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل يومين بَدَا لي أن الأصل في التفكير هو العقل وليس الجنون. صدِّقوني. فهذا القول ليس بديهة أبداً أو من المسلـَّمات إذا ما وضعناه في سياق أزمة اجتماعية كالتي نعيشها. فقد أفهمتنا الظروف أن العقل يغيب وسط الصراخ ليحل محله الجنون بكامله. لكن (وكما قلت) تتبيَّن للمرء أحياناً أشياء يحسبها ماتت لكنها باقية ببقاء العقل سيِّداً في النهاية.

عندما كتبت عن جاهلية مقاطعة المحلات التجارية على أسس مذهبية وَرَدتني تعليقات خاصة لا حصر لها. مصدرها متنوع في جِنسه (رجال/ نساء) وانتمائه المذهبي (سُنَّة/ شيعة). أهم ما فيها هو إجماعها على مخالفة المقاطعة. حَمَدتُ الله على ذلك حمداً لا انقطاع له. فليس بالضرورة أن ترى مُؤيِّدين لما تكتب بقدر ما ترى مُؤيِّدين للأفكار السليمة.

اتفقت مع صديق لي أن نقوم بمشروع شخصي يقوم على مخالفة دعوات المقاطعة بشكل عملي يجمع بين السلوك والفولكلور. قوامه أن نخصص لنا يوماً نَجُوبُ فيه المحلات التجارية شراء وتبضعاً كيفما اتفق. بالتأكيد لم يكن لدينا في السابق أي سلوك غير ذلك لكنه كان سلوكاً عذرياً ووفق السليقة التي لم تكن تحتوي على إنزيم يُسمَّى مقاطعة.

ليس ذلك من المزاح في شيء، وإنما هو فقء لعين الفتنة. كان الكاتب البولندي/ الألماني غابرييل لاوب يقول: الكسول هو من لا يكلف نفسه عناء تبرير كسله. فإذا كان الجميع يُحملق في هذا واقعنا المزري وفي التناحر الاجتماعي ويكتفي بذلك فهو يُمارس أقصى أنواع السلبية. على الجميع أن يُبادر. وحين يُبادر سيرى أن القاطرة ستأخذه إلى الجادَّة يُساعده في ذلك كَمٌّ بشري هائل يلفـُّه الصمت لكنه مكنوز بالإيجابية الذاتية التي قد تتحرَّك إذا ما تحركت المقدمة.

تحرَّكت الميثاقية في بريطانيا من مبادرات من وليام لوفيت وفيرغوس أوكونور. واستيقظ العالم مبهوراً على مبادرة أحد البرابرة الأجلاف وهو جيمس نازميث حتى أصبح الاندفاع الاجتماعي والعلمي نحو التطور نتيجة مبادرات لم يستسلم أصحابها إلى الصمت لتجد أوروبا نفسها وهي تقضي على ثقافتها القروسطيته التي أنهكتها وشعوبها إلى غير رجعة.

مشكلة البحرينيين أنهم يعتقدون بأنهم يعيشون في أكثر من 750 كيلومتراً مربعاً وهذا الأمر غير صحيح. لقد تقابلوا في الخصومة وبالغوا فيها. وعندما تقابلوا تناجزوا ثم تثاخنوا في الجراح حتى كَلَّت مُتونهم من ضرب الرَّاحات. لم يكتشفوا أن ما فعلوه بأنفسهم هو من صفات الجيوش المتعادية فقط، التي إذا اصطكَّت أسِنَّتها ثم وضعت حربهم أوزارها كرُّوا راجعين إلى مضاربهم البعيدة في الشرق والغرب، لا يُقرّبهم إلى بعضهم سوى مصالح السياسية.

أما نحن البحرينيين فأمرنا مختلف. فحين تخرج من عنق المحرق حيث جسر الشيخ عيسى لا تحتاج إلى أكثر من دقائق معدودة لترى نفسك بالقرب من قرى الشمال، ثم دقائق أخرى فتجد حالك في تماس مع حوافّ مدينة حمد ثم قرى الغرب. وعندما تخرج من جسر سترة تستقبلك أم الحصم وبعدها المنامة بما فيها من تسميات. في المساء نختلي في مضاجعنا، وعندما نستيقظ في الصباح الباكر حتى ساعات الظهيرة نتجاور في مكاتب الأعمال ومقاعد الدراسة ودكاكين التجارة. هذا هو واقعنا وهذه هي جغرافيتنا التي حدّدت لنا من نحن وكيف نعيش.

كان عالم الفيزياء الألماني ألبرت أينشتاين يقول: ما يهمني أكثر من الماضي هو المستقبل، حيث أنوي العيش فيه. وهذا هو الصحيح. فإذا ما لوَّثنا حاضرنا ومستقبلنا فماذا سنورِّث لأبنائنا من حِمْل. على الجميع أن يعِي هذا جيداً وإلا ستلعننا الأجيال القادمة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3190 - الأربعاء 01 يونيو 2011م الموافق 29 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً