غداً يتم رفع قانون السلامة الوطنية، وقد بدأ الجميع بطرح سؤال: وماذا بعد قانون السلامة الوطنية؟
منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط وحتى الآن ولانزال مستمرين، عشنا ونعيش ويعيش معنا الوطن ظروفاً عصيبة.
ما قبل الأحداث وخلال الأحداث وما بعد الأحداث التي عاشها الوطن منذ الرابع عشر من فبراير وحتى الآن، كل ذلك أظهر وكشف الغطاء عن أن هناك موتورين كثر، وإذا أردنا أن نكون موضوعيين فإن كل الأطراف لم تخلُ من هؤلاء الموتورين، وإن تفاوت العدد والنوع عند كل طرف.
ماذا نأمل من القوى السياسية بعد رفع حالة السلامة الوطنية؟
مثلما نأمل من السلطة السياسية أن تقوم وتقدِّم وتعمل... الخ، كذلك نأمل من القوى السياسية، ممثلة في جمعياتها (الأحزاب) وشخصياتها الوطنية المستقلة.
ونقصد هنا بالقوى السياسية تلك القوى التي اختارت لنفسها اسم الجمعيات المعارضة. فماذا نأمل من هذه القوى بعد رفع حالة السلامة الوطنية؟
1- لا شك أن الجمعيات السياسية منفردة مطالبة وعلى وجه السرعة ومن دون تباطؤ بأن تقوم بدراسة تجربتها في العمل السياسي خلال العقد الماضي بكامله مع تخصيص مساحة خاصة لتجربتها في الأحداث الأخيرة التي شهدها الوطن منذ الرابع عشر من فبراير وحتى هذه اللحظة، نظراً إلى التداعيات الخطيرة التي رافقت تلك الأحداث وما أعقبها، وخاصة تأثيراتها على صعيد وحدة لحمة أبناء الوطن.
يجب على هذه القوى عدم تزيين نفسها، بل عليها مصارحة النَّفس بشفافية عالية لتقف على أخطائها وأن تعلن تلك الأخطاء من دون مواربة ومن دون خوف أو وجل؛ ذلك هو ما سيعزز صدقيتها. لتصل إلى وضوح لتصوراتها المستقبلية، بما يؤدي إلى وضع برنامج وطني شامل.
2- على صعيد الجمعيات السياسية، لا بد لي من أن أفرد بنداً خاصّاً لقوى الإسلام السياسي الشيعي، وخصوصاً جمعية الوفاق الوطني الاسلامية منها، لما تمثله هذه الجمعية من قوة تمثيل، فهي التي مثلت أكبر كتلة نيابية في المجلس المنتخب، وهي التي انسحبت من المجلس، وبالتالي أصبحت هي المعنية في الأساس بالانتخابات التكميلية قبل غيرها.
فما هو المطلوب والمتوقع منها؟ باعتقادي المتواضع، ومع تحفظاتي على نشوء جمعيات الإسلام السياسي ذات البنية الطائفية سواء منها السنية أوالشيعية؛ حيث إن هذه الجمعيات ذات البنية الطائفية بإرادتها أم بغير إرادتها ساهمت في شق صفوف المجتمع وبما أدى إلى التخندق الطائفي، وبها تمت طأفنة العمل الوطني، وها نحن الآن نعيش التداعيات الخطيرة التي أحد أسبابها هذه التكوينات ذات البنية الطائفية. نأمل من قوى الإسلام السياسي الشيعي وفي مقدمتها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية أن تبدأ بالقبول الطوعي لتقليص مساحة استحقاقاتها الذاتية لصالح مجموع مساحة استحقاقات العمل الوطني الموحد.
3- ماذا نأمل من الجمعيات السياسية (المسماة بجمعيات المعارضة) والشخصيات الوطنية المستقلة؟ بعد أن تتدارس الجمعيات السياسية تجربتها خلال العقد الماضي وخصوصاً التجربة المكثفة منذ الرابع عشر من فبراير وحتى الآن بشكل مستقل، عليها أن تتداعى جميعها ومعها الشخصيات الوطنية المستقلة لتتدارس النتائج التي توصل إليها كل فصيل، ليتوصل المجتمعون إلى القواسم المشتركة، تمهيداً للوصول إلى شكل وطني موحد من الجمعيات مجتمعة والشخصيات الوطنية، وليكن ذلك على غرار هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات، ليكون هذا الجسم بعيداً كل البعد عن البنية الطائفية، وكذلك عن البنية الحزبية الضيقة، ومثلما قلت سابقاً إن المطلوب من الوفاق خصوصاً أن تقلص مساحة الاستحقاق الطائفي لصالح مجموع العمل الوطني الموحد، وهنا كذلك على جميع مكونات التجمع المقترح أن تقلص مساحة تواجدها المنفرد لصالح مجموع العمل الوطني الموحد، بذلك نأمل في وجود هذا الجسم الموحد، الذي لا يمكن لأحد أن يوصمه بالطائفية برنامجاً وتكويناً، ويكون هو الممثل الوحيد في أية حوارات مع بقية القوى السياسية ومع السلطة السياسية.
4- لا بد لهذا التجمع من أن يعلن لمجموع شعبنا موقفاً نقديّاً لتجربة العمل الوطني خلال الأحداث الأخيرة، وأن يكون البرنامج الوطني الذي يتوصل إليه هو بوصلة العمل في الفترة المقبلة، وفي هذا السياق لابد لهذا التجمع وبشكل واضح لا مواربة فيه من أن يضع حدّاً للعلاقة مع أي مكون متطرف مهما تكن هناك قواسم مشتركة في قضايا غير مختلف بشأنها مع هذا المكون، وعلى من يتخذ ويمارس موقفاً متطرفاً أن يتحمل نتائجه منفرداً، وألا يُسمح له بسوق مكونات شعبنا إلى تلك المواقف.
5- وعلى صعيد العلاقة بين هذه القوى والقوى السياسية الأخرى من جمعيات سياسية وتجمع الوحدة الوطنية، لا بد من الإقرار والتعامل مع حقيقة أن هذه الجمعيات وتجمع الوحدة الوطنية، ومهما تكن درجات الاختلاف معها، فإنها مكون أساسي موازٍ ومعادل في الكفة لمكونات الجمعيات السياسية (المسماة بالمعارضة) ومعها الشخصيات الوطنية المستقلة القريبة منها؛ لذلك ومهما تكن القناعة لدى أي طرف بأنه يحمل مطالب محقة، فإنه لا يحق لأي منها التفرد بموقف يثير حفيظة الآخر ويساهم في تفتيت مكونات الوطن والإصرار غير المنطقي على ذلك لموقف الطرف الآخر، بل يجب على الجميع بناء علاقات ندية مبنية على تفهم كل طرف للطرف الآخر واحترام تصوراته وأخذها في الاعتبار.
وماذا نأمل من تجمع الوحدة الوطنية والجمعيات السياسية المنضوية تحت مظلته؟
على رغم المرارة التي نشعر بها، والتمزق الذي أصاب المجتمع جراء الأحداث الأخيرة، فإن من الإيجابيات التي تسجل أن تلك الأحداث حركت مياهاً راكدة وجعلت مجموع الناس تتفاعل مع أحداث الوطن ومطالب الناس، بحيث أصبح الجميع أصحاب موقف، سواء اختلفنا مع تلك المواقف أو بعضها أو اتفقنا.
ومثلما لدينا تحفظاتنا على التكوينات السياسية ذات البنية الطائفية في المكون الشيعي، فإننا بالمثل لا ننفي مثل تلك التحفظات على التكوينات السياسية ذات البنية الطائفية في المجتمع السني، فكلا التكوينين وجهان لعملة واحدة، كلاهما برغبة منه أو من دون رغبة ساهما ويساهمان في إفرازات طائفية مقيتة تضر بالعمل الوطني وبالوطن، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة وتثبت أن ما نذهب إليه صحيح. إننا نتعامل مع واقع قائم، ومثلما ناشدنا المكون السياسي الشيعي، نناشد المكون السياسي السني؛ أنه من واجب هذا المكون الذي اختار أن يكون سنيّاً أن يعمل على عدم طأفنة الوطن، وأن يعمل على البحث عن القواسم المشتركة مع الآخر، ليكون الوطن ومصالح الناس جميعاً حاضرة أمام الجميع. نأمل أن يتجاوز تجمع الوحدة الوطنية بنيته الطائفية ويخرج إلى سماء مكونات الوطن، لتنضم إليه وتكون تحت رايته، فهناك الكثير من الناس من المكون الطائفي الآخر يتفقون مع الكثير مما يطرحه التجمع من رؤى.
وعلى صعيد ما بعد رفع حالة السلامة الوطنية، ماذا نأمل من السلطة؟
أجد ذلك في عبارة مختصرة جدّاً، إلا أنني أجدها معبرة عما نأمله من السلطة بعد رفع حالة السلامة الوطنية، أناشد جلالة عاهل البلاد: إن شعبكم بكل مكوناته يراهن على حكمة جلالتكم، فأنت ملك للجميع، ومسئول عن الجميع، ونحوك يتطلع الجميع وبين يديك يضع الجميع مستقبله.
نراهن كثيراً وبغير حدود على حكمة جلالتكم، ليسير الوطن تحت قيادتكم إلى ما تصبون إليه ويصبو إليه شعبكم
إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"العدد 3188 - الإثنين 30 مايو 2011م الموافق 27 جمادى الآخرة 1432هـ